نعلم أنكم فاشلون ومنحطون وساقطون وفاشلون بكل شيء. لقد كنتم مسخرة على الدوام وأعجوبة من أعاجيب الدهر ومهازل الزمان في إدارة شؤون بلدانكم والتسلط على هذه الدول والشعوب
المنكوبة البائسة المكتوية بنيران حكامكم والتي تحولت إلى مجرد أطلال وخرائب تنعق فيها البوم والغربان وتصفر الرياح وبعد أن كنتم قد تربعتم بلا منازع أو منافس على عروش البؤس والدكتاتورية والفقر والجوع والاضطهاد والعشائرية والقبلية والتمييز العنصري والجوع والإفقار وصارت أوطانكم مقابر جماعية لشعوبها وسجوناً كبيرة تسومون فيها البشر الذل والمهانة والقهر وأصبحت هذه البلدان طاردة لأبنائها حيث تفر وتهرب من تحت نيركم وبسطاركم بقوارب الموت وتحت جنح الظلام أفواجاً وبالملايين وتقصد ديار “اليهود والنصارى والمشركين والكفار”، والعياذ بحدد وهبل وعشتار، هرباً من ديار التقوى والورع والإيمان حيث لا يـُظلم أحد وتجد عند “النجاشي” و”قيصر” و”هرقل” وملك الروم” من العدالة والمساواة والترحيب والتواضع والدِعة والاحترام ما لا، ولا يمكن أن تراه عند الخليفة “الأمين المؤتمن” ووفي أحضان “أمير المؤمنين” وتحت راية الوالي “إمام المسلمين” وتحت عباءة “خادم الحرمين” وحينما تحتمي بـ”ظل الله” وتتوسل لـ”المرشد” وترفع الصوت و”معتصماه” وترفع بالدعاء للحاكم الظالم الفاجر القاتل الفاجر البطران المختال العاهر اللص الحرامي المستبد زعيم عصابة اللصوص الكبار وحامي حمى المافيات المنصرف عن شؤون رعيته بإدارة مواخير الفساد وحماية المحظيين والمحظيات وحيتان النهب العام والمنتشي بالاستماع لمعلقات الغرام وقصائد المديح من المرتزقة والغلمان وقهرمانات القصر وبقية الطابور من الخصيان..
لقد كنتم في السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والاجتماع والصناعة والتجارة عناوين عريضة للفشل ومضرب الأمثال في السقوط والانحطاط والانحدار تتوارثون البلاد والعباد كالماشية في مزارع خاصة وتديرونها بذات العقلية القبلية والعشائرية والعائلية والأنانية المزاجية النرجسية الكيدية تحرككم النوازع والأحقاد وتستبد بكم الثارات وتسيطر عليكم الهواجس والأوهام وتحتل عقولكم الظنون ووساوس البقاء وتنظرون لها كإقطاعات خاصة موروثة ترفعون فيها الجهلة والجواسيس والقتلة واللصوص والسماسرة وتضطهدون وتطاردون الشرفاء والوطنين والأحرار والأدمغة والعباقرة وتهجـّرون العقول النيـّرة المتفتحة وتجوّعون العلماء والخبراء وتحاربون التكنوقراط…
واليوم، وبعد غزوة المونديال “المباركة”، حيث فشلت فرق سموه وسعادته وسماحته وسيادته من “الساجدين” والراكعين في تحقيق أي انتصار، وكانت تدخل أرض الملعب فقط كديكور لتتلقى الإهانات والصفعات بالجملة كما الأهداف، وتصبح مادة للسخرية والتندر والإضحاك، كما هو عهدكم الدائم في السياسة والإعلام والاقتصاد وإدارة البلاد، حيث فشلتم في تحقيق أي اختراق يذكر، فليس من المعقول، ولم يكن من المتوقع أبداً أن من يحتل المراكز الأخيرة في السياسة والعلوم والفنون والتعليم سيجد نفسه بالمقدمة أو يحلم مجرد حلم بأن يكون له مكان وموقع في عالم الكبار في الرياضة أو في أي مجال إبداعي آخر…فهذه واحدة من الأوهام الكبيرة التي تعيشونها عندما تفكـّرون للحظة بموازاة أو مساواة أنفسكم مع الشعوب المتحضرة والراقية حيث المعايير القيمية التراكمية الدقيقة التي تحكم كل مناح الحياة وحيث ينعدم الظلم والتمييز والاضطهاد وتزول الفروقات بين أبناء الشعب الواحدة حيث يتساوى الجميع بالحقوق والواجبات وهو ما رفع تلك الشعوب لهذه المستويات التي توقع بكم الخسائر المنكرة المزلزلة والمجلجلة في كل مناحي الحياة وتجعل منكم مسخرة جماعية ومضحكة للرأي العام.
يبدو الصراع والصدام الثقافي والحضاري حتمياً، كما قال هنتينغتون، وكانت ساحات المونديال أحد أوجهه، صراع لا بد منه، وهو في النهاية، وبرأينا المتواضع صراع “معايير” وقيم، معايير قائمة تطبق هنا، ومعايير قائمة تطبّق هناك، وسيحسم هذا الصراع لصالح المعايير والقيم العظيمة والإنسانية والحقوقية النبيلة العادلة وستهزم المعايير والقيم القبلية الفاشية البدائية العشائرية والعائلية والنفعية والبربرية والهمجية والعنصرية والوحشية والتخلف..
إن الخروج الجماعي والمذل لعرب المونديال هو في النهاية استكمال وتحصيل حاصل لخروجهم وسقوطهم في بقية المجالات، خروج وهزيمة لثقافة، بالدرجة الأولى، ولطريقة حياة وأسلوب ونمط إدارة ولمعايير منحطة وناقصة وساقطة أكل عليها الدهر وشرب فقدت صلاحيتها ولم تعد قابلة للحياة..
وكم كنت أشعر بالقلق والخوف والوجل وأدعو لهبل وحدد وبعل وعشتار ألا يتأهل فريق الساجدين والقبيسيات السوري للمونديال لأن مصيره في نيدان الرياضة لن يكون إلا كمصير أقرانه في ميادين السياسة والتعليم والصناعة والتجارة والاقتصاد وإدارة شؤون الرعية والعباد حيث الفشل على كافة الأصعدة والسقوط والانحطاط والمهزلة الكبرى والانهيار التام، وحيت تضع دولة ما طبيباً بيطرياً مشرفاً على المناهج والتعليم وتهيئة الأجيال، فاعلم تماماً أنها لا تنظر لشعبها إلا كقطيع من البهائم و”السايمة” والبقر والحيوانات وعندما تتخرج هذه القطعان وتنخرط في مجالات
الحياة فلن تتصرف إلا كالدواب والوحوش بالغابات.
وللعباقرة والفهمانين “خص نص” خاصة: الحضارة هي رزمة وحزمة قيمية ومعيارية واحدة ومتكاملة