عيد الميلاد بنكهة خاصة من بيت لحم

اليستر مكفيل

اللوحة للفنان السوري.. وسام الجزائري من أحفاد الأمير عبد القادر.. في برّ الشام

اللوحة للفنان السوري.. وسام الجزائري من أحفاد الأمير عبد القادر.. في برّ الشام

عشية عيد الميلاد المجيد في بيت لحم، أدركت ودون أي شك أنها ليلة لا تنسى ومميزة. بكوني اسكوتلندياً، رأيت عدداً من المشاهد المألوفة لدي، كشجرة الميلاد في الميدان الرئيسي، الناس المتجهة لأبواب الكنائس، حتى أن عازفي القِرَب الفلسطينيين أحيوا هذه اليوم ليذكرني المشهد بمدينيتي. ولكن فور سماعي صوت الآذان يندمج مع أصوات تهاليل الميلاد أدركت فوراً أني بعيدٌ كل البعد عن جلاسكو، وأنني في بيت لحم، أعيش ليلة ميلاد بروح مميزة جداً.

في بيت لحم، روح الميلاد تعني روح المؤاخاة بجدارة، فبينما كنت أسير في شوارع المدينة أذهلني كم العائلات المسلمة التي تشارك فرحة عيد الميلاد مع أولادها. رأيت عدداً من الكنائس المجاورة للجوامع وسمعت كيف يشارك المسيحيون أصدقاءهم المسلمين فرحة عيد الأضحى أيضاً على سيبل المثال. هذا التآخي وتقبل الآخر يجب أن يكون الأمر الطبيعي ولا يجدر به أن يكون الأمر الاستثنائي.

في بيت لحم، روح العيد تعني السلام. السلام بين المسلميين والمسيحيين. سلام ما بين أطياف جنسيات الحجاج الذين يجوبون المدينة بلغاتهم وثقافاتهم المختلفة. سلام موجود في منطقة مزقتها الخلافات الطائفية، القومية والدينية، فهذا السلام البسيط الذي لا يترك المساحة للتطرف والراديكالية وعدم تقبل الآخر.

في بيت لحم، عيد الميلاد يعني الأمل والحلم بالمستقبل الأفضل. إلا أن هذه الصورة سرعان ما تلاشت، ففور مغادرتي للمدينة في تلك الليلة مررت بجدار الفصل الذي يفصل بيت لحم عن القدس لأتذكر سريعاً مدى هشاشة هذا السلام الذي رأيت في المدينة. يوماً أتحدث مع فلسطينيين يطمحون للحصول على دولة فلسطينية تعيش بسلام مع إسرائيل، واشاهد أيضاً التوتر المتصاعد حول المقدسات في مدينة القدس، هذه المقدسات المهمة لثلاث ديانات ابراهيمية. وأسمع يومياً عن الصراعات العنيفه في سوريا، العراق، وليبيا. ولكن عيد الميلاد في بيت لحم مدّني بالأمل ولو لفترة قصيرة، الأمل بإمكانية العيش بسلام مع جيران من مختلف الثقافات والديانات بتوافق وأمان، الأمل بأن الحوار والتفهم قادران على حل النزاعات، أمل بأن السلام الدائم ما بعد الميلاد المجيد ممكن أن يكون في بيت لحم، والمنطقة ككل ليعيد الأمن والاستقرار.

فمن الأراضي المقدسة، ومن مدينة بيت لحم أتمنى لكم عيد ميلاد مجيد وسنة جديدة سعيدة، مع تمنياتي بأن يتمتع الجميع بروح الميلاد في بيت لحم وليجدوا الأمل ويسعون لتحقيق السلام الدائم والشامل.

* القنصل العام البريطاني في القدس

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.