الشهر الماضي، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بيانا أعرب خلاله عن انشقاق نادر عن السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترمب. بعد أن اضطلع وزير الخارجية ريكس تيلرسون بدور الوساطة في وقف إطلاق نار أقر على سبيل الاختبار بجنوب سوريا، التي تقع على حدود الدولة اليهودية. وخلال البيان، أعلن بنيامين نتنياهو رفض إسرائيل للخطة.
الملاحظ أن سياسة ترمب إزاء سوريا ركزت على القضاء على تنظيم داعش، بينما ترى إسرائيل أن التهديد الأكبر ناشئ عن إيران، التي لم تصدر عنها أو حلفائها أي مؤشرات توحي بعزمها على الرحيل. إلا أن اتفاق وقف إطلاق نار الذي اضطلع تيلرسون بدور الوساطة فيه يخلو من أي ذكر لضرورة رحيل إيران وعملائها عن سوريا. من جانبها، كان من الطبيعي أن تتساءل إسرائيل: هل يمثل هذا الترتيب مؤشرا على سياسة ترمب الأكبر إزاء الشرق الأوسط؟
من الواضح أن الإجابة لا. الخميس الماضي، دخل وفد رفيع المستوى من مسؤولين إسرائيليين مشاورات مع مسؤولين أميركيين، وشرعوا في التخطيط لاستراتيجية أوسع للضغط على إيران و«حزب الله» وميليشيات شيعية أخرى للخروج من إقليم الهلال الخصيب مع انحسار الحرب، حسبما يأملون، داخل سوريا.
وقد أخبرني مسؤول رفيع المستوى بمجلس الأمن الوطني أن الخطة تسعى لجعل «البقاء في سوريا أكثر سلبية عن الرحيل منها بالنسبة لإيران». وأكد مسؤول إسرائيلي بارز أن الجانبين اتفقا على العمل معا لصياغة استراتيجية إقليمية تتناول الجهود الإيرانية لتعزيز وجودها داخل سوريا ولبنان.
وشارك في المشاورات مسؤولون بارزون للغاية من كلا البلدين. تضمن الجانب الإسرائيلي، مدير جهاز «الموساد»، يوسي كوهين، والقائم بأعمال مستشار الأمن الوطني، إيتان بين ديفيد، ورئيس إدارة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي، هيرزي هاليفي، والسفير الإسرائيلي في واشنطن، رون ديرمير. على الجانب الآخر، تضمن الوفد الأميركي مستشار الأمن الوطني، إتش. آر. مكماستر، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، مايكل بومبيو، ومدير الاستخبارات الوطنية، دان كوتس، والمبعوث الخاص لترمب لشؤون المفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات.
وثمة أسباب تفسر السر وراء أهمية هذه المشاورات، أولها أنها تكشف استمرار الالتزام إزاء خطة طرحها سلف مكماستر، مايك فلين، حول العمل على إحداث شقاق بين إيران وروسيا.
ومن المقرر أن يلتقي نتنياهو وكوهين ومسؤولين آخرين بارزين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وستكون سوريا على أجندة اللقاء. الواضح أن إسرائيل لا تشعر بالرضا إزاء المشاركة العسكرية الروسية في سوريا، لكن بمقدورها التسامح إزاء هذا الأمر، نظرا لأن روسيا، على خلاف الحال مع إيران، لم تشيد آيديولوجية نظامها الحاكم على فكرة تدمير الدولة اليهودية الوحيدة على مستوى العالم.
أيضاً، سعى فريق العمل المعاون لترمب نحو التعاون مع روسيا داخل سوريا، لكنه لم يسع لهذا التعاون مع إيران. وفي تصريحات لوكالة «رويترز» هذا الأسبوع، قال متحدث أميركي باسم التحالف ضد «داعش» إن مهمة التحالف تتمثل في «إنزال الهزيمة بـ(داعش) داخل مناطق معينة من العراق وسوريا وتنفيذ عمليات متابعة لتعزيز مستوى الاستقرار الإقليمي».
ومثلما أخبرني مسؤول إسرائيلي هذا الأسبوع، كان من المهم لحكومة نتنياهو العمل على ضمان أن التعاون الروسي – الأميركي داخل سوريا لا يترتب عليه قبول وجود إيراني دائم في سوريا. وربما يكون وقف إطلاق النار الذي توسط فيه تيلرسون فتح الباب أمام ذلك.
أيضاً، تشير المشاورات إلى أن مكماستر تعافى من بدايته المتعثرة في منصبه الجديد. ومع رحيل خصمه في الجناح الغربي، ستيف بانون، يتمتع مكماستر الآن بحرية أكبر فيما يتعلق بتنسيق السياسة الخارجية الأميركية من موقعه داخل مجلس الأمن الوطني. وقد ساعد الاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي مع الجانب الإسرائيلي في تهدئة مخاوف حليف مهم لواشنطن.
إلى جانب ذلك، دحض الاجتماع الادعاءات التي أطلقها خصوم مكماستر داخل واشنطن حول عدائه لإسرائيل. وأخبرني المسؤول الأميركي أن مكماستر كان كريما في وقته الذي خصصه للمسؤولين الإسرائيليين، وقد دعاهم إلى منزله لتناول العشاء. وشدد أمامهم على الأهمية التي يوليها الرئيس على التصدي للنفوذ الإيراني داخل الشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، أخبرني مسؤولون إسرائيليون وأميركيون بأنهم يتوقعون عقد مزيد من اجتماعات المتابعة في أعقاب هذه المشاورات. ومن بين العناصر المحتملة في الاستراتيجية الأميركية داخل سوريا، تمكين كل من مصر والأردن من الاضطلاع بدور أكبر في البناء على اتفاقات وقف إطلاق النار التي تتفاوض حولها روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة. ومثلما أشار المحلل المعني بشؤون الشرق الأوسط الذي يكتب في صحيفة «هآرتس»، زفي باريل، في مقال له الاثنين، فإن مصر تضطلع بالفعل بجهود دبلوماسية ما بين الميليشيات المسلحة والنظام السوري. من ناحيتها، ترى إسرائيل في ذلك أمرا يبعث على الاطمئنان، بالنظر إلى أن مصر تعتبر إيران مصدر تهديد بالغ للاستقرار الإقليمي.
ويشكل التخطيط الأميركي للتصدي للنفوذ الإيراني تحولا بعيدا عن نهج إدارة أوباما. يذكر أنه خلال المحادثات النووية مع إيران، جرى إخطار الإسرائيليين بتطورات المفاوضات، لكنهم لم يشاركوا في المفاوضات بما يضمن لهم التأثير على الاتفاق النهائي، الأمر الذي لاقى معارضة من جانب نتنياهو وخصومه السياسيين. وألقت التوترات التي اشتعلت خلال هذه الفترة بظلالها القاتمة على العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، خصوصا بعد توجيه البيت الأبيض في عهد أوباما اتهاما لإسرائيل بمحاولة التجسس على المحادثات.
من ناحية أخرى، ظل العالم في حالة ترقب لمعاينة كيف سيشق ترمب طريقه عبر أمواج الشرق الأوسط. وتكشف المحادثات التي جرت الأسبوع الماضي في واشنطن أن ترمب اتخذ توجها مغايرا لأوباما، ويلقى الآن بالفعل استجابة مختلفة في المقابل.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
الشرق الاوسط
قالت العرب: خير الكلام ما قل ودل. النظام الإسرائيلي والنظام الإيراني يحتاج كل منهما الى الآخر للبقاء على قيد الحياه. الخطاب الإيراني المعادي لإسرائيل هو لصرف إنتباه الشعب عن الأزمات الداخلية والقمع وغياب الحرية. وإسرائيل تريد إشغال العرب بالتهديد الإيراني لكي يتسنى لها إحتلال بقية فلسطين واسترجاع أرضها المزعومة من البحر الى الفرات بالدعم الأمريكي-الروسي-الأوروبي-التركي-الايراني