عمادية مدينة الملوك والأمراء والسلاطين

عصمت شاهين دوسكي
في طريق خروجنا من دهوك في سيارة الأديب أنيس محمد صالح متجهين إلى مدينة العمادية عبرنا جبلين متقابلين مطلين على دهوك وناحية ( ايتيتي ) لتطل بعدها بعض المطاعم والمحلات وعلى الجهة اليسرا ناحية ( بيسري ) الواقعة على ظهر الجبل المطل على مدينة دهوك وخلال تجاوزها يأتي مرتفع لمسير السيارة وعلى جانبيه وديان وتلال وجبال تمتد خضرتها بلا حدود ونعبر منطقة ايمينكي وبابلو التي تعتبر مناطق سياحية جميلة لنصل بعدهما إلى زاويتة المشهورة كلي زاويتة المحصور بين جبلين عاليين وفي هذا الوادي تمر السيارة وعلى جانبية مطاعم وكافتريات وكازينوات ويبدو المساحة ضيقة حيث ترى على سفحي الجبلين بعض العمران الحديث وبعد اجتيازنا لهذا الكلي الضيق الذي تشم رائحة السمك والدجاج والكباب يهب مع نسيم الكلي العليل الذي يعتبر وجهة السياح من كافة المناطق خاصة أيام العطل والصيف الحار وبعدها تطل علينا قرية ( رشانكي وباني ) على امتداد مساحات واسع خضراء مختلف الأشجار والبساتين والجنان التي لا توصف بكلمات وتتجلى في مسيرنا ناحية ( باكيرا ) التي يقطعها الشارع إلى نصفين يمين ويسار بيوت قديمة وحديثة تحيطها البساتين ومختلف الأشجار من الصفصاف والصنوبر والجوز والعنب والخوخ والمشمش والتفاح والرمان وهكذا تطل منطقة ( لومانا وسوارتوكا ) تضاريس يعجز عن وصفها الحرف والقلم بين جبال وأودية وتلال ومروج خضراء وينابيع صافية نقية مناظر خلابة ترتاح لها النفس والروح والقلب والبصر حينما وصلنا إلى مصيف ( سرسنك ) الذي وجناه صامتا وهي مدينة صغيرة وجاء اسمها من موقعها الارتفاع الأعلى أو على الصدر منحدر شمالي من جبال كاره الذي يعتبر جوها بديعا معتدل في الصيف وبارد في الشتاء وربيعه وخريفه قصير لكن لطيف وفي الشتاء أحيانا يتراكم الثلج وربما يتجاوز المتر تذكرنا أنا وصديقي الأديب أنيس أيام ماضية خاصة في الثمانينات والتسعينات ذكريات جميلة مفعمة بالوجود والحركة والحياة وقفنا قليلا في سوقها الراكد وأخذنا بعض العصائر الباردة لنخفف شدة الحر ثم انطلقنا تاركين خلفنا جبال سرسنك وجمالها الذي يعتب علينا وعلى ذكرياتنا القديمة الجميلة فيها وعلى مد البصر جنان واطياب ومروج لكن يداهمها السكون في هذا الصيف اللهيب وكأنها في منفى جميل وقبل أن نصل إلى قرية ( قدش ) مر علينا ( كهف اينشكي ) السياحي وهناك كهوف ومناطق كثيرة لم تستغل سياحيا بالصورة العصرية الراقية وحينما وصلنا إلى مصيف

(سولاف ) يبعد هذا المصيف مسافة 4 كم عن بلدة العمادية ، أي أصبحنا قريبين من العمادية ضمن واد مليء بالأشجار وتجري فيه مياه عذبة أطلق عليها تسمية “سولاف”. تنبع من سفح الجبل وتنحدر باتجاه رياض العمادية مكونة ما يشبه الشلال. فقد تم بناء العديد من الفنادق، الموتيلات، لحسن ضيافة وخدمة لراحة الزائرين والسياح ورغم هذا مساحة المصيف بين جبلين ضيقة جدا حيث تكثر فيها المحلات التجارية وممر ضيق للمارة وهم يصعدون إلى أعلى منبع المياه وشارعها لا يتحمل هذا الكم من السيارات والسياح الهاربين من انقطاع الكهرباء وحر الصيف من جميع أنحاء العراق ومرت لحظات طويلة لكي نعبر هذه المسافة القصيرة بين دخول المصيف والخروج منه حيث تصطف السيارات بين جانب الجبل لتكون سلسلة بلا نهاية رغم وجود كراج مليء بالسيارات وبعد عبورنا المصيف بصبر جميل اتجهنا إلى ناحية العمادية بالكوردي ئاميدي هي مدينة “قضاء” تابعة لمحافظة دهوك تقع على بعد 70 كيلومترا شمال مدينة دهوك وتعلو 1400 متر عن مستوى سطح البحر حيث أن المدينة مبنية على قمة جبل وتضم عدداً من البوابات القديمة ، إقليم كردستان – العراق. تبعد مسافة ما يقارب ال10 كيلومترات عن الحدود التركية. غالبية سكان المدينة حالياً هم من الأكراد . كانت المدينة عاصمة لإمارة بهدينان الكوردية التي كانت تتبع بالولاء للدولة العثمانية وكانت تدفع الضرائب لها. كانت تحكمها عائلة لا زالت قبور بعض أفرادها في المدينة ومنهم السلطان حسين. الذي يوجد مرقده المبني مع قبته جنوب شرق المدينة إلى الجنوب من مدخل السيارات لها. لا زال أحفاد هذه العائلة متواجدين في المنطقة ولكن أغلبهم انتقل إلى مناطق أخرى. من مميزات إمارة بهدينان التي كان مقرها في العمادية هو إنها كانت تحمي وتضم مختلف الأديان فيها. وكان يسكنها أمير اليزيدية وكذلك اليهود والمسيحيين والمسلمين. تضم المدينة عدداً من الآثار التي تعود للحقبة الآشورية إضافة إلى آثار من الحقبة العربية الإسلامية حيث توجد نقوش بالخط العربي الكوفي وآيات قرآنية على بعض من أبواب المدينة كما تضم البلدة كنيسة أثرية. إضافة إلى ذلك توجد قلعة العمادية والتي تقع شمال غرب المدينة.كما توجد في المدينة بقايا وآثار جامع قباد التي هي مدرسة قباد وتقع في الوادي شمال المدينة وكانت مدرسة لتدريس الفقه الإسلامي. وكانت تضم غرفاً لمبيت الطلبة أيضاً وسميت باسم الأمير قباد الذي أنشأها وهو أحد أحفاد السلطان حسين. وكانت المدرسة على صلة مع الجامع الأزهر في أوائل القرن المنصرم. هذه المدينة التاريخية العريقة في وجودها والتي جسدت تاريخ أجيال وأجيال سرنا في شوارعها التي أخذت طابع السكينة والصمت ما عدا بعض المارة ، هذه ليست المرة الأولى أزور فيها العمادية ولكن لأول مرة أرى أبوابها الأثرية المدينة المجسدة كشكل صحن مدور على أطرافها ومنحدراتها أودية عميقة بمروج خضراء بجمالها الرباني إلى أن وصلنا إلى الباب التاريخي باب الموصل الذي يعتبر أثرا تاريخيا مهما رأيت على يسار البوابة لوحة حجرية مكتوب عليها عمر البوابة وصفاتها وتجديدها ولم تكون واضحة ،جداران مسودة كأن هناك حريق قد حدث سابقا وسألني صديقي هل هذه بوابة أثرية كان يمر منها الناس منذ القدم ؟ باحتها غرف وأماكن صغيرة يبدو كانت للحراس الذي كانوا يحرسون المدينة نوافذها تطل على الخارج مع الأسف أحجارها آيلة للسقوط فبعد زمن سينتهي أثر البوابة وعند الخروج من البوابة ترى درج للأسفل من أحجار غير منظمة تطل على وادي وبساتين حيث يمتد منها طريق البغال وإذا نظرت مستقيما ترى الجبال الشامخة التي تعلن عن نفسها بعنفوان ولكن الإنسان أمامها في عالم الفوضى العصري والنسيان أصابنا الحزن فموروث الأجداد والملوك والأمراء والسلاطين متروكا للزمن يفعل به ما يشاء ، هذه البوابة مشهورة في صورها لكن هل مشهورة في التطور الزمني والمكاني والعمراني ؟ تركنا المكان أنا وصديقي أنيس متجهين إلى بوابه أخرى وهو باب الباشا الذي يعلوه شعار إمارة بهدينان عن أثريته عام 1952م يتكون من طائر العنقاء وثعبانين الذي يجسد قوة ورصانة إمارة بهدينان يعود تاريخه إلى القرن 19 ويشكل البوابة الرئيسية للدخول إلى سراي إمارة بهدينان تركنا المكان فحاله كحال البوابات الأخرى إن لم يكن هذا أفضل قليلا كونه يطل على الشارع مباشرة ، وهب الله لنا هذه النعم العظيمة وهذا التاريخ والأثر النفيس أليس نحن خلفاء على الأرض أيكون نظامنا الإنساني الإهمال بدلا من الاهتمام والتخريب واللا مبالاة بدلا من التعمير والتجديد هذه المساحات الممتدة من ناحية بيسري إلى أن تصل إلى العمادية وكلي بالندا مناطق سياحية مهما تحدثنا عنها لا نعطي الوصف الدقيق لها من جمالها وسحرها لو استثمرت بصورتها السليمة لما اعتمدنا على النفط فقط كوارد اقتصادي بل السياحة والزراعة من ذهب فهذه الجبال الشامخة والوديان والروابي والمروج والشلالات والكهوف والأنهار والعيون النقية من نعم الله متى نلجأ إليها ويستفاد منها ؟ كل إناء ينضح بما فيه ، يا ترى لو كان الملوك والأمراء والسلاطين موجودين ماذا سيقولون عن عصرنا المتجدد والمتطور وماذا يقولون عن مدينة العمادية ؟
*****************
دهوك :مدينة جميلة في كوردستان العراق
ايتيتي ، بيسري ، ايمينكي ، بابلو ، زاويتة ، رشانكي ، باني ، باكيرا ، لومانا ، سوارتوكا ، سرسنك ، اينشكي ، قدش ، سولاف ، عمادية : مناطق سياحية جميلة

About عصمت شاهين دو سكي

- مواليد 3 / 2 / 1963 دهوك كردستان العراق - بدأ بكتابة الشعر في الثامنة عشر من العمر ، وفي نفس العام نشرت قصائده في الصحف والمجلات العراقية والعربية . - عمل في جريدة العراق ، في القسم الثقافي الكردي نشر خلال هذه الفترة قصائد باللغة الكردية في صحيفة هاو كارى ،وملحق جريدة العراق وغيرها . - أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة الموصل - حاصل على شهادة المعهد التقني ، قسم المحاسبة - الموصل - شارك في مهرجانات شعرية عديدة في العراق - حصل على عدة شهادات تقديرية للتميز والإبداع من مؤسسات أدبية ومنها شهادة تقدير وإبداع من صحيفة الفكر للثقافة والإعلام ، وشهادة إبداع من مصر في المسابقة الدولية لمؤسسة القلم الحر التي اشترك فيها (5445) لفوزه بالمرتبة الثانية في شعر الفصحى ، وصحيفة جنة الإبداع ، ومن مهرجان اليوم العالمي للمرأة المقام في فلسطين " أيتها السمراء " وغيرها . - حصلت قصيدته ( الظمأ الكبير ) على المرتبة الأولى في المسابقة السنوية التي أقامتها إدارة المعهد التقني بإشراف أساتذة كبار في الشأن الأدبي . - فاز بالمرتبة الثانية لشعر الفصحى في المهرجان الدولي " القلم الحر – المسابقة الخامسة " المقامة في مصر " . - حصل على درع السلام من منظمة أثر للحقوق الإنسانية ، للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان .في أربيل 2017 م - حصل على شهادة تقديرية من سفير السلام وحقوق الإنسان الدكتور عيسى الجراح للمواقف النبيلة والسعي لترسيخ مبادئ المجتمع المدني في مجال السلام وحقوق الإنسان أربيل 2017 م - حصل على درع السلام من اللجنة الدولية للعلاقات الدبلوماسية وحقوق الإنسان للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان . أربيل 2017 م . - عدة لقاءات ثقافية مع سفيرة الإعلام فداء خوجة في راديو وار 2017 م . - أقامت له مديرية الثقافة والإعلام في دهوك أمسية أدبية عن روايته " الإرهاب ودمار الحدباء " في قاعة كاليري 2017 م - تنشر مقالاته وقصائده في الصحف والمجلات المحلية والعربية والعالمية . - غنت المطربة الأكاديمية المغربية الأصيلة " سلوى الشودري " إحدى قصائده " أحلام حيارى " . وصور فيديو كليب باشتراك فني عراقي ومغربي وأمريكي ،وعرض على عدة قنوات مرئية وسمعية وصحفية . - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء الأدب الكردي - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء المغرب - كتب مقالات عديدة عن شعراء نمسا ، (( تنتظر من يتبنى هذا الأثر الأدبي الكردي والمغربي والنمساوي للطبع . )) . - كتب الكثير من الأدباء والنقاد حول تجربته الشعرية ومنهم الدكتور أمين موسى ، الدكتورة نوى حسن من مصر الأديب محمد بدري، الأديب والصحفي والمذيع جمال برواري الأديب شعبان مزيري الأستاذة المغربية وفاء المرابط الأستاذة التونسية هندة العكرمي والأستاذة المغربية وفاء الحيس وغيرهم . - عضو إتحاد الأدباء والكتاب في العراق . - مستشار الأمين العام لشبكة الأخاء للسلام وحقوق الإنسان للشؤون الثقافية . - صدر للشاعر • مجموعة شعرية بعنوان ( وستبقى العيون تسافر ) عام 1989 بغداد . • ديوان شعر بعنوان ( بحر الغربة ) بإشراف من الأستاذة المغربية وفاء المرابط عام 1999 في القطر المغربي ، طنجة ، مطبعة سيليكي أخوان . • كتاب (عيون من الأدب الكردي المعاصر) ، مجموعة مقالات أدبية نقدية ،عن دار الثقافة والنشر الكردية عام 2000 بغداد . • كتاب ( نوارس الوفاء ) مجموعة مقالات أدبية نقدية عن روائع الأدب الكردي المعاصر – دار الثقافة والنشر الكردية عام 2002 م . • ديوان شعر بعنوان ( حياة في عيون مغتربة ) بإشراف خاص من الأستاذة التونسية هندة العكرمي – مطبعة المتن – الإيداع 782 لسنة 2017 م بغداد . • رواية " الإرهاب ودمار الحدباء " مطبعة محافظة دهوك ، الإيداع العام في مكتبة البدرخانيين العام 2184 لسنة 2017 م . • كتب أدبية نقدية معدة للطبع : • اغتراب واقتراب – عن الأدب الكردي المعاصر . • فرحة السلام – عن الشعر الكلاسيكي الكردي . • سندباد القصيدة الكورية في المهجر ، بدل رفو • إيقاعات وألوان – عن الأدب والفن المغربي . • جزيرة العشق – عن الشعر النمساوي . • جمال الرؤيا – عن الشعر النمساوي . • الرؤيا الإبراهيمية – شاعر القضية الآشورية إبراهيم يلدا. • كتب شعرية معدة للطبع : • ديوان شعر – أجمل النساء • ديوان شعر - حورية البحر • ديوان شعر – أحلام حيارى • وكتب أخرى تحتاج إلى المؤسسات الثقافية المعنية ومن يهتم بالأدب والشعر لترى هذه الكتب النور في حياتي .
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *