فايز سارة
ما زال السؤال يتردد حول مستقبل «جنيف 2» بعد ما ظهر من نتائج في جولتي التفاوض بين وفدي النظام والمعارضة، عكست انسداد الأفق في إمكانية جعل المؤتمر بوابة لحل سياسي للقضية السورية نتيجة تعنت النظام وإصراره على الاستمرار في سياسته ورفضه لأي حل لا يتوافق مع رؤيته التي تنطلق من فكرة المؤامرة المرتبطة بالإرهاب والتطرف والجماعات المسلحة، والتي تجد صدى ودعما قويا من القيادة الروسية، كما تجد مساندة قوية ومتعددة المجالات بما فيها المجالان الأمني والعسكري من قبل إيران وحلفائها من جماعات طائفية مسلحة في لبنان والعراق، انخرطت عميقا في الحرب إلى جانب نظام الأسد ضد الشعب السوري.
لقد عززت شبكة حلفاء نظام الأسد موقفه في «جنيف 2» في رفض الذهاب إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات، تكون مهمتها تنفيذ محتويات بيان «جنيف 1»، غير أن ما حصل في «جنيف 2» ليس نهاية المطاف، بل خطوة نحو الحل، بدأت أولى حلقات استكمالها فور انتهاء الجولة الثانية، حيث من المفترض تقديم تقرير إلى الأمم المتحدة في الرابع من مارس (آذار)، يبين فيه المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي رؤيته لما حصل في «جنيف 2»، وتحديد مَن هو الطرف المسؤول عما حصل من نتائج سلبية في «جنيف 2»، ليجري لاحقا إخضاعه إلى تدابير بموجب «الفصل السابع» من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك حسب محتوى قرار مجلس الأمن الدولي 2118 الصادر في 2013.
إن مساعي روسيا وحلفاء دوليين آخرين لنظام الأسد ستعمل في الأمم المتحدة لمنع القيام بتدابير تستند إلى «الفصل السابع» ضد نظام الأسد المسؤول عن تضييع فرصة تشكيل هيئة حكم انتقالي، لكن جهود هؤلاء ولا سيما روسيا لن تكلل بالنجاح، لأنها كانت وافقت على قرار مجلس الأمن الدولي المشار إليه أعلاه، الأمر الذي يفرض تحقيق تفاهم روسي – أميركي عبر بيان أو قرار دولي جديد في المجلس أساسه إعطاء فرصة محدودة للنظام للذهاب إلى جولة ثالثة في «جنيف 2» من أجل التوصل إلى اتفاق حول إقامة هيئة حكم انتقالي، تتابع ما ينبغي القيام به من خطوات على طريق معالجة القضية السورية وتفاهماتها، قبل أن يتم إعادة الموضوع إلى المجلس ليقول كلمته التي لا شك أنها ستكون مع اتخاذ تدابير ضد نظام الأسد لممانعته الذهاب إلى حل سياسي في سوريا عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة.
ويرسم السيناريو السابق نتائج مرتقبة للجولة الثالثة في مؤتمر «جنيف 2»، لكن هذه النتائج لن تكون منفصلة عن مجريات بدأت مع نهاية الجولتين الأولى والثانية للمؤتمر، وكان أبرزها تزايد الكلام عن تزويد التشكيلات المسلحة للمعارضة بأسلحة نوعية، تشمل مضادات أرضية وجوية، تحد من سيطرة وتدخلات قوات النظام ولا سيما المدرعات والطيران اللذين يوقعان أهم الخسائر بالمدنيين السوريين وبقوات الجيش السوري الحر، والأمر الثاني التوجه نحو منح مقعد سوريا في جامعة الدول العربية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الأمر الذي يعزز موقع المعارضة والائتلاف خصوصا من الناحية السياسية، والأمر الثالث فتح معركة أوكرانيا مع روسيا على مداها الأوسع، الأمر الذي حسم الصراع هناك لصالح قوى المعارضة المناهضة لموسكو في رسالة خلاصتها الرئيسية أن روسيا ربما تواجه وضعا مماثلا أو قريبا من الصعوبة في سوريا إذا استمرت الأحوال على ما هي عليه الآن، ومما يعزز ذلك التفويض الذي أعطاه الرئيس الأميركي باراك أوباما لوزير خارجيته أخيرا لفتح خيار التعامل مع القضية السورية على كل الاحتمالات، وأعتقد أن علينا أن نقرأ مباشرة احتمال استخدام القوة بصورة مباشرة.
خلاصة الأمر، أن خطوات تتواصل على المستويين الإقليمي والدولي تتعلق بالقضية السورية، بعضها يؤدي إلى تغييرات داخلية ومنها تغييرات ميزان القوى على الأرض، وبعضها يؤدي إلى حدوث تبدلات في البيئة المحيطة بالوضع السوري وعلاقاتها الخارجية، ومن شأن ذلك أن يبدل بصورة إجمالية توازنات القضية وقواها، لكن من الصعب القول إن ذلك سوف يؤدي إلى حل سريع للوضع السوري، لكن من المحتمل توقع ذلك إذا استمر نظام الأسد في وحشيته، معتمدا على تأييد حلفائه من جهة، وعلى تراخي المجتمع الدولي من جهة أخرى، وكلتاهما حالة لا يمكن أن تستمر، وربما تكون مرحلة التغيير والتبديل بدأت مع التوجه نحو «جنيف 2»، وها هي تتعزز بعده!
نقلا عن الشرق الاوسط