لأنها حكاية من زمن قديم (وجميل)، يجب أن نبدأها بالعكس. أي من الحواشي، أولاً، تاريخها، عام 1958. كان لبنان غارقاً فيما عرف بـ«الثورة»، عندما اضطرب البلد بالسرعة المطلوبة، وانقسم على نفسه بأسرع مما اضطرب، ونُشرت الحواجز تلبية لذلك النداء الشهير الذي أطلقه الفرنسيون أيام ثورتهم: إلى المتاريس.
ثانياً: السيدة سعاد محمد، مطربة مصرية مولودة في لبنان، ذات حنجرة غنية. كان كثيرون يشبهونها بأم كلثوم. لكن من سوء حظها أنها ولدت في عصر قدِّر خلاله أن تولد أم كلثوم واحدة.
لذلك، بقي قدر سعاد محمد محدوداً ودون كفاءتها. وأرغمها ذلك على الغناء على المسارح بدل الاستغناء عنها. وربما كان العائق الأهم في طريق صاحبة «أوعدك»، السمنة التي لم تستطع التخلص منها، ولم تنفع ملامح الوجه الجميل في إخفاء زوائد الجسد.
هذه السنة، 1958، كانت أشهر حمل فيروز. وعندما أصبحت في شهرها «التاسع» كانت الثورة تزداد حدة وتوسعاً. وكانت فيروز وعاصي يعيشان في «الرابية» شرق بيروت، فيما كان طبيبها المتابع في مستشفى الجامعة الأميركية، غرب بيروت.
أجّلت موعد المعاينة مرات عدة، ولم يكن الخائف عليها من «العبور» زوجها عاصي، بل صهرها منصور. وكان الرحبانيان يتقاسمان كل شيء؛ الشعر والموسيقى والعبقرية. أما الشجاعة فقد احتكرها عاصي. ورفض منصور أن تمر به أو يمر بها، مع أنه عاش شبابه راعياً في البراري، ويفاعه في مقهى والده، أبو عاصي، حيث تكاثر القبضايات.
كانت حجة منصور أن فيروز معروفة، لدى الجميع، ومن بينهم الزعران. فماذا يمنعهم من التسبب «بمشكل» بالتعرض لها؟ وقال له عاصي يائساً، مستسلماً: وماذا تقترح؟
أجاب منصور الذي أعد الجواب سلفاً: «أن تتنكر! أن تغير حلاسها (متنكرة)، أي شيء يموه مظهرها».
نادى عاصي على فيروز، فجاءت بطيئة متثاقلة، تسند حملها بيديها، فهتف عاصي ضاحكاً: «بشرفك ولاه منصور، أكثر من هيك تنكر؟ هيدي فيروز أو سعاد محمد».
المصدر الشرق الاوسط