موناليزا فريحة تكتب في النهار .
في الشكل، بدا تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم السبت، عن تعديل القانون الرقم 10 اذعاناً سورياً نادراً لضغوط دولية بعد انتقادات واسعة للتشريع الذي وقعه الرئيس السوري بشار الأسد في نيسان الماضي، ويسمح للحكومة بإحداث منطقة تنظيمية أو أكثر، غير أن خبراء شككوا في جدية النظام في التجاوب مع الانتقادات.
في الثاني من نيسان الماضي، أصدرت الحكومة السورية المرسوم الجمهوري الرقم 10 لعام 2018 في الذي يقضي بالسماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا، مخصصة لإعادة الإعمار.ووافق مجلس الشعب على المرسوم الذي صار قانوناً.
ولا يحدد القانون معايير لتصنيف المنطقة كمنطقة تنظيمية، أو جدولا زمنيا لتعيين المناطق. بدل ذلك، تُعيَّن المناطق كمناطق تنظيمية وفقاً لمرسوم. وخلال أسبوع من صدور المرسوم القاضي بإعادة إعمار منطقة ما، على السلطات المحلية طلب قائمة بأصحاب العقارات من الهيئات العقارية الحكومية العاملة في تلك المنطقة. على الهيئات تقديم القوائم في غضون 45 يوماً من تلقيها طلب السلطات المحلية.
وإذا لم تظهر ممتلكات مالكي المنطقة في القائمة، فسيتم إبلاغ هؤلاء بذلك، وسيكون لديهم 30 يوماً لتقديم إثبات الملكية. في حال عدم قيامهم بذلك، لن يتم تعويضهم وستعود ملكية العقار إلى البلدة أو الناحية أو المدينة الواقع فيها العقار. في حال إظهار المالكين ما يثبت امتلاكهم عقار في المنطقة التنظيمية، سيحصلون على حصص في المنطقة.
وتخوف خبراء من ألا يتمكن سوريون كثر من إثبات ملكيتهم لعقارات معينة، لعدم تمكنهم من العودة إلى مدنهم أو حتى إلى سوريا أو لفقدانهم الوثائق الخاصة بالممتلكات، أو وثائقهم الشخصية أيضا، ويضاف إلى ذلك عدم توفر الإمكانات المادية لديهم.
تعديل المعلم
وفي مؤتمر صحافي في دمشق، حاول المعلم الايحاء بأن النظام أخذ المخاوف في الاعتبار، قائلاً إن المدة الزمنية عدلت وأصبحت سنة، وأن من يقرأ القانون يجد أن وسائل إثبات الملكية لأي صاحب حق سهلة وبسيطة”. وكرر أن السوري خارج البلاد “يستطيع تكليف أقربائه حتى الدرجة الرابعة لتثبيت الملكية”.
كذلك، أكد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي بعد لقائه وزير الخارجية جبران باسيل اليوم أن “باسيل كان مرتاحا لقوة الاقناع التي حملتها رسالة من المعلم له والتي اجابت على كل الاسئلة وبددت كل القلق” المتعلق بالقانون الرقم 10.
وكان باسيل وجه رسالة الى نظيره السوري أبدى فيها مخاوف الحكومة اللبنانية حيال امكان عرقلة القانون عودة اللاجئين إلى سوريا.
وبدا الاعلام الغربي الذي شن حملة واسعة ضد القانون الرقم عشرة منذ صدروه، مقتنعاً بكلام المعلم. واعتبرت صحيفة “التايمس” البريطانية اليوم كلام الوزير السوري اذعاناً سورياً نادراً للضغوط الدولية، في اشارة الى تمديد المهلة من شهر الى سنة.
غير أن االمحامي والناشط الحقوقي السوري ميشال شماس الذي سبق له أن قال إن القانون رقم 10 يؤسس لسوليدير سورية أكد لـ”النهار” أن لا أساس قانونياً لتصريحات المعلم، “وكما هو معروف فإن تعديل أي مادة في القوانين السورية يحتاج إما إلى قانون من مجلس الشعب أو مرسوم تشريعي يصدر عن رئيس الجمهورية، وحتى الآن لم يصدر أي تعديل بخصوص القانون رقم 10 لعام 2018 لا من مجلس الشعب ولا من رئاسة الجمهورية “. ولفت الى ثغرة ثانية في كلام المعلم، في اشارة الى قوله إن القانون ضروري لان المجموعات الارهابية احرقت السجلات العقارية في الغوطة، مؤكداً أن “هذه السجلات مازالت في مكانها محفوطة في مبنى السحلات العقارية الكائن في شارع الثورة في دمشق”.
وفي اي حال، يلفت الى أن مشكلة القانون الرقم 10 ليس في مدة الثلاثين يوماً وحدها فقط، بل في كثير من مواده.
وبرأي الحقوق السوري، أن تمديد المهلة لن تقدم ولن تؤخر في مصادرة أملاك سوريين “فمن لا يستطيع اثبات ملكيته أو من لا يستطيع الحضور كاللاجئين الملاحقين سيتم الاستيلاء على ممتلكاتهم بصرف النظر عن المهلة”.
وسبق لشماس أن كتب في مقالات عدة أن المرسوم الخاص بإعادة تنظيم المناطق فتح الباب على مصراعيه أمام التغيير الديموغرافي وشرعن مصادرة ممتلكات الملايين من النازحين واللاجئين والمطرودين من الشعب السوري بهدف منعهم من العودة إلى ديارهم. وطالب بإيقاف تنفيذه فوراً لأنه يستغل حالة التشرد وعدم الشعور بالأمان التي يعيشها السوريون ويحرمهم من حقوقهم بالملكية، مشيراً إلى أنه يجب أولاً عودة الهدوء واللاجئين إلى ديارهم ليكونوا قادرين على ممارسة حقوقهم.
ويبدو ان مصادرة الاراضي والممتلكات في سوريا باتت بدعة جديدة في هذه الحرب التي شهدت ظواهر لم ير مثلها اي من حروب العالم. ويقول سكان من ادلب أن “جبهة النصرة” تعمد الى مصادرة منازل وممتلكات تركها أهلها.
كذلك، يبيح قانون مكافحة الارهاب الذي أقره النظام مصادر أية ممتلكات لمجرد توجيه تهمة صحيحة أو ملفقة بالارهاب.
ولكن التحفظات والتساؤلات في ِشأن القانون الرقم 10 تتجاوز مسألة المصادرة. ففيما يعتبر البعض ان القانون هو تحضير البيئة المعمارية في الأحياء التي تنتشر فيها المخالفات العمرانية وذات البناء العشوائي وغير المسجل عقارياً كسكن نظامي مفروز، تقول مصادر سورية إن كل ذلك “يمهد لدخول شركات الاعمار الأجنبية..لأن هذه المناطق أصلا مناطق مخالفات أو أراض زراعية”. وفي رأيها أن ما سيحصل هو تغيير للهيكلية الإدارية والمعمارية، وهو ما يعني “تنظيماً بحكم القوة وبالتالي تتحول ملكية الناس الى أسهم يتقاسمونها مع الشركات الحاصلة على عقود التنفيذ واعادة الاعمار”، الا أنها تلفت الى أن السلطات اقرت قانوناً في وقت تبدو المعطيات معدومة، موضحة أن لا أوامر إدارية للمرسوم وتفاصيله غير واضحة. وتضيف: “القانون غامض. توقيته أيضاً خاطئ في ظل غياب الاحصاء السكاني للمناطق التي يشملها …كان مفترضاً توفير اثباتات بالملكية وتقديم تطمينات للمقيمين والغائبين وإتمام دراسة احصائية قبل اصدار قانون كهذا”. وفي رأيها أن الشركات الاجنبية ليست جاهزة بعد لمثل هذا المشروع، ورأس المال جبان، وخصوصاً لأن البيئات السياسية والعسكرية والاستثمارية ليست جاهزة بعد
وكانت تقارير عدة أشارت الى أن النظام السوري بالتعاون مع إيران سيستغل القانون 10 كغطاء قانوني لإحداث مناطق سكنية جديدة في ضواحي العاصمة دمشق، وفي مدينتي حمص وحلب ويوطن فيها عائلات الميليشيات الطائفية ويحرم السكان الأصليين من عقاراتهم بحجة عدم إثبات الملكية.