عيد الهالويين هذا العام

لم يكن بالحسبان أن أكتب عن عيد الهالويين هذا العام، وخصوصا بعد ان مضى عليه عدة أيام….. ولكن استجد ما حفزني للكتابة.
طاردت ملائكتي الثلاث من بيت إلى بيت، وتصارعت معهم على حصيلتنا من الشوكولا والسكاكر…. استطعت أن اسرق من كيس آدم ما يكفي ليخفف عن أمه محاولة اقناعه بأن لا يأكل كل مافي الكيس. لكن بنجي، والعياذ بالله، فلقد تمسك بكيسه، كداعشي متمسك بسكينه وبفروضه! أما جازي فالانوثة الموروثة عن أمها تحميها من أن تتجاوز حدود جدولها المنتظم بخصوص (ما ومالا ) يجوز أن تأكل!
……
هذا الصباح وكعادة فرح كل صباح، تتصل بي في طريقها إلى العمل كي تطمئن علي وعلى والدها، خضنا حديثا شبيها بما نخوضه كل يوم، قدمت لي من خلاله تقريرا عن الاولاد وطرائفهم ومدارسهم.
في سياق الحديث سألتها: هل أكلوا كل مافي الأكياس من سكاكر؟
قالت وهي تضحك : لا بعنا حصيلتنا لهذا العام بـ 16 دولار، وتابعت: كان عليك أن تشهدي فرحة جازي وبنجي، ظنوا أنهم ملكوا بنكا، وقرورا أن يشتروا بالمبلغ بطاقات إلى ديزني لاند (للعلم ثمن البطاقة للشخص الواحد حوالي ١٨٠ دولار)
قاطعتها: بعتيهم؟؟؟ ظننت أن جدهم وجدتهم ـ والدا أبيهم ـ قد اشتروهم منهم لكي يضموا أن لا يأكلوا الكثير
ولكن فرح ردت: نعم بعناها، أقسم لك بعناهم!
سألت: لمن؟
فردت: لطبيب أسنانهم، وتابعت: هذا الطبيب مشترك مع خمسة أطباء أسنان آخرين في مدينتنا في مشروع شراء كل السكاكر من الأطفال ودفع دولارين مقابل كل باوند!!
ـ لماذا؟
ـ لكي يخففوا من النخرات السنية عند الأطفال والتي تسببها السكاكر!
ـ وماذا سيفعلون بهذه الأطنان من السكاكر؟؟؟
تجيب فرح: ماما فعلا أطنان، ليتك كنت معنا ورأيت غرفة كاملة في العيادة مليئة بالأكياس، لقد قرروا أن يختاروا الجيد منها ويعلبوه ويرسلوه إلى قطاعات الجيش الأمريكي في كل أنحاء العالم كبطاقة شكر وامتنان بمناسبة الأعياد!
……
لست هنا لأتطرق لأي موقف سياسي، ولكن لأقول باختصار شديد جدا جدا: هذا هو الوطن الحقيقي! لا يوجد وطن حقيقي إلا عندما يحس كل مواطن فيه بمسؤوليته، ويسعى جاهدا للقيام بتلك المسؤولية على أتم وجه! الحكومة، أية حكومة في العالم، لا تستطيع أن تحمي وطنها، وحده الشعب يستطيع، وعندما يفتقد الشعب الإحساس بالانتماء الحقيقي للوطن، لا ضمان لسلامة
هذا الوطن! أما الحكومة، فهي وحدها المسؤولة عن خلق هذا الإحساس ووتنمية صلة الرحم بين المواطن والوطن. وذلك عن طريق حماية حق المواطنة واحترام وجودها!
……….
هؤلاء الأطباء، (وللعلم أقول: طبيب جازي وبنجي من اصول شرق اوسطية أعتقد أنه كوري) يملكون إحساسا قويا بالانتماء إلى وطن يحترم انسانيتهم ولا يميّز بين خلفياتهم، ويقدر كياناتهم كبشر متساويين في كل الحقوق والوجبات. هذا الإحساس ينمي لديهم إحساسا آخر، ألا وهو الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن، ذلك الإحساس الذي يلزمهم بالقيام بتلك المسؤوليات على أتم وجه!
…..
كلما ازدادت النخرات السنية عند الأطفال هنا في أمريكا يزداد دخل أطباء الأسنان، فكل طفل يرى طبيبه مرتين في السنة. ولكن مسؤولة الطبيب الحقيقة هي الوقاية قبل العلاج. هؤلاء الأطباء، ومن خلال احساسهم بالمسؤولية والأمانة الطبية، قاموا بواجبهم بغض النظر عن مستوى دخلهم! ليس هذا وحسب، بل إنها رسالة موجهة إلى الطفل نفسه، يتعلم من خلالها قيمة
العملة، ويشعر بالفرح عندما يقبض ثمن ما يقدمه، ويقدر هذا الثمن!
…..
ليست أمريكا مدينة أفلاطون الخالدة في أذهان الطوبابيين، ولا أريد للمتفلسفين أن يسألوني عن جوانبها السلبية! فهي تتشارك مع بلداننا في وجود الأشرار كأي مجتمع بشري آخر، لكنها تختلف عن بلداننا في وفرة الأخيار، وعلى حد قول المثل الشعبي “إن خليت خربت”! لذلك خربت وستخرب تلك البلدان التي لا تقدّر حكوماتها قيمة الحياة، وبالتالي لا يشعر مواطنوها بمسؤولياتهم تجاه حماية تلك الحياة!
…..
طوبى لكل قيادة ترى في حماية مواطنيها الغاية من وجودها، وطوبى لكل مواطن يشعر بمسؤولياته ويلتزم بها في ظل هكذا قيادة! ولتسقط عصابات الغدر والفساد في كل مكان آخر…
أعزائي القرّاء: كل هالويين وأنتم بخير… وليكن هذا البوست محطة استراحة ريثما استأنف حديثي عن القيادات
الشريرة في تلك البقعة الميؤوسة من العالم…

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.