التقيت به في فرنسا منذ سنين بعيدة …
أصله من مصياف، فنان حالم، موهوب، أتى للحصول على الدكتوراه وبدأ بسنة تعلم اللغة الفرنسية، تمهيداً لإلتحاقه بإحدى الجامعات …
كنت أعرف تقريباً كلَّ شيء عن الفرنسيين، لغتهم، ثقافتهم، عاداتهم، نكاتهم وما إلى ذلك ..
استرعى إنتباهي هذا الرجل، فقد كان الوحيد بين القادمين من بلدي، الذي استطاع بعدد محدود من المفردات (أذكر أنها كانت حوالي عشرين) متقطعة وممزوجة بقهقهات جميلة، جَذْبَ اهتمام الفرنسيين واستهضامهم له …
روى لي مرة وهو الإسماعيلي النشأة العلماني السيرة، كيف كان يختبئ مع رفاقه وهو طفل قرب ضريح أحد الأولياء في مرتفع بجانب القرية.
وكان هذا الضريح مقصد المؤمنات اللواتي لم يشأ القدر أن يرزقهن بولد، فيأتين للتشفع وإبتغاء الرضا ويتركن قرب الضريح ما طاب من المآكل والحلوى.
وبعد إنصرافهن كان صديقي ورفاقه يقومون بالغزو على الأطايب فهي متاحة ومصيرها التعفن أو الإلتهام من الجوارح وهم بها أحق وأولى.
وكانت سعادة الغازين بالغة وضحكاتهم تشق الخلاء على تلك المسكينات اللواتي إعتقدن أن الأضاحي ستسر الوليّ وتستجلبن شفاعته.
كَبُرَ الفتى والتحق بالجامعة، وأول إنجازاته كان الوقوع في حب حلبية من عائلة معروفة.
زار والدها وقال له: ‘يجب أن تعلم أني إسماعيلي المولد لكني أحب إبنتك وأريدها زوجةً لي’.
أجابه الأب الحكيم: لم أفهم، هل أنت مختلف؟
قال له صديقي: هكذا يُقال.
قال الأب: هل بشرتك خضراء؟
– لا.
– هل عيونك بنفسجية؟
– لا، طبعاً
– هل أنفك خنزيري؟
– لا أعلم ولا أظن.
– إذاً على بركة الله يا ولدي، القرار لها فإن رغبت بزواجك، نكون أول المهنئين …
هكذا كانت سوريا قبل أربعين عاماً وأكثر.
هلاّ تعود لكي نعود.