قصة و حكمة من زياد الصوفي.. 38

القصة:

حفلة الاستقبال خلصت، و رحلة النظافة و الحلاقة و الذل قربت تخلص، و إجا دور فرزنا نحنا الزائرين الجدد على الزنازين بحسب التهم اللي موجهة النا..

البسنا تيابنا و ساقونا بصف واحد باتجاه الساحة الرئيسية..

مرورا عبر الساحات و بوحدة منها، بشوف مساجين متجمعين بصدر الساحة بانتظار شي معين، بعرف بعدين أنو هية منطقة انتظار المساجين اللي عندهون زيارة..

على يمين هالصف زنزانة مفتوحة و المساجين واقفين برا عم يقرو الجريدة و صوت التلفزيون طالع من جوا.. قلت بقلبي خي أخيرا شفت شي بيطمن، بيتضحلي بعدا أنو هيدي زنزانة المحكومين إعدام و في توجيهات أنو يسمحولهون بالتلفزيون و الجرايد بشكل يومي بحجة أنو نهايتهون قريبة..

منوصل عالساحة الرئيسية بانتظارنا مساعد بلش يصرخ:

أنتو الحيوانات الجدد؟؟ ايه لا أهلا و لا سهلا..لو مانكون مجرمين ما بتجو لهون..

أسمعو علي يا ولاد الكلب: أحاديث جانبية ممنوعة، أحاديث مع المحكومين إعدام ممنوعة أو بوعدكون تصيرو معهون، أحاديث مع تجار و مهربين المخدرات ممنوعة..و يا و يلكون تنسو هالكلام..

و هوة قال هالكلمة، كأنو عطا كلمة السر.. و ركضو العساكر بالخيزرانات يضربونا باليمين و الشمال.. لحقني من هالحفلة خيزرانتين على ضهري ضليت معلمة لوقت طويل..

هادي القتلة منشان ما تنسو اللي قلتلكون ياه فهمانين يا ولاد الهيك و هيك؟؟

سلموني لزنزانة بالساحة رقم 5 ، أبو العبد من مصياف عريف الغرفة استقبلني و قلي انت هون بخير إذا بتسمع الكلمة، إذا بدك أي شي بتقلي..

بالساحة من برا، شباب لابسين تياب زرقا موحدة عم ينضفو أرض السجن، بفهم بعدين انهون الشباب الفارين من خدمة الجيش..

النهار بيبدا بتدمر الساعة ستة الصبح.. الفطور الساعة سبعة و نص، الغذا الساعة 12 و العشا الساعة 3.. و ممنوع بعد التلاتة الأكل أو الشرب أو تدخيل أي شي لجوا الزنزانة..بينقفل الباب الساعة 3 و نص لتاني يوم الصبح..

علي يميني راغب من مضايا، و على يساري عبدالله من بانياس..

و الزنزانة عبارة عن مستطيل طويل بباب واحد عالساحة و أربع طاقات بالسقف منشان مراقبتنا..و لمبة صغيرة باتضل شاعلة ليل و نهار..

من الساعة 3 و نص الكل قاعد على فرشتو، و ممنوع أي حديث جانبي باستثناء صوت حكواتي الحبسة..

الحكواتي شخص بيعينو عريف الزنزانة منشان يحكي قصص و حكايات، هوة الوحيد المخول بالحديث و ممنوع حتى التعليق على حديثو أو حتى سؤالو..

عشر ساعات يوميا كنت مضطر أسمع لحديث شب شامي من زملكا عم يقص علينا.. حكايات و قصص كنت بتمنى أنو ما أسمعها لسخافتها و تكرارها بشكل يومي.. و المسكين مانو أسعد مني بهالمهمة بس مضطر إجباري عنو..

إجا الليل و بدي الترقيم.. العريف باكتشف بعدين أنو مضطر يقدم خمس أسماء كل يوم الصبح لسوء السلوك أو هوة بياكلها عن الكل..فالشباب اللي جوا كانو عاملين ورديات للترقيم، كل يوم كنا نعرف مين طالع عالعقوبة من الصبح..دوري كان يجي كل خمسة أيام اطلع فيها عدولاب الصبح..

مرة من المرات طلعو الشباب الخمسة الصبح و اتأخرو بالرجعة.. لما رجعو بعد ساعتين، ما فيني أنسى منظرهون.. كل وجهون عم يدمي و تيابهون كلها مشرطة، بيحكولنا بعد ما دخلو أنو من سوء حظهون اليوم مدير السجن هوة اللي نفذ العقوبة بأيدو.. كان مناوب ليلتها و الهيئة سكران طينة و فش خلقو بخلق الله..

من يوم ما شفت هالمنظر، صرت أكول هم دوري بالوقت اللي صدقا ما كنت حتى أحسب حسابو، أنو كاس عكل الناس و اليوم حصتي..

هيدي تفاصيل نهار عادي بسجن تدمر، يوم متل كل يوم.. حبيت احكيلكون ياها منشان تفهمو بالإيام الجاية أنو التفاصيل هية الحالة العادية ، و اليوم العادي بدون تفاصيل هوة الاستثناء..

الحكمة:

يا راكض عالحوار مع بيت الأسد، إنشالله بياخدك الواحد الأحد..

 

About زياد الصوفي

كاتب سوري من اللاذقية يحكي قصص المآسي التي جرت في عهد عائلة الأسد باللاذقية وفضائحهم
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.