حلول مبتكرة ضد الإرهاب: الإختلاط في مراحل التعليم

childcompareسامي البحيري

أتذكر عندما كنا أطفالا صغارا نلعب في حواري مصر القديمة بالقاهرة، كان اللعب في الحارة مختلطا أولاد وبنات، وفوجئنا بدون سابق إنذار بإختفاء البنات من اللعب معنا عندما تخطين سن العاشرة، ولم نفهم السبب ولم يشرح أى من أهالينا عن أسباب إختفاء البنات، وتقبلنا الأمر بصدر رحب بغض النظر عن فهمنا أو عدم فهمنا، كل ما قيل لنا أنه “عيب”، وكنت في مدارس أولاد في معظم مراحل التعليم، حتى دخلت الجامعة وفوجئت بوجود جنس غيرنا يسمى الجنس الآخر، وفجأة تحسنت أخلاق الأولاد ولم نعد نستخدم ألفاظ خادشة للحياء نظرا لوجود بنات معنا في المدرج الجامعي، وبدأنا في الإهتمام بمظهرنا حتى نستطيع جذب أنتباه الفتيات، وكانت الطامة الكبرى بالنسبة لى هو أنني كنت أعجز عن الكلام مع أي بنت، لأني لم أتعامل مع الجنس الآخر في حياتي سوى مع والدتي وأخواتي البنات اللاتي تزوجن في سن مبكر ولم تتح لي الظروف أن أفهم كيف يمكن التعامل مع هذا الجنس الآخر. ومضت سنوات الجامعة الخمس بدون أن يفتح الله على بأي محادثة ذات قيمة مع أي فتاة رغم حالة التحرر النسبي التي كانت موجودة بالجامعة حين أذن (حيث أني لم أشاهد أي حجاب في تلك السنوات داخل الجامعة)، ولست أدري ماذا حدث بعد ذلك بحيث أن معظم نساء وبنات مصر لبسن الحجاب وكأن المصريون إكتشفوا فجأة أنهم مسلمون أو إكتشفوا فجأة دينا جديدا يلزم المرأة بالحجاب والنقاب، ولكن هذا موضوع آخر!


وبعد أن عشت في أمريكا حوالي ربع قرنا من الزمان وشاهدت الإختلاط في كل مكان، وعايشت بناتي وهن يختلطن بالأولاد في كل مراحل التعليم، وكان الأولاد من زملاء البنات يحضرون إلى بيتنا للزيارة أو اللعب أو مشاهدة فيلم، لم ألاحظ أو أسمع عن وجود ظاهرة التحرش الجنسي والتى نراها في مصر بحيث أن القاهرة قد أصبحت عاصمة التحرش الجنسي في العالم والسبب الأساسي في نظري هو الكبت الجنسي المبالغ فيه وعزل الجنسين من جهة وفي نفس الوقت أنتشار المواقع الجنسية الأباحية على الإنترنت والتي أصبحت متاحة للجميع، أذكر أنني لأول مرة أشاهد نسخة من مجلة البلاي بوي الأمريكية الشهيرة كنت طالبا في الجامعة وأصابتني حالة من الهلع والإستغراب، أما الآن فما ينشر في المواقع الجنسية يخجل منه محررو بلاي بوي أنفسهم!
والآن نأتي إلي بيت القصيد: كيف يمكن للإختلاط بين الجنسين في كل مراحل التعليم أن يقلل من التطرف وبالتالي يقلل من الإرهاب؟ والإجابة هي: أن معظم المتطرفون ينظرون نظرة دونية لنصف المجتمع (المرأة) وفي نفس الوقت يتم بث الكراهية في نفوس الشباب للنساء والجنس الآخر، ولكي يتم تعويض الكبت الجنسي لديهم يجري تدريبهم على أنهم حين ينتحرون في عملياتهم الألارهابية سيصبحون شهداء ويستمتعوا ليس بواحدة أو أثنين أو أربعة من الحور ولكن 72 من الحور، وبعملية حسابية بسيطة إذا حسبنا أن هناك 10 مليون شهيد منذ بدء الإسلام فلا بد أن هناك 720 مليون حور عين لخدمة وممارسة الحب مع هؤلاء الشهداء وهو رقم ليس بالرقم الهين، ولكن الله على كل شئ قدير، ولم يذكر أي من فقهاء الإرهاب ما هي جائزة المرأة الشهيدة في الجنة ؟ هل هناك أيضا 72 رجل لخدمة الفتيات الشهيدات أو على الأقل 36 رجل (على أساس أن للذكر مثل حظ الإنثيين؟)
والإختلاط في كل مراحل التعليم سيعلم الفتى أن يحترم الفتاة وخاصة حين يراها لا تقل عنه في تحصيل العلم بل والتفوق عليه في كثير من الأحيان، وسيشعر بأنها إنسانة ومواطنة مثلها مثله، وليست :”مجرد وعاء يفرغ فيه الرجل شهوته” كما يعلمنا فقهاء الإرهاب.
والإختلاط في كل مراحل التعليم سيخفف كثيرا من الكبت الجنسي وسيضع الكثير من العلاقات بين الجنسين في النور بدلا من وجودها حاليا في الظلام، كما أنه سيعلم الفتيات والفتيان الصدق مع النفس والصدق مع الأهل أيضا، فبدلا من أن تكذب الفتاة وتخبر أمها أنها ذاهبة للمذاكرة مع صديقتها ستقول لوالدتها أنها ذاهبة إلى السينما مع زميلها في المدرسة.
والإختلاط سيمنح الفتاة والفتى فرصة للتعارف ولإختيار صديقته أو شريكة حياته في المستقبل على أساس توافق عقلي ومزاجي وربما يفتح هذا مجالا للحب، والحب في معظم الأحيان يهذب الأخلاق ويسمو بها ويمنح الفتاة والفتى رضا عن النفس والقبول على الحياة بصدر رحب، بدلا من الأندفاع للموت والإنتحار بصدر مفخخ بالمفرقعات!

(2) تطوير المدارس الدينية لتصبح مدارس مهنية

عندما فقد المسجد مكانته كمركز لتدريس وتطوير العلوم الدينية نشأت المدارس والمعاهد والجامعات الدينية والتي تقوم بتدريس العلوم الدينية من فقه وشريعة وخلافه، وتوسع إنشاء تلك المدارس والجامعات في كل العالم الإسلامي وحتى العالم الغربي حتى أصبحت بالالآف وأصبحت تخرج مئات الألاف من الشباب والذي يحمل معه شهادات في علوم دينية لا يحتاجها المجتمع بكل هذه الكثرة، فكم أمام مسجد نحتاج سنويا وكم فقيه شرعي نحتاج سنويا؟؟ قارن هذا بالنقص الهائل في الحرف المهنية الماهرة مثل النجارة والسباكة والكهرباء والكومبيوتر وتكنولوجيا المعلومات والتمريض وكل أنواع الحرف الماهرة والتي تعاني من نقصها كل المجتمعات الإسلامية بالرغم من نسب البطالة الهائلة في تلك المجتمعات.
أخبرني صديقي وكان عضوا هاما في حزب سياسي في مصر أنه كلما زاروا قرية من قرى مصر يطلب الأهالي دائما إنشاء مستشفي ومعهد ديني، وتقوم الحكومات المتعاقبة بتلبية رغبات المواطنين فيما يتعلق بالمعهد الديني فقط وتغض النظر عن المستشفي في معظم الأحيان.
والمعاهد والمدارس الدينية تقوم بتخريج مئات الألاف سنويا ينضمون إلى طوابير العاطلين أو طابور البطالة المقنعة، فإذا أضفنا إلى هذا بعض المناهج المتطرفة التي يقومون بدراستها في تلك المدارس الدينية لعرفنا أحد أسباب التطرف.
وأنا لا مانع لدي من وجود مدارس دينية تقوم بتدريس شئون الدين لمن يرغب ولكني أعترض بشدة على كثرة العدد لأنها كما ذكرت تقوم بتخريج أعداد هائلة من العاطلين الغاضبين، لذلك أطالب بوضع خطة ليس فقط في مصر أو العالم العربي ولكن خطة على مستوى العالم الإسلامي كله لتطوير تلك المدارس بحيث تصبح مدارس مهنية تخرج أصحاب الحرف الماهرة ويمكن الإستعانة في ذلك بالتجربة الألمانية حيث يوجد بها أفضل التعليم الحرفي والمهني في العالم، وعلى العالم الغربي أن يساعد العالم الإسلامي في تحويل تلك المدارس إلى مراكز إنتاج ومراكز تطوير بشري حقيقي يساعد في تجفيف منابع الإرهاب ويساعد في عمل تنمية بشرية حقيقية.
وإن كانت أمريكا ودول الغرب صرفت عشر ما صرفته في حروبها ضد الإرهاب في أفغانستان والعراق على تطوير المدارس الدينية فقط لكانت النتائج أفضل كثيرا وكلما صرف الغرب أكثر على الأسلحة لمحاربة الإرهاب كلما زاد الإرهاب حتى أصبح تنظيم القاعدة تنظيما معتدلا ومحترما بالنسبة لتنظيم داعش وأصبح لدينا عشرات من عينة أسامة بن لادن بعد مقتله.
والعديد من تلك المدارس تعلم الأطفال التطرف الديني منذ نعومة أظفارهم، وأذكر أنني دعيت لحضور حفل تخرج إبن صديق مهاجر مصري في مدرسة دينية بولاية فلوريدا بأمريكا (وليس في كندهار بأفغانستان) وهي مدرسة من أول الحضانة حتى الثانوي ويسيطر عليها باكستانيون متطرفون، ورايت في حفل الإفتتاح بنات أطفال في عمر 6 و 7 سنوات محجبات!! وعندما بدأ المدرسون في بداية الإحتفال بقراءة أسماء الأطفال الخريجين بدأ بعض الأهالي الحضور في التصفيق، فأنبرى لهم شخصا متطرفا من أعضاء هيئة التدريس بالمدرسة هاتفا بغضب: التصفيق حرام!! طيب يا سيدنا الشيخ نعمل إيه للإحتفال بأطفالنا فكانت الإجابة: تكبير ونطقها: تكبيييير، فهتف كل من في الحفل: “الله أكبر” بما فيهم الأطفال الذين تمت تربيتهم على أن التصفيق حرام وهم في عز أمريكا، وياريت يتوقف الأمر على كراهيتهم للتصفيق فقط، ولكن يتم تربيتهم على كراهية المجتمع الذي يعيشون فيه (ذو الأغلبية المسيحية)، فعلى سبيل المثال كان لنا علاقة صداقة بأحدى الأسر المصرية المهاجرة إلى أمريكا وكانت إبنتهم تذهب إلى أحدى المدارس الدينية في أمريكا، وبحكم صداقة الأسرتين نشأت علاقة صداقة بين الفتاة وبين أبنتي، وفاجئتني إبنتي ذات مرة قائلة: هل تصدقون أن (هدى إسم الفتاة) تكره حرف الإنجليزية تي كما أنها تكره علامة زائد في الحساب !! طيب ليه يا حبيبتي كده؟؟ قالت: لأنها تذكرها بعلامة الصليب!! وكانت الطفلة وقتها في عمر التاسعة وتعيش في أمريكا مرة أخرى وليس في كندهار.
ولقد رأيت بنفسي أفلاما تسجيلية عن بعض المدارس الدينية في باكستان وأفغانستان ورأيت كيف يتم زراعة وأرضاع الكراهية في نفوس تلك الأطفال وهم في سن الحضانة، يتم بث كراهية كل أصحاب الأديان الأخرى بما فيها المسلمين من مذاهب أخرى مثل المذهب الشيعي، لذلك لا تتعجب أذا ذهب شابا أو فتى صغير رضع من ينبوع الكراهية وقام بتفجير نفسه في مسجد شيعي يوم الجمعة في باكستان أو العراق وغيرها من الحوادث التي أصبحت شبه يوميا ونقرأها ولا تؤثر فينا كما ينبغي لأنها تكررت بشكل دائم بحيث أن الواحد مشاعره قد تجمدت ونحست من كثر ما نقرأ من تلك الحوادث، مع أن ضحاياها يخلفون ورائهم نساء أرامل وأطفال يتامى وأمهات ثكلى، ولكن لا يستطيع أحد أن يوقف حمام الدم اليومي هذا والذي لن يتوقف دون أن نغلق المحبس الرئيسي عند المنبع، وهو منبع الكراهية وجزء كبير من منابع الكراهية تلك تجئ من بعض المدارس الدينية، والتي بإمكاننا أن نحولها إلى مدارس تخرج لنا عمال وعاملات مهرة يحتاجها المجتمع بدلا من أن تخرج لنا عاطلين عن العمل ومتطرفين وربما إرهابيين.
samybehiri@aol.com

المصدر ايلاف

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.