عيد الذئبة !!

اليوم “13” فبراير ، وغداً عيد الذئبة ، فكل عام وكل العاشقين بخير ..valantine

وكما يليق بعاشقة ، ومن أجل أن تكتمل طقوس هذا العيد بحذافيرها ، يجب أن ألا تبخل كل أنثي في هذا اليوم علي حبيبها ، ولو بالقليل مما يسيل أو يتهيأ للسيلان من مجري الحليب المعتم ، والعهدة علي “نزار قباني” في مجري الحليب المعتم هذه ، فهو بوصفه أحد أنبياء العاشقين ابنُ بجدتها ،،

أكره كلمة “ابن بجدتها” هذه لأني أشم منها رائحة الصحراء وحنين النوق !!

أقول يجب علي كل أنثي أن تكون في هذا اليوم أمَّاً لطفلٍ كبير ، وإلا فلا داعي للاحتفال بعيد الحبِّ أصلاً ، ذلك أنَّ الرضاعة هي ذريعة هذا العيد الوثنيِّ قبل أن تسطو عليه الكنيسة كعادة المنتصرين علي الدوام ،،

إنه عيد “لوبركيليا” الرومانيُّ ، وهو العيد المرتبط ارتباطاً وثيقاً بتأسيس مدينة “روما” ، قبل المسيحية بثمان قرون تقريباً ، علي يد الأخوين “رومولوس” و “ريموس” ، ابني إله الحرب “مارس” ، الذين رضعا كما يقول الرومان في أساطيرهم مِن ذئبة وجدتهما علي ضفة نهر التيبر ، وهي “لوبا” ، أو

“Lupa” ،

وهي مفردة لاتينية جمعها

Lupae””

، وهو كرنفال كبير كان يرجُّ “روما”، وكان الرومان يتعهدون إحياءه لضمان الخصوبة وطرد الشر!!

بعض طقوس هذه الاحتفالات الوطنية غريب ، لكنه بحماية مداركهم في تلك الأيام الخوالي ينطوي علي بعض منطق زمنهم ، بل هذه الطقوس تتشابه مع بعض الطقوس الحية في أطراف مصر حتي اليوم ، فما زال الريفيون يستبشرون خيراً بالهدهد والضفدعة ، وما زالوا يثقبون عيون عرائس من الورق لرد حسد الحاسدين !!

في ذلك اليوم كانت المحتفلات العذارى يأتين بكعك مقدس من حصاد حبوب السنة الماضية إلى شجرة تين بصحبة شابّين عاريين تماماً ، ثم يذبحون كلباً ، وهو رمز للنقاء ، وعنزة ، وهي رمز للخصوبة في المكان ، ثم يقوم الشابان بدهن أجسامهم بالدماء الحيوانية المختلطة – ومن هنا جاء اللون الأحمر كرمز لهذا العيد – ، وتلطخ جباه الشباب بتلك الدماء ثم تُمسَح بالصوف وتُغسل باللبن ،،

ثم يتقدم هذان الشابان الموكب الاحتفالي انطلاقاً من “لوبيركالي” في جولة في مدينة “روما” ومعهما قطعتان من الجلد يلطخان بهما كل من صادفهما ، وكان نساء “روما” يتعرضن لتلك اللطمات بصدور مكتنزة رحبة ، لاعتقادهن بأنها تمنع العقم وتشفيه !!

ويقال أن الكنيسة الكاثوليكية اعتبرت فيما بعد طقوس هذا العيد هرطقة وردة عن المسيحية القويمة ، فأصدر القديس “بوب جيلاسيوس” سنة “496م” أمراً باستبدال اسم العيد واختار القديس “فالنتاين” الشفيع الجديد للعاشقين اسما لهذا العيد ..
من الجدير بالذكر ، أن بعض علماء الاثار زعموا مؤخراً أنهم عثروا على تجويف أرضى تزينه أصداف بحرية وفسيفساء قرب أطلال قصر الامبراطور “أوغسطين” عند تل “بالاتين” ، ورجحوا ان يكون هذا الكهف هو مكان العبادة المفقود منذ زمن بعيد والمعروف باسم “لوبيركالي” ،،

وقال وزير ثقافة إيطاليا “فرانشيسكو روتيلي” مزهواً بهذا الاكتشاف :

“ربما يكون من المعقول أن يعتبر هذا المكان شاهداً على أسطورة “روما” وهى واحدة من أكثر الاساطير المعروفة في العالم ، الكهف الاسطوري الذي ارضعت فيه أنثى ذئب “رومولوس” و “ريموس” لتنقذهما من الموت” ،،

أي كلام تريد مني بعد هذا الاكتشاف المزعوم عن شفيع العاشقين “القديس فالنتاين” ؟!!

ثم ، ما صلة الكنيسة الكاثوليكية بالحب ، وهي أكبر منظمة إرهابية في تاريخ الإنسانية قبل أن يقلم الزمن عنوة أظافرها المتسخة بأرواح وأحلام ضحاياها ، وقبل أن تصبح نحيفة إلي هذا الحد المروع ؟!!

إن أشهر ما يعرفه العالم ، بعيداً عن أسوار الأساطير ، عن علاقة أحد القديسين بحادث حقيقي هو مذبحة القديس “بارثولوميو” ، حين ترددت الصيحة المتفق عليها بين الكاثوليك “اقتل ، اقتل” في كل أرجاء مدينة “باريس” ، في الشهر الثامن من العام “1572” الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، ولم تنطفئ شهوتهم للقتل حتي أزهقوا روح “100” ألف بروستانتي – وهو مسيحيٌّ أيضاً غير أنه ينظر إلي المسيحية من زاوية أخري – ، الله محبة !!

من الطريف أن نباتاً كان ينمو في ضواحي “باريس” ، تصادف وأن أزهر في ذلك الوقت في غير موسمه ، فظنها الكاثوليك معجزة وإشارة من السماء بمباركة المذبحة ، فدق الرهبان أجراس الكنائس واشتعلت مجدداً في الصدور إيقاعات الشهوة المقدسة للمزيد من القتل المبارك !!

هذه هي الكنيسة ..

ومما يجعل الصدور قد تهدأ عقب ذكر هذه المذبحة الرديئة أن نعرف أنها كانت البداية الحقيقية لصراخ الأعاصير التي اجتاحت “باريس” في أيام الثورة الفرنسية ، لتعصف بعد قليل ، وللأبد ، بكل العروش المزمنة وبالكنيسة في الوقت نفسه !!

مع ذلك ، فهناك تأويلات أخري أعتقد أن للكنيسة فيها أثر ليس من الصعب لمسه ،،

ثمة رواية تقول أن الامبراطور “كلوديوس” أمر الجنود بعدم الزاوج ، فاعترض القديس “فالنتاين” على ذاك الأمر، وسجن جراء اعتراصه وعذب ، ثم أن “ابنة السجان” كانت عمياء فاحضرها أبوها إليه ، وحدث كما يحدث علي الدوام في كل الأساطير ، عالجها وشفيت على يديه ، ووقعت في غرام “فالنتاين” ، وقبل إعدامه أرسل إليها بطاقة كتب فيها :

“من المخلص فالنتاين” !!

حدث هذا الهراء في “14” فبراير عام “270م” تقريبا فأصبحت تلك البطاقة عنواناً لعيد الحب ، تزييناً لذكري ذاك القديس المخلص !!

ولأن المحكوم عليه بالإعدام يرتدي زياً أحمر ، كان اللون الأحمر فيما بعد رمز عيد الحب !!

رواية سخيفة وسطحية كما هو شديد الوضوح ،،

رواية أخري تقول أن “كلوديوس” ، سابق الذكر، كان وثنياً أراد “فالنتاين” أن يستدرجه إلي حظيرة المسيح ، فغضب منه وسجنه وعذبه ، ثم أمر بإعدامه في منتصف فبراير ..

ما علاقة هذا بعيد الحب ؟ ، لا أجد يدري !!

الكنيسة نفسها لا تعرف بالتحديد من هو “فالنتاين” ، وهذا سبب وجيه للريبة في الموضوع برمته ، لكن هناك العديد من قتلي الاضطهاد في عصور المسيحية الاولى يدعى “فالنتاين” ، بلغوا 13 “فالنتاين” ، لكن الذين يحتفل بعيدهم فى “14” فبراير هم ،

القديس “فالنتاين” أسقف روما ، قتل حوالي “269م” ، ودفن في “فلامينيا فيا” ورفاته موجودة في كنيسة القديس “براكسيد” في روما وفي كنيسة الكرمليت الموجودة في شارع “وايتفرير” في “دبلن” بـ “أيرلندا” ..

والقديس “فالنتاين” أسقف “تورني” حوالي سنة “197م” ، ويقال إنه قتل خلال الاضطهاد تحت حكم الإمبراطور “أورليان” وهو أيضا دفن على “فلامينيا فيا” ، ولكن في مكان مختلف من “فالنتاين” أسقف روما ، ورفاته موجودة فى “بازيليكا” فى مدينة تيرنى ،،

بالإضافة إلي قديس ثالث يحمل نفس الاسم ذكر علي استحياء فى سير القديسين تحت هذا التاريخ فى عصور المسيحية الاولى ، قتل في افريقيا مع عدد من رفاقه ، ولكن لا شيء غير ذلك معروف عنه !!

هذا الخلل في الروايات ، وهذا الإسراف في تضارب مؤرخي الكنيسة حول شخصية هذا القديس يجعل الأسطورة تفرغ نفسها ، ويؤكد أن العيد هو عيد الذئبة ، وعيد “لوبركيليا”..

وكما يقول “تشوسر” الشاعر ، وأول من ربط بين “عيد الذئبة” والحب :

وفي يوم عيد القديس “فالنتاين” ، حين يأتي كل طائر بحثًا عن وليف له !!

يجب علي كل العاشقين أن يستغلوا هذا الموسم لتفجير كل نزواتهم المؤجلة ، فالحياة أقصر من أن نبذِّرَها في الرغبات المحتجزة ، إني للعاشقين ناصح أمين ،،

وأنهي كلامي هذا من أجل البائسين والبائسات ، باقتراح ضروري ،،

لماذا لا يكون لنا كما للـ “كوريين” عيد “اليوم الأسود” في “14” ابريل من كل عام ، يجتمع فيه للحداد كل الذين لم يمكنهم الزمن وأشياء الجمال من ادخار عشيق لـيوم كيوم “عيد الذئبة ” لعلهم يستطيعون بيوم كهذا ترميم جراحهم ؟! ، لماذا ؟!

محمد رفعت الدومي

About محمد رفعت الدومي

كاتب وشاعر مصري ليبرالي
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.