قراءة في كتاب المباديء / ناتالي أنجير

جولة نطوف فيها حول الأُسس الجميلة للعلم !TheCanon

ترجمة: د. مصطفى إبراهيم فهمي

مقدمة كاتب السطور :
بالرغم من الأسباب والمظاهر والأجهزة اللامتناهيّة العدد الموجودة طوع البنان في عالم اليوم وغالبيتها تُثبت أنّ ثمّة شيء واحد هو صاحب الفضل في إختراعها أو إكتشافها .. العِلم بالطبع !
إلاّ أن معظم العلماء (الحقيقيين) يُفضلّون الربط بين مصطلحي (العِلم ,والشّك أوعدم اليقين) ! لماذا ؟
لأنّ هؤلاء العلماء مهما كانت بحوثهم وطرقهم وأدواتهم دقيقة في تقرير نتيجة ,للوصول الى نظرية ما .
فإنّهُ يبقى هناك إحتمال لظهور نظرية اُخرى مختلفة تحوز نفس الدرجة من الثقة في نفس الموضوع .
نعم ..لا وجود لليقين المطلق في العلم ,ولا حقائق مطلقة إنّما نسبيّة !
بينما عكس ذلك نسمعهُ من جميع تُجّار الدين الذين يتحدثون عن الحقيقة المُطلقة .
ونتيجة أقوالهم وفتاوييهم تلك نراها عياناً على أرض الواقع ,مذابح الداعشيين للناس من مختلف الأصناف ,في سوريا والعراق اليوم .. وحتماً البقيّة تأتي في باقي المنطقة .
فإلى متى يتجاهل الناس في بلادنا البائسة ,هذا الفارق الرهيب بين نتائج القراءة العلمية ,والقراءة الصفراء لكتب التراث البائس ؟
***
ناتالي أنجير !
تقول مؤلفة الكتاب (الذي نحنُ بصددهِ) عن نفسها ما يلي :
أنا كاتبة علميّة .ظللتُ كذلك طيلة عقود من السنين خلال حياتي المهنيّة .
أنا أقّر بذلك ,أنا أحبّ العلم .لقد أحببتهُ منذُ طفولتي .
وتسأل نفسها: لماذا آخذ العلوم على نحوٍ شخصي ؟
وتجيب : لأنّي واعية ,ولو سنحت لي الفرصة سأعتبر خطر عادم النفاثات أمراً شخصياً !
ثمّ تقول : مرحلة الطفولة هي الوقت الوحيد من الحياة ,حيث نتوّقع من جميع هذه الفئة العمرية الإهتمام بالعلم !
وما أن تبدأ مرحلة الدراسة الثانوية حتى تبدأ معها مرحلة الغربلة الكُبرى ونتف الريش بلا رحمة ,مع المتعة والضحك الصاخب من أعماق جوفنا .
ويصبح العِلم يمثل المنطقة الوعرة لكهنوتٍ صغير وله زيّ بائس !
ثمّ تقول :
عندما أخبرني مُصفف شعري بأنّهُ ينوي زيارة بورتريكو (التي زُرتها في الصيف السابق) ,أوصيته بأنْ يزور تلسكوب آرسيبو !
الذي يعمل بالراديو ويقع في الجانب الشمالي الغربي من الجزيرة .
عندها نظر إليّ وكأنّني إقترحتُ عليه زيارة مصنع لمواد تنظيف الغسيل .
وسألني 🙁 لماذا بحقّ الجحيم تكون لي أدنى رغبة لفعل ذلك ؟)
قلتُ له : لأنّهُ واحد من أكبر تلسكوبات العالم وزيارتهِ مفتوحة للجمهور .
علاوةً على أنّ جمالهُ يخلب اللّب , ويبدو كأنّهُ طبق حلوى ضخم بمرآة , يستقر بجانب جُرف منذُ ستينات القرن العشرين .
كذلك مُلحق به متحف علوم عظيم ,وسوف تتعلّم عن الكون الشيء الكثير.
قال : كما تعلمين ,لستُ واحداً من مهاوويس التكنلوجيا !
و أخيراً تقول عن كتابها هذا ما يلي :
هذا الكتاب هو مُحاولة متواضعة لدفعِ قضيّة العِلم الى الأمام .
ولوكز الصخرة التي إستقرت على قمّة التلّ ,لإطلاق العنان لجمال العِلم في حيويتهِ , كما يبهرنا دوماً !
***
الآن سأورد بعض المقاطع ممّا كتبته ناتالي أنجير في كتابها (المباديء) , لغرض تشجيع العامة على القراءة العلمية .
وسأتدّخل فقط في بعض الصياغة لبعض العبارات لغرض تسهيلها على المتلّقي .
***
ص 16
لقد أجبرتُ نفسي على تصديق فكرة أنّ تقدير العلم يقّل تدريجياً مع نموّنا جميعاً ,الى درجة تفوق أن نهتم به .إلاّ عند أؤلئك الذين ينمو مخّهم الى درجة فائقة .وتلك حقّاً مفارقة غريبة في هذهِ الحياة !
***
هناك كلمات سمعتُها كثيراً على مرّ السنين
كلّما ذكرتُ لأحدهم عملي الذي أعيش منهُ .. الكتابة العلميّة !
أسمع مَن يقول لي :
أنا لم اُتابع أيّ قراءة علمية مذ رسبتُ في الكيمياء في الثانوية !
فكيف يستطيع المرء زحزحة التقدير النمطي الضعيف لوعي الاُمّة بمادة الكيمياء ؟
***
ظلّت الكتابة العلمية تُعّدُ نوعاً من (الكيتو) الأدبي والصحفي له وضع مُنعزل إمّا فيزيائياً ,كما في القسم العلمي الإسبوعي من صحيفة النيويورك تايمز.أو فعلياً ,كما يحدث بتجاهله في معظم الأماكن والأوقات ,بصرف النظر عن إرتفاع مستوى الثقافة !
***
ص 27
من الخطأ أن لا نقرب من العِلمْ ,إلاّ حسب الحاجة المؤقتة وإعتبارات المجتمع المدني !
لماذا لايكون ذلك بدافع شغف طبيعي ؟
فأنتَ تحتاج أن تلّم بالأمور العلمية ,بالقدر الذي تسمح به خلايا دماغك !
***
العِلمْ ليس مجرد شيء واحد ,أو خط واحد من الإستدلال .
وليس مادة علمية يمكن ضمّها في كتاب واحد , مثل تأريخ الإمبراطوية العثمانية !
العِلمْ كيان ضخم , مُحيط عظيم من الخبرة البشرية ,إنّهُ نِتاج المُخ !
وهو أيضاً الذي جعل المُخ البشري يصبح أكثر تموّجاً من مُخ أيّاً من الكائنات الأخرى التي أنجبها هذا الكوكب !
فإذا لم تتعلّم أبداً السباحة , لاشك أنّك ستندم يوماً ما .
فالبحر بالغ الكبر , ولن يتركك تنسى ذلك !
***
العلم مُتعة ! وهو ليس مجرّد صيحة : بُص شوف الفرقعة !
إنّهُ متعة بالطريقة التي تكون فيها الأفكار الثريّة مُمتعة .
وبالطريقة التي تكون فيها رؤية ما تحت السطح ممتعة .
عندما نفهم كيف تجري الأمور بنجاح يتوّلد إحساس رائع .
فهم الحياة من الامور الممتعة .والمتعة أمر ممتاز بالطبع !
***
ص 28
دافيد بوتستين , عالم وراثة في جامعة برينستون يقول :
في بداية دراستي الجامعيّة كنتُ في نزاع دائم مع والدي .أرادني أن أكونَ طبيباً ,وأردتُ أن أكونَ عالماً !
أوضحتُ لهُ طويلاً أنّي لن أدخل كلية الطب !
والحقيقة أنّني كنتُ مشغولاً بالفعل في بحث عن ( دي إن أي ) D.N.A
وكان بحثاً يُثير الإهتمام .
ذات مساء حاورني أحد أصدقاء والدي وكان جراحاً عامّاً عن المجال الذي اُخطّط للعمل فيه .
وعندما أصغى لإندفاعي في شرح فوائد عِلم وظائف أعضاء الإنسان وتجبير العظام المكسورة ,وما يعنيهِ تركيب ال ( دي إن أي ) ودلالاتهِ ,
رفعَ عينيهِ وقال :
[أنتَ أكثرُ الفتيانِ حظّاً في العالم ,كونك ستنال أجراً عن عمل تستمتع بهِ]
***
بيتر جيلسون الذي يعمل اُستاذاً لتأريخ الفيزياء في جامعة هارفارد , يتعجّب ساخراً من الجمهور الذي يتخيّل أن العلم يخلو بالكامل من أيّ بهجة .يقول :لم ألتقِ يوماً بطفل ,إلاّ ويعتقد أنّ العلم ممتع ومُثير حقّاً !
***
توماس مان , كاتب رواية ومقال يقول مُتشكيّاً :
الكاتب فرد تكون الكتابة عنده أشّد صعوبة ممّا لدى الآخرين !
ويضيف :عندما أعود الى بيتي ,وبعد ان أكون قد كتبتُ طيلة النهار تسألني زوجتي إنْ كنتُ عائداً تواً من جنازة !
***
ص 31
تسأل ناتالي أنجير المعلم عموماً :
ماهي الأفكار الأساسيّة التي تأمل أن يستخلصها طلبتكَ من المحاضرة التمهيدية ,كي يظلّوا محتفظين بها بعد الإمتحان النهائي لزمن يزيد قليلاً عن الفيمتوثانية ؟
(تقصد وجوب أن يوصل المعلم أفكار تساعد الطالب ,وليس تلقين معلومات يمكن نسيانها بسرعة)
ثمّ تقول :عند مواجهة العلماء بسؤال :ماذا توّد أن يعرف الناس عن العلم ؟
يشعر الكثير منهم بالحاجة المُلّحة للحديث عن تحسين التعليم في المدرسة الإبتدائية والثانوية !
***
العالم ديفيد بالتيمور
الرئيس السابق لمعهد ( كالتك ) .. أيّ معهد كاليفورنيا للتكنلوجيا !
يقول ما يلي :
[لا يهمّني بأيّ حال أنْ يحفظ الناس الجدولَ الدوري للعناصر أو لايحفظوه ما أفهمهُ أنّ الناس أكثر إهتماماً بالأمور التي لها معنى في حياتهم الخاصة وكلّ ما أتمنّاه ,هو أن يتعاملوا مع تلك الأمور والمشاكل بطريقة أكثر عقلانية !]
****
ص / 38
يقول ( مايكل دوف ) عالم الفيزياء النظرية في جامعة ميتشجان مايلي :
في العِلم لا نتحدث عن الحقيقة المُطلقة !
والعِلم ليس مجموعة جامدة من العقائد !
وحتى الحقائق التي نسمّي أحدها حقيقة علمية دامغة ,
إنّما يتّم مراجعتها وتحدّيها وتنقيحها بإستمرار !
مع ذلك (ويا لسخرية القدر) تسمع من الإصوليين إتهامات للعلماء
بعدم المرونة في مواقفهم !
***
ص 42
يقول دافيد بوتستين , من جامعة برينستون مايلي :
من الأسهل تقديم العِلمْ الى الطلبة والجمهور غير المُتخصّص
إذا كانو من الأفراد الذين يُصلّحون سياراتهم بأنفسهم .
أو يضعون أيديهم في مختلف أنواع الماكينات .
لأنّهم على إستعداد لتفهّم ميكانيكية عمل الأشياء !
***
ص 44 / يقول بريان كرين ما يلي :
نحنُ لسنا كيانات منفصلة عن هذا الكون إنّما نحنُ جزء منهُ .
عندما ندرسهُ فإنّنا في النهاية نحوّل المرآة الى أنفسنا .
خامتنا التي صُنعنا منها هي نفس خامة الكون .
والمكوّنات هي ذاتها ,وتخضع لنفس القوانين السائدة في الكون !
***
ص 48
الوردة رغم جمالها تبقى وردة عند النظر إليها بعيوننا البشرية .
لكن عندما نستعين بالعِلم ونستخدم ميكروسكوب جيّد لتفحّص تلك الوردة
فإنّها تتحوّل الى قصيدة سوناتا !
***
ص 55
في العِلم هناك مبدأ صغير يُسمى / قانون الأعداد الكبيرة !
وهو يعني من بين أشياء كثيرة ,أنّهُ إذا كانت الجماعة التي تنظر في أمرها كبيرة جداً .فإنّ أيّ شيء تقريباً يمكن أن يحدث فيها .
الأحداث التي تكون نادرة في النطاق (أو العدد) المحدود ,
تصبح ليست مجرّد أحداث شائعة (في الأعداد الكبيرة) بل أحداثاً متوقعة !
***
الخلاصة :
الآن لنخرج بفائدة واحدة على الأقل ممّا قرأناهُ توّاً ,فليحاول القاريء الكريم تطبيق هذا المبدأ العلمي الأخير ,على الزيادة السكانية الرهيبة في مجتمعاتنا البائسة .
لتروا حجم المشاكل التي يمكن حدوثها نتيجة ذلك !
وهذهِ نقطة في بحر من الفوارق الناتجة عن الإصغاء للعِلم / أو لتُجّار الدين .
لهذا سأبقى اُردّد حتى الموت :
أنّ القراءة العلميّة خير ألف مرّة من القراءة الصفراء لكتب التراث !
تحياتي لكم

رعد الحافظ
20 يونيو 2014
(أيام المونديال / كأس العالم لكرة القدم ال ( 20 ) في البرازيل) !

رعد الحافظ(مفكر حر)؟

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.