انكب كثير من الدعاة في السنوات الثلاثين الماضية على تكريس مفاهيم خطيرة من بينها وأكثرها جاذبية مفهوم (الأمة). ترسخ هذا المفهوم في جيلين متتاليين بعد ان اهتز وكاد يتلاشى مع سقوط الناصرية.
من المتعذر في ظل القوانين السائدة مقاومة هذا الاتجاه في وعينا السياسي. لا يقاومه سوى الكتاب. الكاتب لا يملك إلا أن يكتب. وسيلته أضعف من أن تخاطب الوجدان والمشاعر. دعاة الأممية يملكون منابر المساجد والحلقات ويلتقون وجها لوجه بصغار السن. في الوقت الذي يتحدث فيه الكاتب بصوته الخفيض المحفوف بالاتهامات التكفيرية عن حب الوطن يكون هؤلاء أسسوا أجيالا تتحرق شوقا للانطلاق في فضاء الأمة الرحب.
في أي شيء وفي كل شيء فتش عن المال. تحدثنا كثيرا عن فصل الدين عن السياسة ونسينا الأساس الذي تنطلق منه كل المفاسد: استخدام الدين في التكسب والارتزاق. لم تعد وظيفة الداعية حماسا دينيا وشهرة ودعاوى سياسية أممية. توسعت أمورهم ومجالات عملهم حتى أصبحوا الشيء ونقيضه. دخلوا بقوة منطقة المال الوفير، فأحكموا وجودهم في مثلث القوة الكبرى (المال الدين السياسة). في هذا الشهر الفضيل، على سبيل المثال، استهل أحد الدعاة أولى الإعلانات التجارية الدينية. استخدم هذا الداعية لأول مرة في تاريخ البشرية (اسم الرسول عليه الصلاة والسلام في التكسب) سأتحدث لاحقا عن هذه الكارثة الخطيرة التي بدأت تطل برأسها.
سمح فضاء الأمة أن يلتحق كثير من الدعاة للعمل كأدوات في أيدي الدول الأجنبية التي تريد العبث بأمن وسلامة الدول الأخرى.
لا تكمن خطورة الاستخدام الديني في تمويه الخيانة بل تكمن أكثر في تبرير الخيانة وإكسابها طابعا أخلاقيا. توسيع نطاق مفهوم الوطن إلى أمة راوغ الضمير الأخلاقي وطمس الضمير الوطني. لكي تسمح لنفسك العمل مع أي قوة خارجية دون إحساس بالذنب يكفي أن ترفع راية الإسلام.
نتابع جميعا حركة بعض الدعاة المتحالفين مع التوجهات السياسية. صار اللعب على المكشوف. تابعنا في المسألة القطرية على وجه الخصوص اقتران المال بالدين بإحكام. شكل الدين مظلات عمل علنية للتكسب محاضرات مدفوعة الأجر توسط في ديات. ثم انتقل إلى الفضاء الدولي والعمل لمصلحة قوى أجنبية دون الحاجة إلى أي درجة من الحذر. أخمد التمويه الديني ضميرهم الوطني وأخرست تهمة التكفير ألسن المثقفين فمضت الأمور على ما يرام.
*نقلا عن صحيفة “الرياض”.