صباح ابراهيم
الفصل الرابع
ستالين العراق
تعريف صدام للقانون
” القانون هو ورقة نكتب بيها سطر لو سطرين ونوقع تحتها صدام حسين رئيس الجمهورية”
الاعدام والموت شريعة وقانون صدام
ان دراسة تاريخ الحركات الفاشية تؤكد أن جميعها أوجدت الضرورة لخلق «الزعيم» لكي تنجح في السيطرة على شعوبها. فالنازية الألمانية خلقت هتلر والفاشية الإيطالية قدمت موسوليني، والبلشفية خلقت الديكتاتور ستالين ، فيما البعثيون العراقيون أنتجوا السفاح صدام حسين..
تقارن طفولة و سيرة صدام حسين بطفولة شخصيتين أخريين اقترنتا بالفظائع التي ارتكبت في القرن العشرين هما هتلر وستالين ، وكان ستالين مثال صدام الاعلى الذي يقتدي به وبسلوكه، حيث كان صدام يقرأ كتاب عن حياة ستالين يوميا قبل ان ينام . وكان يتبع وصايا ميكافيلي الواردة بكتابه الشهير الامير من حيث تعامله مع الاخرين والتي تستند على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة . من المعلوم أن المثل الأعلى لصدام كان الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين وكان يطبق نفس سلوكياته وقسوته ضد خصومه المناوئين له ولا يرف له جفن لاعدام اقرب اصدقائه او رفاقه الحزبيين وحتى اقرباءه وقد اعترف بذلك بنفسه قائلا : “بس كل واحد يوكف بوجه الثورة . يصير ألف.. يصير ألفين… تلتلاف.. عشرتالاف، أقصص روسوهم ( اقطع رؤوسهم ) من دون ما ترجف شعرة وحدة مني أو يرجف قلبي عليه”
صدام ومسيرة التصفيات
بعد أن انفرط عقد الجبهة الوطنية وكان صدام قد ارتقى سلم السلطة الذي كان يحلم به في تسنمه منصب (نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، ونائب أمين سر القطر ومسؤولية المكتب العسكري، ومسؤولية المكتب الثقافي في القيادة القومية وعضو القيادة القومية والقطرية). استطاع صدام أن يسيطر على البكر بعد أن استطاع أن يوظف كل إمكانيات العراق في تصفية الخصوم بما فيها الحزب الشيوعي العراقي بشقيه اللجنة والقيادة والأحزاب الإسلامية والقومية ، ووصل الأمر إلى إصدار قانون يخص حزب الدعوة الإسلامي في العراق يحكم فيه بالإعدام على كل منتسب لهذا الحزب، وساهم في تصفية الملاكات القومية، واستعمل أقسى أساليب التصفية والتنكيل لملاكات حزب البعث – الجناح اليساري التابع إلى قيادة سورية. كما توجه صدام لمحاربة رجال الدين الشيعة المؤثرين في المجتمع، وقام بإعدام العديد منهم وتمت عمليات اغتيالات كثيرة بطرق منوعة منها القتل بالسموم والقتل غرقاً والقتل بصدم السيارات ، والشنق والرمي بالرصاص والقتل بالسكين او بالسيف وهناك طرق ابتكرتها الأجهزة المتخصصة في أساليب التعذيب والموت وساهمت ألمانيا الشرقية في تزويده بالمعدات والطرق والخبراء.
واستطاع الجهاز السري لصدام أن يقوم بإنشاء أول جهاز متطور للمخابرات في العراق يضم بين مستشاريه خبراء من مجموعة الدول في المعسكر الاشتراكي التي تعاونت في هذا المجال إلى أبعد الحدود، في كل المجالات التقنية والتدريب واساليب التحقيق والتعذيب. ومن الاجهزة التي استوردها هي مفرمة كهربائية ذات سكاكين كبيرة لتقطيع اجساد البشر الى قطع صغيرة لترمى فيما بعد طعاما للاسماك التي يهوى صدام تربيتها في بحيرات قصوره العديدة.
بدأ صدام بتشغيل وقيادة ماكنة المجازر الجماعية الرهيبة ، حيث قام الطاغية بقتل الملايين من أبناء شعبنا العراقي من عرب وأكراد وتركمان وأكراد فيلية ومسيحيين وصابئة وكلدوآشوريين وغيرهم وتهجير مئات الآلاف بعد مصادرة أموالهم وممتلكاتهم وحتى هوياتهم وجنسياتهم وجوازات سفرهم .
منذ 17 تموز 1968، أنتجت ماكنة الاجرام الصدامية ابداعات جرمية تضاف الى عقوبة الاعدام .. مثل تعليق جثة المعدوم بضعة أيام في الشوارع العامة ووسط احتفالات رسمية وشعبية ، ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة ، وشمولية العقوبة لأقارب المعدوم حتى الدرجة السادسة ، ومنع اقامة مجلس العزاء ، والغاء قيده من السجلات والوثائق ، واجبار ذوي الضحية على تقديم اعتذار للسلطة ، وتغريمهم ثمن الاطلاقات النارية التي يعدم بها الضحايا. أما الكيفية التي ينفذ بها الاعدام ، فقد طرأت عليها تغيرات أيضاً ، فأخذ ينفذ بالسم أو بالسيف أو حوادث السيارات أو تحت التعذيب الشديد ، أو التقطيع التدريجي لاعضاء الجسد والتشويه . او القاء المتهم من سطح بناية عالية او القاءه بحوض من الحوامض المركزة التي تذيب اللحم والعظم (حامض الكبريتيك المركز) . واختلفت أيضاً طريقة تسليم (المعدوم) الى ذويه .. فهناك من يتم تسليمه ومكتوب على الصندوق الذي يحتوي الجثة عبارة (خائن للوطن) ، أو عبارة (يمنع فتح الصندوق)، والبعض يسلم الى ذويه (رقم قبر) فقط .. ويحدد لهم تاريخ زيارة المقبرة الخاصة .. بعد بضعة أشهر مثلاً ، ولكن أكثرية الذين أعدمهم النظام لم يتم تسليم جثثهم الى ذويهم حيث تم دفنهم في مقابر جماعية ثم الكشف العديد منها بعد سقوط نظام صدام حسين.
تقاسم الولاءات بين البكر وصدام
رغم أن البكر كان حتى مطلع عام 1979 يحظى بتأييد القيادات العسكرية (قادة الفيالق والفرق) ولم يجرؤ (ابن خال) صدام الفريق عدنان خير الله، على تصفية الوحدات الضاربة من آمريها المعروفين بولائهم وعلاقاتهم الوطيدة معه رغم تحريضات صدام حسين، إلا أنّ الرئيس بدأ يفقد القياديين في الحزب واحداً بعد الآخر، ولم يبق في صفه لغاية ذلك الوقت غير طه ياسين رمضان، وجعفر قاسم حمودي، من أعضاء القيادة القطرية للحزب، فيما كان ستة من أعضاء مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية يتأرجحون في ولاءاتهم بين الرئيس ونائبه، لاعتبارات خاصة بهم وهم عزة الدوري ونعيم حداد، وعبد الفتاح الياسين، ومحيي الشمري، ومحمد محجوب، ومحمد عايش، في الوقت الذي حسم فيه الآخرون وهم الأغلبية موقفهم، وعُرِفوا بتأييدهم للنائب صدام حسين ودعمهم له وفي المقدمة منهم: عدنان الحمداني، وطارق عزيز، وغانم عبد الجليل، وتايه عبد الكريم، وسعدون شاكر، وحسن العامري، وعدنان خير الله.
التنافس على السلطة
كان صدام حسين، يدرك أن البكر ليس من النوع الذي يتخلى عن وجاهة الحكم والسلطة بسهولة، لكنه كان واثقاً من إجباره على الاعتزال بالقوة من خلال انقلاب داخلي يعتمد على جهاز المخابرات الذي أصبح في ذلك الوقت، دولة داخل دولة، وهو مضمون الولاء له بكامله، قادة ومسؤولين وفي مقدمتهم رئيسه سعدون شاكر صديقه الحميم، ومعاونه الأخ غير الشقيق لصدام برزان إبراهيم التكريتي، غير أنه لم يكن مطمئناً لتعلق عدد من قيادات الحزب والجيش بالبكر، وحبهم له لاعتبارات عاطفية وتاريخية، كما أنه عرف منذ زمن، أن الأمين العام المساعد لحزب البعث، الدكتور منيف الرزاز الأُردني الجنسية، الذي كان يقود القيادة القومية للحزب بعد تواري السوريين ميشيل عفلق، وشبلي العيسمي، وأمين الحافظ، عن الأنظار منذ توقيع ميثاق العمل القومي بين العراق وسورية، يقف بقوة إلى جانب البكر ويشجعه على إتمام إجراءات الوحدة أو الاتحاد بين بغداد ودمشق، ولم يكن أمام صدام إزاء هذه التحديات إلا العمل بسرعة وحرق المراحل، خصوصاً وأنّ خلافاً نشأ بين الرئيس وصدام وقتئذ حول تشريع أمرَ البكر بإعداده لإعلانه في احتفالات 17 تموز (يوليو)، يقضي بزيادة رواتب الضباط والجنود والمعلمين وموظفي الدولة، كان يرى صدام إرجاء صدوره إلى موعد آخر لحسابات خاصة به وخشية التفاف عسكري وشعبي حول الرئيس.
العشائرية والعائلة التكريتية تقبض على السلطة
تسارعت عملية تعيين الأقارب والاعتماد على العشائرية بعد تدمير الحزب، وتوجت بانشاء منظمة في عام1981,أقوى من كل الأجهزة الأمنية الأخرى وبالطبع أقوى من الحزب نفسه, منظمة رباط أعضائها العشائرية وصلة القرابة بالرئيس وهي جهاز الأمن الخاص.
في النتيجة النهائية من ملك السلطة الفعلية, في ذلك الوقت ,كانت عائلة الرئيس و شبكة ضيقة من العشائر من تكريت والدور وبيجي والشرقاط. رباطهم ليست مبادى حزب البعث واهدافه بل قيمهم وقرابتهم العشائرية.فمثلا في عام 1992 كان ولده قصي مديرا لجهاز الأمن الخاص، وولده عدي رئيسا للجنة الأولمبية ورئيسا لنقابة الصحفيين ورئيسا لتحرير جريدة بابل، والمسؤول عن تلفزيون الشباب وواخوه غير الشقيق سبعاوي كان مديرا للامن العام، واخوه الاخروطبان وزيرا للداخلية ، وأبن عمه علي حسن المجيد كان وزيرا للدفاع وقريبه وزوج ابنته حسين كامل كان مسؤولا عن وزارة النفط ووزارة الصناعة والتصنيع العسكري والدفاع في فترة ما، وشقيق حسين كامل صدام كامل كان مسؤولا أيضا عن الحرس الخاص وافواج الحماية الخاصة كانت من تلك الشبكة الضيقة من العشائر واغلبهم لهم صلة قرابة دم بالرئيس.