على ذقن من يضحك الإخوان المسلمون؟

وفاء سلطان

طفحت المواقع الإلكترونيّة مؤخرا بمقالات وبيانات تتناول الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين. ومن الملفت للنظر درجة الإستهتار بعقل القارئ التي وصلت اليها معظم تلك المقالات والبيانات عندما تحاول تجميل الصورة القبيحة لتلك الجماعة.

أقف أمام العبارة التي يطالب من خلالها الإخوان المسلمون احترام عقائد وآراء الأخرين وبإقامة مجتمع تعدّدي ديمقراطي يحترم جميع الناس بغض النظر عن دينهم وأهوائهم، أقف عند تلك العبارة وأتساءل: مالذي تغيّرمن ثوابت الإخوان كي نصدّق التغيير في مواقفهم؟!!

أم أن مايتبنونه الآن ليس سوى خدعة كبيرة قد تتطلبها مواجهة الظروف السياسة الحاليّة على الساحتين الدوليّة والمحليّة؟!! وعلى حدّ تعبير المثل الشعبي: تمسكن حتّى تتمكن!

الجرائم التي ارتكبوها بناء على تلك الثوابت لم تزل حيّة في ذاكرتنا، ولم تجفّ بعد الدماء البريئة التي سفكوها في حيّز ضمائرنا!

في بيانهم الأخير الذي أصدروه عقب مؤتمرهم حاولوا أن يتنصّلوا من الأعمال الإرهابيّة التي ارتكبوها في سوريّا في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات ويلصقوها بزمرة منشقّة اعتمدت العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، على حدّ تعبيرهم.. لكن زلاّت اللسان ـ هذا إذا كانت تلك زلّة لسان ـ دائما تكشف بواطن النفوس وخصوصا نفوس المنافقين!

جاء في ذلك البيان “ليس لحزب الإخوان المسلمين علاقة بتلك الزمرة التي اعتمدت العنف ضدّ رموز السلطة”.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ضدّ رموز السلطة؟!!

* هل كان محمّد الفاضل الذي اغتالته آياديهم الآثمة رمزا من رموز السلطة أم كان رمزا كبيرا من رموز كليّة الحقوق في جامعة دمشق؟!!

* هل كان الدكتور يوسف اليوسف المدرس في كلية الطب في جامعة حلب الذي غربلوا جسده بالرصاص وهم يصيحون: الله أكبر.. الله أكبر، هل كان رمزا من رموز السلطة أم كان طبيبا مختصا في طبّ العيون ليس له في السلطة ناقة أو جمل؟!!

* هل كان محمود شحادة الطبيب المختصّ بجراحة الأعصاب..

* هل كان علي العلي البروفسور المدرس في كليّة الزراعة في جامعة حلب..

* هل كان عبد الرحمن هلال الطبيب المختص بالأمراض العصبيّة..

* هل كان نزار الحمصي الطبيب المختص في طبّ الأطفال والذي أردوه قتيلا في عيادته وأمام أعين مرضاه من الأطفال وهم يكبّرون..

* هل كان طلاب مدرسيّة المدفعيّة الذين دخل عليهم رئيسهم الملازم الأول ابراهيم اليوسف وأحال مائتين منهم في ثوان أشلاء متناثرة..

* هل كان ركّاب القطار المتوجه من حلب إلى اللاذقيّة، ومعظمهم طلاّب جامعيون متوجّهون لقضاء العطلة الإنتصافيّة مع أهلهم، عندما أحالتهم العبوات الناسفة التي زرعها “جنود الله ورسوله” كحساء الخضرة المطحون..

* هل كان ركاب الباصات المتوجّهة من دمشق إلى الساحل السوري، كطبقة من أفقر عباد الله في سوريّا، عندما تناثرت أياديهم وأرجلهم على بعد أميال..

* هل كان سكّان حيّ الأزبكيّة في دمشق والذي انفجرت فيه سيارة مفخخة مرسلة من معسكرات تدريب الإرهابين في الإردن والعراق..

* هل كان كلّ هؤلاء من رموز السلطة؟!!

وإذا كانوا من رموز السلطة، لماذا يتنصّل الأخوان المسلمون من تلك الزمرة بدلا من أن يتبنوها، أليسوا هم ضدّ السلطة؟!!

ماذا تغيّر من ثوابت الإخوان كي نصدّق بأنهم غيّروا مواقفهم؟!

هل تبنوا كتابا جديدا غير قرآنهم الذي وجدوا فيها مبررا لأفعالهم؟

هل هم الآن يصلّون لغير الإله الذي كانوا يكبّرون باسمه عندما يطلقون الرصاص على خيرة أبناء الوطن من رجال العلم والقانون لمجرد كونهم ينتمون إلى طوائف لاتؤمن بعقائدهم وثوابتهم؟

هل هم الآن يؤمنون بآيات غير تلك التي تحضّهم على قتال من لايؤمن بكتابهم ورسولهم، حتى يطالبوا باحترام عقائد الغير وحرياتهم؟!

هل غيّروا رأيهم بالمغضوب عليهم والضالين كي يتمكنوا من بناء مجتمع تعدّدي ديمقراطي يحترم المسلمين وغير المسلمين على حدّ سواء؟!

هل استبدلوا قانون الجزية بقانون يشمل الجميع، ويطلب من المرء أن يدفع الضريبة للوطن عن يد وهو عزيز غير صاغر أو ذليل؟

هل سيتوقّفون عن تكفيير البشر والتهديد بقتلهم وتطليقهم وتهجيرهم؟!

هل صارت المرأة في مفهومهم الجديد مخلوقا بشريّا جديرا باحترام حقوقه ورغباته، ولايجوز ضربها لمجرد خاف زوج مهووس مجنون من أن لاتقوم بواجبات الفراش على ذوقه؟!

بين ليلة وضحاها ينقلب الذئب الشرس حملا وديعا، ويريدنا أن نصدّقه؟!

بين ليلة وضحاها ينقلب الإرهابي منظرا للأخلاق والقوانين والديمقراطية ويريدنا أن نمسك بيده؟!

بين ليلة وضحاها يمشي القاتل في جنازة الضحية ويريدنا أن نتعاطف معه؟!

لانستطيع أن ننفي عن الإخوان المسلمين مواطنيتهم السوريّة ولا نريد، كما لايستطيعون هم أن ينفوا عن غيرهم من السوريين تلك المواطنة ولو أرادوا!

لكنّ المرحلة المقبلة تفرض عليهم، كما تفرض علينا، أن يدخلوا سوريّا الجديدة من خلال مصداقيّة تلك المواطنة، وليس من خلال عقائد ومفاهيم أكل الزمان على شرعيّتها الأخلاقيّة والإنسانيّة وتغوّط!

الإنتماء الديني والطائفي ليس مقياسا لمصداقيّة تلك المواطنة وليس مقياسا لصلاحيّة المواطن.

حبّ سوريّا واحترام الإنسان السوري أيّا كانت طائفته وحدهما المقياس.

هل يستطيع الإخوان السلمون والذين يوصمهم ماض إرهابيّ غير مشرف أن يلتزموا بذلك المقياس؟!

يقول أحد الحكماء: كي لاتموت ذكراك يجب أن تكتب شيئا يستحقّ أن يُقرأ، ويجب أن تفعل شيئا يستحق أن يُكتب.

ماذا كتب الإخوان المسلمون يستحقّ أن نقرأه ونصدّقه ؟ وماذا فعلوا من شيءٍ يستحقّ أن نكتب عنه؟

ماهو جديدهم كي نغفر لهم قديمهم؟!

هل يمتلكون الجرأة كي يصرّحوا بجديدهم ويعتذروا عن قديمهم كي لاننبش ذكراهم، وكي نقرأ لهم شيئا جديرا يمكن أن يخلّف لهم ذكرى أفضل؟

يدعون إلى مجتمع تعدّدي ديمقراطي تسوده مبادئ العدالة والمساواة، فعلى أيّ أساس سيشيّدون ذلك المجتمع؟!!

على نفس المبدأ الذي اعتمد عليه أحدهم عندما وضع تحت إحدى المقاعد في قطار يغصّ بالركاب عبوة ناسفة كانت كافية لقتل مئات المسافرين على متن ذلك القطار؟!!

على نفس المبدأ الذي رمى بموجبه ابراهيم اليوسف قنابله على طلاب مدرسة المدفعيّة وهم يتناولون غدائهم في مطعم كليّتهم؟!

أم تغيّرت مبادئهم، فلماذا لايجيبوننا على هذا السؤال؟!!

يحاولون الآن، وبعد مرور ربع قرن من الزمن، أن يتنصّلوا من جرائمهم، لماذا لم يتنصّلوا منها في ذلك الزمان؟!!

كان الواحد منهم يرتكب جريمته في النهار وما أن يسدل الظلام حتى ينسل تحت جنحه فارا إلى السعوديّة أو العراق أو الأردن حيث يجد جنّته الآمنة!

ومن تلك الجنان الآمنة يخططون الآن للعودة إلى مكان الجريمة كي يساهموا في بناء مجتمع تعدّدي ديمقراطي يقوم على أساس العدالة والمساواة!!

**********

يقول مثل بنغالي: كانت المصيبة كبيرة عندما تزوّجت جدّتي فلانا وكانت المصيبة أكبر عندما طلّقته.

الشعب السوري مرهق من بطش واستبداد سلطة داست على رقبته قرابة أربعين عام.

لقد كانت مصيبتنا كبيرة عندما تزوّجت عائلة الأسد وزمرته السلطة في سوريّا، وستكون مصيبتنا أكبر لو طلّقنا تلك الزمرة ووجدنا أنفسنا وجها لوجه مع الإخوان المسلمين ـ لاسمح الله ـ كزوج بديل بعد هذا الطلاق!

هل تعي المعارضة والأحزاب العلمانيّة والديمقراطيّة في سوريّا وخارجها تلك الحقيقة؟!! وهل ستفوّت على الإخوان المسلمين مخططهم لإفساد العرس السوري الذي انتظرناه طويلا؟!!

زواج الأسد من السلطة كان اغتصابا وقادنا إلى حياة تعيسة، لكننا لانريد طلاقا يقودنا إلى حياة أسوأ!

**************************

وفاء سلطان (مفكر حر)؟

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.