في هذه اللحظات التي اكتب فيها هذه المقالة… لا ادري ان بإمكان الرئيس برزاني ان يوقف عجلة الاستفتاء و من ثم اعلان الاستقلال… ليس فقط لان البرلمان في كوردستان قد أعلن تأييده لخطط الاستفتاء … بل لان كثيراً من القوى الدولية و الإقليمية قد غيرت استراتيجياتها الشرق- اوسطية لتتمحور حول هذا الحدث العظيم… البدء الفعلي لتغيير خارطة المنطقة … ليس سياسيا فقط و إنما اقتصاديا ايضا و في في مركز الاهتمام الاول… و عليه فحتى لو تم تأجيل الاستفتاء تحت ضغوط دولية فان المشروع سيمضي لاحقا… لان الموضوع اكبر من ان يتم اختزاله في قرار هنا و هناك او في توقيت محدد…
بكلام اخر… نحن الان فصاعدا ازاء ترتيبات الاقتصاد السياسي لإعادة هيكلة المنطقة بعد ان انحصر التركيز في العقدين الأخيرين على الاقتصادي السياسي للحرب في ظل تهيئة الظروف لاندلاع الثورات و ادارتها ومن ثم ظهور داعش و تقلص وجودها “المفاجأ”…. !!!
لا أريد ان اتحدث عن دول إقليمية كبيرة و ذات مصلحة مباشرة القضية الكوردية مثل ايران و تركيا… بل ربما يمكن ان نرى الصورة بشكل أوضح من خلال دور دولة صغيرة و بعيدة جغرافيا… و اعني الإمارات العربية المتحدة…. التي تبرعت بتحمل كل تكاليف اجراء الاستفتاء و منتجاته المترتبة … هكذا حملت لنا الأخبار ولا اعرف حقيقتها لكن علاقات دول الخليج المتطورة مع اقليم كوردستان ليست خافية بل تشكل احد اهم الخطوط في شبكة العلاقات في الشرق الأوسط ما بعد 2003…
اذا كما نعرف ان الإمارات و خاصة إمارتي دبي و العاصمة ابو ظبي… هي مشاريع اقتصادية عولمية في وجودها على الخارطة العالمية … فإننا قد ندرك ان مشروع الاستفتاء و من ثم استقلال كوردستان ليس مشروع الرئيس برزاني و حزبه كما يدعي خصومه… و لا مشروع أعداء العرب و أعداء ايران … او أصدقاء اسرائيل… كما يحلو للكثير من المثقفين و السياسيين ان يصفوه… هو بلا شك مشروع الحلم الكوردي التاريخي و هو بطريقة مااستجابة للملايين من الذين قتلوا و تشردوا نتيجة سياسات الدولة الوطنية و في ظل هيمنة قوى قومية في البلدان الأربعة التي تتقاسم مصير جغرافية كوردستان و اَهلها …
لكن المهم ايضا انه مرحلة يجب طيها من مراحل التحولات السياسية الاجتماعية و الاقتصادية في ظل العولمة التي تبني آلياتها على تحوير الرغبات الحقيقة للمجموعات البشرية و تحولها الى مشاريع تضمن ديمومتها بغض النظر عن النتائج العرضية من قتل و دمار و تغييرات بنيوية هنا و هناك…
و المشكلة التي يتغاضى الكثيرون عنها في ظل فورة العواطف الوطنية او الدينية او القومية … الخ… هي ان العولمة تنتفع من اي رد فعل بغض النظر عن طبيعة رد الفعل هذا…. سواء تقبل الناس و القوى السياسية و الاجتناعية هذه التغييرات و سعدوا بها… ام قاوموها و اشعلوا نيران الحروب و الصراعات من اجلها… فالقوى المهيمنة على اليات العولمة تظل هي الرابحة سواء فتحت أسواق للمنتجات المدنية او لمصانع السلاح و تكنولوجيا الاتصالات و غيرها….
كما ان تغيير الحدود الجغرافية و الانتماءات بكل اشكالها و تأويلاتها لا يعني اي شيء رغم المسرحيات السياسية المرافقة للأحداث (اجتماعات… مؤتمرات … تصريحات … مظاهرات…الخ)…. فالركود … هو العدو الاول و الأخير لقوى العولمة… و لابد من دحر أسسه بأية طريقة …
ما يبقى بين هذا ذاك هو ان القوى السياسية و الاجتماعية في الشرق الأوسط لديها استعداد هائل للتجاوب مع المتغيرات التي تفرضها اليات العولمة خاصة طبيعة الميل نحو الصراع و شيطنة الاخر بلا اي ملامح لقيم العدالة و التساوي في الحقوق… التي يذكرها الجميع في صلواتهم اليومية ..
لكن الامر لا يتوقف هنا فالجغرافية ليست وحدها التي يعاد بناؤها و إنما التاريخ ايضا… اننا في مرحلة العودة الى الفكر الإمبراطوري كما ذكرنا في مقالات سابقة …و لنا عودة في مقالات اخرى…
استقلال كوردستان و تقسيم العراق و سوريا الان و ربما لاحقا ايران و تركيا ايضا هو حلم كامن ايضا في ذهنية الكثير من القوى السياسية و الاجتماعية رغم زعيق الاعتراض … أهل جنوب العراق و أهل غربه لديهم احلام دول لا تختلف عن احلام الكورد… و ربما ان الاختلاف هو ان الكورد قد استلهموا شجاعة صلاح الدين في ان يكسروا أسوار تابوهات الارث التاريخي و يحرروا الجميع من قيودهم النفسية… حبي للجميع..