فلسطين أرضاً وشعباً.. ثمَّ عنواناً

بقلم عضيد جواد الخميسيjewpalastinekiss

ليس في العالم بقعة من الأرض ، اتحفت العالم بما اتحفته به فلسطين من دين ومدنية باعتبار
مساحتها وعدد سكانها ، اليونان مع كل فلسفتهم ، والرومان مع شريعتهم ، أقل تأثيراً في المجتمع البشري من الفلسطينيين مسيحيين ويهود . تأثير اولئك كان ومايزال .
النفوذ الباريسي السياسي ، والهيمنة اللندنية الثقافية ، ليسا بالشيء العظيم تجاه نفوذ اورشليم الروحي وهيمنتها المعنوية على عقول ملايين البشر من كل الأجيال والأمصار .
عين المسلم والمسيحي واليهودي[ حيثما كان المسلم والمسيحي واليهودي اليوم ] أبداً تتّجه نحو أرض المقدس لاستمداد الوحي ، الإلهام ، ورجلهم تسعى اليها قصد التبرك والحج .
ما جرى في هذه البلاد من الحوادث التاريخية أكبر من ان تسعه بلاد اخرى بحجمها وعدد أهلها . تاريخها القديم أشبه بنافذة تطلّ على حضارات العالم الاولى بأسرها من فرعونية وبابلية آشورية وحيثية وفارسية ويونانية ورومانية . ان تدرس تاريخ فلسطين عبارة عن درسك تاريخ العالم القديم . سهولها معرض عُرضت فيه معظم جيوش الممالك القديمة ، وميادين قتالها مسرح شخصت عليه أهم وقائع لأعظم الغزاة وأكبر الطامعين من طثميس وسرجون ونبوخذنصر وكمبيس الى الاسكندر فبمباي فيوليوس فاغسطس فتيطس ، ومن عمر ابن العاص وصلاح الدين فهولاكو الى نابليون فابراهيم باشا فالجنرال اللنبي . كل من حلم بإخضاع العالم لتأسيس مملكة تشمل ممالكه سواء كان ابن مقدونيا الاسكندر اليوناني او ابن كورسيكا الفرنساوي او ابن هوهنزلرن الالماني اسس جيوشه في سوريا ( ومن أجزائها فلسطين) لعلمه أنها منذ القدم بمثابة الرقبة تصل الشمال بالجنوب والشرق بالغرب كميدان للقتال او جسر تجتازه جيوش اوربا وآسيا وافريقيا في أثناء الحروب ، وسوق للاتجار ، او طريق تسلكه القوافل بين المشرق والمغرب في ابان السلم تلك هي سوريا وفلسطين .
موقع البلاد الجغرافي ، لم يساعدها قط على إنشـاء قومية مستقلة ، او امة موحدة . موقعها هو بين حجري رحى على ما شبهه كتبتها الأقدمون ، دول البابليين والآشوريين والحيثيين من الشمال ودول المصريين من الجنوب . وفي النوب القصيرة التي لم تكن تحت نير أجنبي كانت تقتسمها ممالك وطنية جمّة، منها الفلسطينية والاسرائيلية والموابية والادومية والامونية التي كانت تتنافس وتتطاحن وقل منها من استأثر بالبلاد كلها او طالت سلطته فيها .
في بادئ الأمر اكتسحت بابل فلسطين ( حوالي سنة 3200 ق.م) وتناوبت حكمها مع مصر تكراراً ، ثم استولى عليها الآشوريين فالكلدان ثم الفرس ( نحو 550 ق.م ) فالرومان ( 63 ق.م ) ثم العرب المسلمون ( 634 م ) ثم السلجوقيون الاتراك ( 1072م ) ثم الفرنج الصليبيون الذين دامت مملكتهم من 1098 الى 1187م ثم المماليك المصريون وأخيراً الأتراك العثمانيون الذين بسطوا سلطتهم على سوريا بأسرها من سنة 1516 الى سنة 1918م .
برغم كل تلك المتغيرات ظلت الشعوب السامية في سوريا وفلسطين محافظة على آدابها وعاداتها ولغاتها من آرامية وعبرانية وعربية . بابل حكمت البلاد مئات السنين ولم تترك فيها أثراً سوى كلمات معدودة ” كهيكل ” و ” نبي ” و ” قربان ” وأسماء أماكن قليلة كاورشليم ( اور ـــ سلم ) وجبل سيناء حيث ازدهرت عبادة القمر ( سين ) . كذلك آثار مصر ونينوى والاستانة تكاد تكون في سوريا وفلسطين أمراً معدوماً . الصليبيون ترددوا الى البلاد مئتي سنة ولم يبقوا فيها تذكاراً سوى قلاع خربة ، وأعين زرقاء وشعور حمراء في بقاياهم . على ما نشاهده اليوم في سكان بيت لحم مثلاً . دول أتت ودول زالت اما الفلسطيني فهو ثابت لا يتزعزع .
في الفترات التي لم تكن فيها فلسطين تحت سلطة اجنبية كانت البلاد بيد شعوب وطنية تختلف باختلاف الزمان وباختلاف الاقليم ، أول هذه الشعوب، الشعب الفلسطيني الذي توطن الشقة البحرية من يافا فما دون لجوار غزة . هذه الشقة كان يقال لها ” فلسطيا ” أما بقية البلاد فاتخذت أسماء القبائل التي فيها . فتسمية البلاد كلها اذن بفلسطين هي من باب تسمية الكل باسم البعض . على ان هذا الاسم لم يطلق على البلاد الا في العصر البيزنطي اي بعد القرن الخامس الميلادي . ولم تعرف فلسطين بهذ الاسم قبل ذلك . ولم يكن للبلاد حدود معروفة الا في ذلك العهد .
سكان فلسطيا هذه [وهم الفلسطينيون المذكورون في التوراة] لم يكونوا من الجنس السامي بل من الفصيلة الاوربية ، بدليل احمرار شعورهم وازرقاق عيونهم . وربما كانت يومئذ فلسطين كلها مأهولة من هذه الفصيلة قبل ان احتلها المهاجرون الساميون .
انما الشعوب التي برزت في فلسطين ولازمتها من قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام ليومنا هذا هي شعوب سامية ، كانت هذه الشعوب تنزح الى البلاد وحدانا ثم تقتحمها مجاميع فتقيم في جزء منها تتخذه وطناً وتجعل دأبها توسيع تخمها على نفقة جيرانها وبواسطة الغزو والقتال . واول هذه الموجات السامية التي طغت فغطت بعض اجزاء البلاد هي الموجة الكنعانية الفينيقية التي احتلت شواطئ سوريا وفلسطين قبل الميلاد بنحو الف وخمسمائة سنة واينعت تجارتها عقب ذلك في صور وصيدا ، على ماهو معروف في التاريخ .
الموجة الثانية ،هي الآرامية السريانية التي تفاقم أمرها حوالي سنة 1500 ق.م واستوطنت داخل البلاد ورافقتها القبائل العبرانية التي هي بعض هذه الموجة .
اما الموجة الثالثة ، فهي التي بلغت اوجها ابان الغزو الاسلامي بعد المسيحية بستة قرون والتي اسفرت عن ادخال اللغة العربية للبلاد بعد ان كانت اللغة الآرامية لغتها .
ومن مقابلة تواريخ هذه الموجات نجد بين الواحدة والثانية منها الف سنة على وجه التقريب .
قيام هذه الممالك الكنعانية والآرامية والعبرانية جنباً الى جنب على أثر الممالك الفلسطينية الاصلية وفي خلال الفترات التي كان فيها الضعف والاضطراب مستحوذ على مصر وبابل ، وتنافس كل منها مع الاخرى امر ممكن استقصاؤه من كتابات العهد القديم، وهي بالرغم عن غموض بعضها لم تزل أهم مصدر يستقى منه . ويؤخذ من أقاصيص العهد القديم ومن الكتابات المسمارية ان المملكة العبرانية [ وهي أشهر تلك الممالك ] توحدت للمرة الاولى تحت قيادة الملك شاول عام 1095 ق.م وما لبثت ان انشطرت عام 975 ق.م الى شطرين متعاديين ، مملكة اسرائيل في الشمال التي قضى عليها سرجون الاكدي سنة 722ق.م وسبى عشرة أسباطها للفرات ، ومملكة يهوذا في الجنوب التي طال أمدها لسنة 586 ق.م، وهي السنة التي استولى فيها نبوخذنصر على اورشليم وأسر ونهب ما فيها . هذان السبيان أجهزا على الحياة القومية اليهودية ، ولم يظهر لها أثر بعد ذلك الا لبرهة قصيرة في القرن الثاني قبل الميلاد على عهد المكابين .
سكان فلسطين الحاليون، ترجع اصولهم اذن الى الكنعانيين والآراميين والعبرانيين والعرب . المسيحيون منهم هم بقايا الكنعانيين الفينيقيين يخالط دمهم ولا شك قليل من الدم العربي ومرجعه الى الغساسنة النصـارى وقليل من دم الأرمن واليونان والافرنج الصليبيين .
أصول مسلمي سوريا وفلسطين ترجع بالأكثر الى العرب الذين ما زالوا الى عهد قريب يزحفون الى البلاد زحفاً تدريجياً بهيئة البدو ولا يلبثون أن يستعيضوا عن بيوت الشعر ببيوت الطين والحجر ، وعن رعاية المواشي باستثمار الأراضي ، ويخالط دمهم بعض دم الامم الاسلامية التي كان لها صلة بالبلاد كالترك والجركس والاكراد وغيرهم ممن اعتنق الاسلام من مسيحيي فلسطين ويهودها . ولم تزل بعض العائلات الفلسطينية محتفظة بأنسابها العربية لليوم ومنها بيت الخالدي وبيت الحسيني .
وعدا عن هذه الفرق الرئيسية فبين سكان فلسطين اقوام يرجع أصلهم الى الفرس وبعض العشائر التركمانية التترية في منطقة السمرة لنابلس . وهؤلاء هم بقايا القبائل التي نقلها سرجون الاكدي لتشغل مكان الأسباط التي سباها في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد .

المصادر/

أولسون . س . البوابة ـــ نيويورك 2003
بيتر مايرز ــ نزوح وطرد الهكسوس ــ لندن 2010
ستاجر لورنس ـــ تزوير الهوية ــ جامعة اوكسفورد ــ 2001
مارتن سيكر ـــ بين روما و أورشليم ــ المملكة المتحدة ــ 2011
د. فيليب هاتي ــ شعب فلسطين ــ جامعة كولومبيا ــ 2003

About عضيد جواد الخميسي

كاتب عراقي
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.