طلال عبدالله الخوري 7\7\2014 مفكر دوت اورج
دراسات علم التاريخ الاجتماعي تفيد بأن الاقليات تنحى عادة الى الأنكفاء على نفسها, وتعيش نوعا من القلق الوجودي على مصيرها ومستقبلها, والخوف من الذوبان في محيط الاغلبية, فتندفع عفوياً للمزيد من التشرنق الاجتماعي والثقافي, وهذه هي الحالة العامة وضمن الظروف والقوانين الصحية الطبيعية!! ولكن مع وجود الثقافة الاسلامية ذات الطبيعة التوسعية والتي تسعى للهيمنة على الاقليات و تعتبر نفسها الاعلى” انتم الاعلون… وانتم خير امة.. الخ”, فان امراض الاقليات تتفاقم عزلة وخوفا, وهذا ماحدث لمعظم الاقليات وخاصة المسيحية منها في سوريا ولبنان ومصر والاردن والعراق, ولكن ايضا مع وجود الاقليات الاسلامية والتي لها نفس الثقافة من الهيمنة والغطرسة فان الوضع يتفاقم سوءاً, وهذا ماحدث للاقليات الشيعية والعلوية, وكذلك الامر للاقليات الاثنية من اكراد في سوريا والعراق وامازيغ في المغرب العربي وليبيا والافارقة في السودان.
ونفس هذه الدراسات تقول بان الاكثرية عادة اكثر رحابة، واتصال، وتفاعل مع الاخرين, واكثر ثقة بالنفس وهي تحاول ان تمنح الطمأنينة للأقليات وتستوعب مخاوفها في اطار النسيج الوطني, ولهذا السبب تنتهج الحكومات المنتخبة في الدول المتحضرة سياسة ” تدليل الاقليات” عن طريق منحهم “كوتا” إضافية في التمثيل في جميع البرلمانات والمجالس السياسية المنتخبة, وتمنحهم ايضا مقاعد اضافية في الجامعات, ووظائف في الشواغر الحكومية المدفوعة رواتبها من دافعي الضرائب, وهذه هي الحالة الطبيعية الصحية! ولكن مع وجود الثقافة الاسلامية المهيمنة والاستعلائية تتصرف الاغلبية للأسف وكأنها اقلية, مما يزيد من امراض الاكثرية على امراض الاقلية, وخاصة بان هناك تخوف من رجال الدين الاسلامي على ترك الناس للاسلام بسبب ان اكثر شعوب الارض فقرا وتخلفا وجهلا هم المسلمون, وبذلك يفقد رجال الدين دخلهم ورزقهم, لذلك هم يتحالفون مع الطاغية من اجل تقنين الاسلام وإبقائه بقوة القانون, وهنا تنشأ المصلحة المشتركة بين رجل الدين والطاغية, او ما يسمى بالحكم “الثيوقراطي” كما هو الحال في كل الدول العربية و الاسلامية.
علم الاقتصاد يقول بأن الثروات تهاجر حيث يهاجر الناس, لذلك تسعى الدول المتحضرة الى اغراء الناس بالهجرة لبلدانهم وتمدهم بالقوانين العادلة التي تساوي بينهم وبين السكان الاصليين, والاكثر من هذا تقوم بتدليلهم باتباع “سياسة تدليل الاقليات” كما اسلفنا, وذلك لكي ترحل الثروات لبلدانهم ويزداد دخل مواطنيهم عن طريق زيادة التنمية بدخول المهاجرون الجدد الى عملية تطوير اقتصادهم.
علم الاقتصاد يقول لا يمكن ان يتحسن اقتصاد الاقلية الا اذا تحسن اقتصاد الاكثرية لانه بتحسن اقتصاد الاكثرية يكون تحسين اقتصاد الاقلية تحصيل حاصل, اما اذا تحسن اقتصاد الاقلية كما حصل في سوريا فهذا التحسن سينهار مع بقاء الاكثرية فقراء, ولذلك افضل طريقة لتحسين الاقتصاد هو تحسين اقتصاد الاكثرية اي الاقتصاد الوطني لكي تأخذ معها الاقلية كتحصيل حاصل, وهذا لا يتم الا بأجواء اقتصاد السوق الحر التنافسي الذي لا يعيش الا بظروف العلمانية والحرية وحقوق الانسان
مواضيع ذات صلة: مشكلة الهوية للثورات العربية