الكاتب الإيراني فرخ نڱهدار*
تعريب عادل حبه
تشير الحقائق على الأرض إن الجمود في المحادثات بين إيران والغرب وجدار الحصار قد أصابه التشقق وفي حالة من الانهيار. ولم يجر هذا التحول نتيجة لللتغيير في مواقف القوى التي تتحكم بزمام الأمور في كل الغرب وفي إيران بالدرجة الأولى، بل هو بالأساس نتيجة للتحولات الجارية في عموم بلدان الشرق الأوسط. فلم بعد بالإمكان التوصل إلى حلول لأي من المسائل الستراتيجية والأساسية في هذه المنطقة الحساسة عن طريق تجاهل إيران. فالعامل الإيراني لا يمكن حذفه، مثلما لا يمكن أن يعود تهميشها بأية منافع على الغرب. لقد أوضحت بالتفصيل في مقال تحليلي سابق لي في هذا المجال، إلى أنه قد آن الأوان لوضع حد للقطيعة والمواجهة بين الغرب وإيران. وإنني على يقين واعتقاد جازم الآن بأن المصالح الحيوية لإيران والغرب يتعارض مع العداوة بينهما. ولذا فأصبح من الطبيعي أن تحل عملية إزالة التوتر والتقارب والتعاون محل القطيعة والعداوة بينهما. فالغرب في سعيه لحل المشاكل المتعلقة بالخليج والعراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، له مصلحة أكثر في التعاون مع إيران لإيجاد حلول لمشاكل المنطقة. فلا يمكن إلحاق الهزيمة بداعش عملياً دون أن يتم التعاون مع إيران.
ولكن المتطرفين في كلا الجانبين، يعتبرون أن أي اتفاق بين الطرفين سيعود بالضرر على مصالحهم. ففي إيران يقف هؤلاء “الحريصون” إلى جانب الذين يمسكون بزمام الأمور في الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية بالضد من هذه العملية. أما في الولايات المتحدة فيقف التيار اليميني المتطرف هو الآخر موقف المعارض خاصة وقد تعززت مواقعه في الانتخابات النصفية الأخيرة، وسيسيطر على الكونغرس بشكل كامل في الانتخابات القادمة على الرغم من النجاحات التي أحرزتها إدارة أوباما في الميدان الاقتصادي وفي العلاقات الخارجية.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن توازن القوى في إيران وفي الغرب يجري لصالح التوصل إلى الاتفاق النووي. ويلوح في الأفق الأمل في احتمال التوصل خلال الأسبوعين القادمين إلى اتفاق أكثر من احتمال التوقف في المفاوضات وفشلها. وإذا لم يجر التوصل إلى اتفاق بعد أسبوعين، فمن اليقين أن لا تعود العلاقات بين الغرب وإيران إلى سابق عهدها، فستجري المحادثات وتتطور العلاقات تدريجياً رغما ما سيعتريها من تباطؤ.
جهاز المرشد والاتفاق النووي
إن ما يحيز أهمية في هذا الإطار هي المقابلة الصحفية التي أجراها السيد بعراقچي على موقع المرشد علي خامنئي. فحديث السيد بعراقچي يوضح بشكل دقيق ما يجري من نقاش داخل أعلى مؤسسة حاكمة في إيران، وهي بلورة لرأي مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعلى الرغم من أن السيد خامنئي لم يعبر إلى هذا الحد في تصريحاته الأخيرة عن أي تفاؤل حول سير المفاوضات، ولكن من المحتمل أن إجراء هذه المقابلة ونشرها على موقع المرشد هو إشارة غير مباشرة عن أن شخص المرشد يقف وراء أي اتفاق يحصل بين الغرب وإيران حول الاتفاق النووي.
إن من جملة ما قاله السيد بعراقچي في مقابلته:
” إنهم أرادوا، ويقصد الغرب، أن يفرضوا قيوداً محدودة على تخصيب اليورانيوم الصناعي، وكانت ردودهم حاسمة ومؤثرة بعد المفاوضات الخاصة بالتخصيب الصناعي حيث أدرك المفاوض الإيراني أنه من غير الممكن الإصرار على ذلك. هذا في الوقت الذي كان المفاوض الغربي قبلئذ يصر على أن إيران لا تحتاج إلى التخصيب على نطاق واسع، لأنها تستطيع الحصول على مواد مخصبة من مصادر أخرى. والآن فقد قبل المفاوض الإيراني بذلك، ولذا فلم تعد المفاوضات تدور حول حق الجمهورية الاسلامية الإيرانية في التخصيب الصناعي، بل أن البحث يجري الآن حول كيفية التوصل إلى ذلك..”
لقد تملكني الفرح عندما قرأت المقابلة التي أجراها السيد بعراقچي، لأن حديثه يعكس نفساً وتصويراً لخامنئي لم نشهده في السابق. ففي السابق، كان المرشد لا يتحدث إلاّ بلحن اليأس وعدم جدوى المفاوضات مع الولايات المتحدة. إن حديث السيد بعراقچي يعكس روحية وسلوكاً آخراً. وإن نشر هذه المقابلة على موقع المرشد خامنئي يدل على احتمال أن تؤدي المفاوضات إلى اتفاق بين الطرفين، وتصوير السيد خامنئي على أنه المعمار والمخطط لذلك. وهذا ما يدفعنا إلى التشكيك بما يتحدث به البعض من أن السيد خامنئي يُشكل المانع الأصلي أمام التوصل إلى أي اتفاق.
أهمية مفاوضات عُمان
خلال الأيام الماضية، التقى السيد ظريف مع نظرائه الأمريكان والأوربيين خلال ساعات طويلة من المفاوضات. ومن المقرر أن ينظم إليهم معاوني وزراء خارجية 5+1. ومما يثير العجب أن المفاوضات تجري بسرية تامة، فلم يتسرب أي شىء عن محتوى هذه المفاوضات. إن طول مدة هذه المفاوضات والمستوى الذي تجري فيه حسب الأعراف الدبلوماسية، لا يدل إلاّ على أن الطرفين يوليان أهمية استثنائية للتوصل إلى اتفاق. كما أن مكان المفاوضات هو الآخر يثير الاهتمام، فهو المكان الوحيد على وجه الكرة الأرضية الذي يحتفظ به طرفي المفاوضات بعلاقات دافئة وحسنة. كما أن مبادرة أوباما إلى إرسال رسالة إلى خامنئي لم يجر تكذيبها من الطرفين، هي الأخرى تحتل أهمية. إن سرّية الرسالة، ونفيها من قبل أحمدي نژاد لا يدخل إلاّ في باب الإعلام والتشريفات. كما أن سرية الرسالة تُدرج في إطار أهميتها وحساسيتها. فحسب ما نقلته وكالة فرانس برس، فقد أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية:” إننا في عُمان نكثف عملنا من أجل أن يحصل تقدم في المفاوضات، ولكي يتم التوصل إلى اتقاق قبل انتهاء المدة المحددة”.
معارضو الاتفاق النووي
حسب ما نقلته وكالة “پیارنیوزوایر”، فقد أصدرت السيدة مريم رجوي “رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل منظمة مجاهدي خلق”، أشارت فيه إلى أن “الملالي مازالوا يصرون على انتاج قنبلة نووية. وأنهم على اطمئنان بمستقبلهم ويريد حيازة القنبلة النووية التي تضمن بقاء سلطتهم”. وتستطرد السيدة رجوي القول:” أما العامل الآخر الذي يشدد من صلافة الملالي هي الامتيازات المغرية التي يحصلون عليها من الغرب. ومن جملة هذه الامتيازات عدم الإصرار على التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي. إن تراجع الغرب هذا يدفع إيران على المزيد من التعنت وطلب الامتيازات واستثمار الوقت من أجل انتاج القنبلة النووية”.
وتستطرد رجوي قائلة:” إن أي اتفاق مع إيراني يجب أن يشمل التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن والتوقف عن تخصيب اليورانيوم. وتعترض السيدة رجوي على :” الحكومات الغربية لأنها تغمض العين عن الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان في إيران، ولا تعترض على تصدير إيران للإرهاب في المنطقة من أجل جلب رضى الملالي خلال المفاوضات. إن أي اتفاق شامل يجب أن يتضمن وقف الإعدام والتعذيب، إضافة إلى التخلي عن سياسة النظام الإيراني الداعية للحرب في المنطقة”.
وعبّر السيد بنيامين ناتانياهو عن ردود فعل مماثلة تجاه المفاوضات النووية وإمكانية الاتفاق بين إيران والغرب، حسب ما نقلته قناة سي أن أن قائلاً :” لم يطرأ أي اعتدال في إيران، فإيران عنيدة ولا يمكن إصلاحها وتسعى إلى محو اسرائيل من الوجود. وإن إيران هي محرك الإرهاب الدولي. وينبغي أن لا يسمح للنظام الإرهابي في إيران إلى الاقتراب من الحافة النووية. إنني أطالب دول 5+1 أن لا تسارع إلى الإتفاق، وأن لا تسمح لإيران بالاقتراب من انتاج القنبلة النووية”.
إن لحن ومضمون وجهات نظر السيدة رجوي والسيد بنيامين نتانياهو لبرهان ثابت آخر على مشاعر ” الخطر” التي تنتاب المعترضين على الإتفاق النووي مع إيران وعمق قلق هذه الأطراف.
وصايا
وبناء على هذا التحليل، أوصى باتباع السبل التالية:
1- إن الوضع الحالي يستدعي من كل قادة الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية أن لا يتحدثوا في بلدانهم عن الانتصار الكبير على الطرف الآخر. فإن ذلك من شأنه أن يوجه لطمة للعلاقات السياسية الوليدة بين البلدين. فتعالي الصراخ والصخب والإدعاء بإحراز النصر الكبير على الطرف الآخر ما هو إلاّ رد فعل لا ينطوي على الحكمة. ومن ضمن ذلك استخدام تعبير “تناول كأس السم” من قبل الطرف الآخر، فهو تعبير ليس له مضموناً واقعياً ولا يساعد على إقامة العلاقات الطبيعية بين الدول. فالرصانة السياسية وتجنب المبالغات يكتسبان ضرورة في هذه اللحظات الحساسة.
2- إن ميزان قوة ونجاح أي طرف في الحصول على المكاسب لها علاقة بدرجة مكانة ومشروعية هذا الطرف. فعندما تعمل إيران بشكل مقتدر وتقلص من الهوة بين الحكم والشعب، فسيتم ترميم فضاءها الأمني. ومن جانب آخر، فإن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق أنصار السلام والوطنيين الإيرانيين تتمثل في أن يرفعوا أصواتهم من أجل دعم مساعي حكومتهم في هذه المفاوضات الطويلة للتوصل إلى اتفاق يضع حداً للصدامات المحتملة بين الطرفين. إنني على اعتقاد بأنه كلما وقف الشعب صفاً واحداً ويمارس عملاً موحداً، فإن ذلك سيمهد الطريق لمشاركة فئات شعبية أكثر في النشاط السياسي والاجتماعي في بلادنا. إن وضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق نووي، سواء من قبل المتطرفين داخل الحكم أو من جانب المعارضين للحكم هو سلوك محكوم بالإدانة.
3- وعلى القادة السياسيين الذين يتولون زمام الأمور أن يتجنبوا إية خطوة من شأنها تقوية مواقع المعارضين للاتفاق في هذه الأيام. فيجب على جهاز المرشد في الجمهورية الأسلامية أن يراقب بحساسية تامة المواقف التي تنسب إليه وخاصة بقدر ما يتعلق الأمر باسرائيل. فمثل هذه المواقف سرعان ما تنتقل لتصبح العنوان الأول في صدر نشرات الأخبار العالمية، وتضع المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي تحت الظل. ونورد على سبيل المثال الخبر المنشور باللغة الانجليزية على موقع مرشد الجمهورية الاسلامية والمعنون: ” لماذا وكيف نستطيع إزالة اسرائيل؟”. إنه تصرف خاطئ، فإن مثل هذه الممارسات تشكل تعارضاً مع الإجماع الحكومي ولا يعود بالنفع إلاّ على العناصر التي تعمل بالضد من المصالح الإيرانية على النطاق الدولي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وناشط ايراني والسكرتير السابق لمنظمة فدائيي خلق الايرانية.