تم نشر هذه المقالة قبل ثلاث سنوات ونعيد نشرها لأنها مقالة تثقيفية مبسطة بعلم الاقتصاد
طلال عبدالله الخوري 28\7\2011
تصورا ان انسانا مبدعا في مجال الهندسة الجينية, ولديه القدرات التي تمكنه من ان يطور انواعا جديدة من المحاصيل الزراعية المحسنة والتي تساهم في القضاء على الجوع في العالم, ولم يستطع هذا العبقري من استخدام الطاقات الموجودة لديه لكي يحقق حلمه وحلم الجياع بالعالم, وذلك لسبب بسيط وهو عدم توفر التمويل لمشروعه البحثي؟؟ هذه جريمة ضد انسانية هذا العالم واعطائه الفرصة لكي يتفوق ويزدهر وينافس! وهذه جريمة ضد المجتمع المحلي لهذا العالم لانه تم حرمان مجتمعه من الاستفادة من نتائج عمله من اجل التطوير والتنمية, وهذه ايضا جريمة ضد البشرية جمعاء والتي ايضا حرمت من التنعم بنتائج عمل هذا العالم التي تساهم في الوصول للازدهار والرفاهية والقضاء على المجاعة في العالم!
تصورا ان انسانا مبدعا في مجال الاقتصاد, ولديه القدرات التي تمكنه من ان يطور مشاريع اقتصادية ابداعية والتي تساهم في تحسين نوعية السلع وتخفيض سعرها, وبالتالي المساهمة في تحسين حياة الناس, ولم يستطع هذا المبدع من تنفيذ فكرته لعدم توفر التمويل؟ هذه ايضا جريمة ضد انسانية هذا المبدع وضد مجتمعه المحلي والمجتمع العالمي ككل!!
تصورا كم هناك من البشر الذين لديهم طاقات في العلوم بأنواعها, والفن, والرياضة وجميع مجالات الحياة من دون استثناء, ولكن حرموا شخصيا من الاستفادة من قدراتهم وطاقاتهم , وحرم مجتمعهم المحلي والعالمي من الاستفادة من طاقاتهم, وذلك لسبب بسيط وهو عدم وجود تمويل؟ هل يمكنكم ان تتصورا كم من الجرائم نرتكب بحق انفسنا ومجتمعاتنا بسبب عدم توفر التمويل لتحقيق احلامنا ونحن بشر ولدينا احلام لا تحدها السماء ولدينا طموحات لا تعرف المستحيل؟
اهم سبب لثراء الدول المتحضرة, هو تمكن هذه الدول من خلق الظروف المناسبة لكي يساهم كل مواطن من مواطني بلدانهم بكامل طاقاتهم في تطوير مجتمعهم, وذلك كل حسب امكانياته ونوعها ومجالها, وبالتالي زيادة ثراء بلدانهم ورفاهية مواطنيهم, وبالتالي المساهمة بطريقة غير مباشرة على تحسين اوضاع الناس بكل العالم قاطبة. طبعا, يتم خلق هذه الظروف عن طريق توفير التمويل بواسطة برامج اقتصادية ابداعية, ابدعتها حكوماتهم واقتصاديوهم من علماء بالاقتصاد ورجال اعمال. وان اهم سبب لفقر الدول المتخلفة, هو عدم تمكن مواطنيهم من الاستفادة من كامل طاقاتهم بسبب عدم توفر التمويل؟
ان الحكومات التي لا تعرف او لا تريد توفير التمويل لمواطنيها وخلق افضل الظروف الممكنة لتمكين مواطنيها من استخدام كامل طاقاتهم لتطوير انفسهم وبالتالي تطوير بلدانهم, فهذه ليست حكومات وطنية, وانما هم عبارة عن كهنة كاذبين ومجرمين وخونة ويجب ان يرميهم شعبهم بالمزبلة, وهذا ما تفعله ثوراتنا السورية والعربية, لان الحاكم المستبد اخر ما يهمه هو تطوير شعبه وتقدمة, وانما كل همه هو ابقاء شعبه متخلفا لكي تسهل قيادته كالقطيع.
ونحن نطالب الامم المتحدة بتجريم الحكومات التي لا توفر التمويل لمواطنيها, وتجعل عقول مواطنيها تهاجر الى البلدان التي فيها ظروف افضل, هذا اذا تمكنوا اصلا من الهجرة والحصول على مثل هذه الفرصة, وهذا بالتالي ايضا جريمة لانها تؤدي الى حرمان بلدانهم من طاقاتهم وثرواتهم.
أي كما رأينا مما سبق فأن حرمان الناس من امكانية استخدام طاقاتها الكامنة هي جريمة ضد الانسانية, لذلك نطالب أيضا بأن يضاف حق ضخ التمويل في المجتمعات كحق من حقوق الانسان, وكنا قد طالبنا في مقال سابق باعتبار الاقتصاد التنافسي حق من حقوق الانسان. راجعوا مقالنا:”الاقتصاد التنافسي اهم حق للانسان”.
فيما تبقى من هذه المقالة سنستعرض تاريخ لافكار الاقتصادية الابداعية والتي توصل اليها عباقرة الاقتصاد في العالم لتأمين زيادة ضخ الاموال في مجتمعاتهم وبالتالي المساهمة في تمكين مواطنيهم من استخدام الطاقات الكامنة لديهم الى اقصى درجة ممكنة وبالتالي زيادة ومضاعفة سرعة خطوات تطوير مجمتماعاتهم وبلدانهم وهذه هي اعلى درجات الوطنية الابداعية.
اولا: الاقتصاد التنافسي هو ابداع بشري لتحسين الاقتصاد وبالتالي زيادة ضخ التمويل, مما يؤدي بالتالي الى زيادة المشاريع التي تمكن الناس من استخدام اكبر للطاقات الكامنة لديهم وبالتالي تحسين الاقتصاد مرة ثانية وزيادة ضخ التمويل والمشاريع مرة ثالثة ورابعة ….. وهكذا بمتوالية هندسية ليس لها حدود. لقد اوضحنا بمقالات سابقة بان الاقتصاد التنافسي يؤمن اعلى درجات التنافس وبالتالي تحفيز الناس على الابداع في كل المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. راجعوا مقالاتنا عن الاقتصاد التنافسي.
ثانيا: البنوك: لم يتوقف الابداع الاقتصادي البشري عند فكرة السوق التنافسي, وذلك لان لدى الناس طاقات كامنة اكبر من الاموال التي يضخها السوق التنافسي, لذلك قاموا بابداع فكرة البنوك. بالبداية اتت فكرة البنوك كطريقة لحفظ اموال الاثرياء من النقود الذهبية من السرقة, وذلك بتجميعها بمكان واحد محصن وامين وعليه حراسة مشددة, مقابل رسوم معينة تخصم من هذه الاموال لتأمين هذه الخدمات البنكية. ادى تجمع الاموال في خزائن اصحاب البنوك, وعدم تحركها لسنين من اماكنها , لان يلجأ المستثمرين من اصحاب المشاريع الاقتصادية الابداعية وينقصهم التمويل الى اصحاب البنوك للاستدانة منهم وتنفيذ مشاريعهم , وعند حصولهم على الارباح كانوا يسددون ديونهم للبنك, مضاف اليها فوائد معينة لصاحب البنك جراء مخاطرته باقراضهم النقود. وبهذه الطريقة تضاعفت ارباح البنوك وأخذوا يتنافسون على تشجيع المستثمرين على الاقتراض من بنوكهم , وهنا دخلت البنوك الى سوق المنافسة لاول مرة. وبهذه الطريقة, بدلا من ان تبقى النقود محفوظة بالخزائن تم ضخها بالمجتمع لتنفيذ المشاريع الطموحة وبالتالي ساهمت مساهمة كبيرة بثراء الناس والاستفادة من طاقاتهم وهذه فعلا ابداع بشري اقتصادي. لاحظ اصحاب البنوك بان المستثمر الذي يقترض المال يأتي بعربة ويشحن هذه الاموال مع الحراسة, ثم يسلمها الى الطرف الاخر الذي يمكن ان يكون صاحب الارض او المهندس الذي يبني المصنع, فيقوم بعدها الطرف الاخر , باستأجار عربة وحراسة لكي يوصل هذه النقود الى البنك ليضعها بحسابه, ولكي يختصروا هذه العملية قاموا بدلا من الدفع نقدا باعطاء سند مالي مكتوب على ورقة ومختوم باسم صاحب البنك والذي اسمه محل ثقة عند المستثمرين وعند اصحاب رؤوس الاموال. تطورت هذه العلمية لاحقا باصدار النوتات البنكية والتي هي النقود الحالية وبهذه الطريقة استغنى الناس عن استخدام النقود الدهبية او التعامل بها نهائيا. وبتسهيل هذه العملية تم زيادة ضخ التمويل وبالتالي تحسين الاقتصاد وثراء الناس ورفاهيتهم.
ثالثا: البنوك المركزية وطبع النقود المضمونة من قبل الحكومات: تنبهت الحكومات والتي لديها مشاريع اقتصادية هامة وطموحة الى العمليات البنكية والسندات المالية التي يصدرها اصحاب البنوك ومدى اهمية ضخ التمويل بالمجتمعات والارباح التي تجنيها وبالتالي مضاعفة النمو الاقتصادي التي ينتجه ضخ التمويل هذا, فقامت بالتعاون مع اصحاب البنوك الى انشاء ما يسمى بالبنك المركزي والتي كانت مهمته اصدار النوتات البنكية الحكومية والمضمونة حكوميا. هذه السهولة المالية ادت طبعاالى زيادة هائلة بضخ الاموال وزيادة النمو الاقتصادي, فلجأ الاقتصاديون الى فكرة مبدعة اخرى لزيادة ضخ الاموال اكثر واكثر وهي فك ارتباط كمية النقود المطبوعة بكمية مخزون الذهب الموجود بالبنوك, ومنذ ذلك الحين لم يعد هناك اي حاجة لربط كمية النقود التي يمكن ضخها بكمية الذهب الموجودة بالبنك. طبعا هذه العملية تمت على مراحل, حيث انه بالبداية تم فك الارتباط بنسبة 20 % ثم 80 % وفي عام 1975 بمؤتمر رامبويه تم فك الارتباط نهائيا واصبحت الحكومات تضخ ما تستوعبه سوقها من الاموال لكي تصل الى اعلى نسبة ممكنة من الاستثمار والتي هي بالنهاية استثمارا للطاقات الموجودة لدى مواطنيها وبالتالي الحصول على اعلى نسبة ممكنة من التنمية وبالتالي اعلى مستوى من الثراء والرفاهية.
رابعا: سوق الاسهم: كان المستثمرون يواجهون عقبات كبيرة لاقناع اصحاب البنوك باقراضهم لتمويل مشاريعهم الطموحة, هذا عدا عن اعطاء البنوك جزء كبير من ارباحهم , لهذه الاسباب ولزيادة ضخ التمويل, قاموا بفكرة انشاء سوق الاسهم, والتي تقوم على الفكرة التالية: انا مستثمر لدي سمعة بالسوق ولدي مشروع استثماري ضخم وناجح وبسبب ضخامة المشروع يعوزني التمويل! ولتجنب عقبات البنوك وتجنب مشاركتها لي بالارباح, اقوم بعرض مشروعي هذا على الناس مباشرة من خلال تقسيم هذا المشروع الى اسهم ابيعها للناس مباشرة وعند جني الارباح يتم تقسيمها ومحاصصتها حسب نسبة عدد الاسهمهم المملوكة لكل مشارك قام بشراء هذه الاسهم. وبالفعل دخلت الاسهم سوق المنافسة الاقتصادية, مما أدى الى زيادة ضخ التمويل اكثر واكثر وزيادة الثراء وزيادة النمو الاقصادي والرفاهية للمجتمعات ككل.
خامسا: السندات الحكومية: تنبه الخبراء الاقتصاديون الى اهمية ضخ التمويل في عملية التنمية الاقتصادية للبلد, فقاموا بابداع طريقة جديدة لزيادة ضخ التمويل بالاقتصاد المحلي, وقاموا بالاستدانة من الاثرياء وضخ اموالهم بالاقتصاد لكي يستفيد منها كل المواطنين والوطن بدلا من ان تبقى مخزنة بالخزائن ومن دون فائدة. ولخلق الية مناسبة لاتمام عملية الاستدانة هذه وضمانتها حكوميا قامت الحكومات باصدار ما يسمى بسندات الائتمان الحكومية. وبهذه الطريقة تضاعف النمو الاقتصادي بالبلدان ذات الاقتصاديات القوية والتي يثق الاثرياء باستثمار اموالهم باقتصادها, بينما بقي اقتصاد البلدان الفقيرة يرواح بمكانه. طبعا,يأتي على رأس الاقتصاديات العالمية الموثوقة الاقتصاد الامريكي والاوروبي والياباني.
مما سبق نجد بان ضخ التمويل هو حق من حقوق الانسان, ابدعت الشعوب المتحضرة بزيادته لكي يتم استثمار الطاقات الكامنة لدى مواطنيها الى اعلى درجة ممكنة. ومن هنا نرى, ان من اهم مأسينا مع حكامنا العرب المستبدين هو انهم لا يحترمون شعوبهم ولا يحترمون طاقاتهم الكامنة وبدلا من ان يضخوا اموالهم باقتصاد بلدانهم نراهم يضخونها باقتصاد البلدان الغربية وبذلك يساهمون بزيادة ثراء الغرب وبزيادة افقار شعوبهم ولعمري هذه قمة الخيانة والنذالة والتي لم يسبقهم اليها احد بالعالم. لذلك نطالب الامم المتحدة بتجريم الحكام الاستبداديين لما يقترفوه من جرائم اقتصادية بحق شعوبهم.