جاء فى نص القانون المصادق عليه خلال هذا الأسبوع: «يعاقب بالسجن لمدة عامين وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار مرتكب التحرش الجنسى. ويعتبر تحرشا جنسيا كل اعتداء على الغير بأفعال أو إشارات أو أقوال ذات طبيعة جنسية من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدى لتلك الأفعال».
ويكون العقاب مضاعفا:
ــ إذا كانت الضحية طفلا.
ــ إذا كان الفاعل من أصول أو فروع الضحية من أى طبقة أو كانت له سلطة عليها أو استغل نفوذ وظيفته.
ــ إذا سهَّل ارتكاب الجريمة حالة استضعاف الضحية الظاهرة أو المعلومة من الفاعل بسبب التقدم فى السن أو المرض الخطير أو القصور الذهنى أو البدنى أو الحمل.
وتجرى آجال انقضاء الدعوى العمومية بخصوص جريمة التحرش الجنسى المرتكبة ضد طفل بداية من بلوغه سن الرشد.
وجاء فى الفصل 16: يعاقب بالسجن لمدة عام كل من يعمد إلى مضايقة امرأة فى مكان عمومى، بكل فعل أو قول أو إشارة من شانها أن تنال من كرامتها أو اعتبارها أو تخدش حياءها».
أثار هذا القانون جدلا كبيرا فى تونس وتباينت ردود الناس وتعددت مواقفهم وانطلقت سلسلة من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى والتحليلات القانونية والاجتماعية والدينية، وهى ظاهرة صحية تثبت رغبة التونسى/ة فى التفاعل مع النصوص القانونية. فمناخ التمتع بحرية التعبير سمح لأغلبهم بالجهر بما يفكرون فيه والتعبير عن ذواتهم فعثرنا على السخرية اللاذعة والبوح والتهريج والانتقاد… وما التفاعل مع ما يطرح من قوانين، بصرف النظر عن مضامينها ومدى تناغمها مع الدستور، إلا خطوة فى سبيل تكريس المواطنة.
***
إنّ ما يسترعى الانتباه فى مواقف التونسيين من هذا القانون هو أنهم يتفاعلون دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على نص القانون، ومعنى هذا أنّ ثقافة المشافهة مازالت حاضرة على حساب القراءة المعمقة والمتدبرة فى المعانى والدلالات. كما أنّ المتابع لهذا الجدل يتفطن إلى قرائن تفيد الخروج من نسق التنميط ذلك أنّه ما عاد بالإمكان الحديث عن «إجماع ذكورى» يهدف إلى الحد من حقوق النساء. فمن الرجال فئة دافعت عن هذا القانون موضحة أن القوانين الزجرية قد تساعد على «إلجام العوام» وتدفعهم إلى مراقبة سلوكهم فى الأفضية العمومية، ومن الرجال من أدان ارتفاع أشكال العنف الممارس على النساء… وإذا تتبعنا مواقف النساء ألفينا أن الإجماع غير حاصل فمن بين هؤلاء فئة أدانت صدور هذه القوانين معتبرة أنّها لا تمثّل أولويّة، ومنهن من رأت أنّ المرأة هى التى تستفزّ الرجل بمظهرها المغرى.
ثمّ إنّ ما يلفت الانتباه فى مواقف أغلب المعارضين لهذا القانون من الجنسين أنّها ارتكزت على الأيديولوجية للتأمل فى ظاهرة معقدة تحلل اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا ودينيا وفكريا. وبين الداعى إلى إحلال الرقابة الأخلاقية من خلال تفعيل مقولة «الأمر بالمعروف»، والمدافع عن حقه فى التنفيس عن كربه وتحقيق نصيب من الإشباع لمسا وتحديقا وتلفظا، والراغب فى منع الاختلاط،… عناصر ائتلاف. فالكلّ يدلى بدلوه دون أن يكلّف نفسه عناء الإصغاء إلى النساء اللواتى يقدمن شهادتهن أو متابعة الأشرطة الوثائقية التى انجزت حول التحرش أو الاطلاع على الكتب التى حبّرت فى الموضوع أو النظر فى حملات التوعية التى تنهض بها مختلف الجمعيات والتى يطلقها الشبان بين الحين والآخر.
وشتان بين من عاش التجربة وخدشت كرامته وانتهك جسده وتشابكت الصور فى ذاكرته البصرية والسمعية ومن تكلم فى «الموضوع» عرضا لرؤيته ودفاعا عن مصالحه.
* نقلا عن “الشروق” المصرية