حكمت المحكمة في حوطة بني تميم على والد الطفلة «لمى» بعد خمسة أشهر من حادثة قتلها بإطلاق سراحه بعد دفع الدية، ولا أدري في هذه الحال إن كان يحق للوالد القاتل أن يأخذ شيئاً من الدية؟! كيف لا وهو والدها؟! وطالما أن المحكمة لم تجرمه وقد قتلها، لأنه والدها، فبالتأكيد لن تمنعه من أخذ ديتها، وبنتيجة كهذه سنجد أن القاتل قد حصل على مكافأة نتيجة فعلته لا على عقوبة.
ولو كنتُ أستطيع أن أرسم بعد هذه الجملة صورة وجه يضحك لفعلت، لأننا نكون قد وصلنا إلى وصف نكتة لا إلى جريمة قتل طفلة، لكن هذه النكتة ستُقتل سريعاً أيضاً بمجرد أن نعرف أن التقرير الطبي تأخر بحسم تهمة الاعتداء جنسياً عليها نتيجة للعنف الذي مورس على مناطق حساسة من جسدها تعرضت للكي والانتهاك بواسطة عصا وسلك كهربائي، وعلى رغم أنه ما بعد القتل جريمة إلا أن وصف التعذيب الذي تعرضت له الطفلة لمى قبل أن تلفظ أنفاسها في المستشفى في حد ذاته أبشع من القتل نفسه، بل يبدو أن الموت عنه أرحم. وقد أثبت أن الفاعل خطر على المجتمع كله وليس فقط على عائلته إن عاد طليقاً حراً ومن دون علاج، وقد حاول الوالد أن يهرب من عقوبة القتل بالتشكيك في سلوك طفلته ذات الأعوام الأربعة، لكن القضاء لم يضطره إلى دفاع كهذا، فهو نجا من فعلته بكل الأحوال.
على رغم أن الإسلام نهى عن تعذيب قطة وهدد معذبيها بالنار في حديث صحيح، إلا أن وفاة طفلة نتيجة كسر في الجمجمة وفي الذراع وحروق على الجسد وتشويه لمناطقها الحساسة، لا يستوجب عند القضاء حكماً ولو بالسجن سنوات طوالاً، فهذه الطفلة المقتولة هي في النهاية، ابنة القاتل، وكأن «البنوة» صك ملكية لا علاقة إنسان بإنسان محفوظ القيمة والحرمة.
القاضي اعتمد في حكمه هذا على حديث «لا يقاد الوالد بولده»، على رغم أن هذا الحديث اختلف الصحابة فيه، وجعلوا فيه ثلاثة مذاهب، بل وضعّفه بعضهم ولم يأخذ به، وقيل إنها قاعدة في عادات الثأر عند العرب، وليست قاعدة فقهية جاء بها الإسلام، إلا أن هذا الحديث الضعيف تقدم على الآيات القرآنية التي حرّمت قتل النفس، بل وجعلت من عظم حرمتها أن من قتل نفساً كمن قتل الناس جميعاً، ووضعت حكمها صريحاً يقول «والنفس بالنفس». فلم لا ينطبق هذا كله على قتل طفلة، أليست نفساً؟ الرجل الذي قتل طفلته لم يكن سوياً، فقد اشتهر بأنه متعاطٍ سابق للمخدرات، وقضى طفولته في دار للأيتام، ربما عاش طفولته ضحية، لكنه تحول إلى مجرم، وبدا – وهو يقتل طفلته – مهووساً بالتعذيب والوحشية، وهذه كلها مظاهر عدم سوية نفسية واجتماعية، والحكم بإطلاق سراحه لم يستند إلى هذا وإلا لأحيل إلى العلاج.
إطلاق سراح قاتل - علاوة على ضياع حق القتيلة - يعرض المجتمع مرة أخرى إلى التعامل مع شخصية غير سوية، عديم المسؤولية، وقد يعود ويتولى مهماته القديمة من ولايته على أسرته وأطفاله، وقد يعود إلى عمله حارس مدرسة، وقد يعود إلى عمله مرشداً وموجهاً دينياً، وهنا أجدني أتساءل: كيف استطاع مثل هذا الرجل غير السوي أن يزاول كل هذه المهمات بينما تموت طفلة مثل لمى بلا ذنب؟
نقلاً لـ صحيفة “الحياة”