يُعرف الطغيان علميا بأنه امتلاك العلاقة الهرمية في السيطرة على إدارة المجتمعات والتحكم بوسائل الإنتاج الفكري والاقتصادي والتحكم بكافة مفاصل المجتمع وتحديد بناءه الفكري والثقافي بالإضافة للنظام الديني والسياسي وتسييس الدين لصالح الحاكم ورموز الدولة وتجييش المجتمع وأموالهم للزمرة الحاكم بأشد وسائل السيطرة والتحكم, وإذا كان (لينين) قد أضاف النمط الخامس من أنماط الإنتاج الاقتصادي وجعله هذا النمط الخامس ما يميز الشرق الأوسط عن غيره من المجتمعات فإنه قد فاته أن نمط الطغيان هو الأبرز على صفحة التاريخ الشرقي التي قرأها وأرخ لها الفلاسفة والمؤرخون, وبطبيعة الحال لا يمكن أن يقتنع الرجل الطاغي بأنه طاغية لأنه أصلا يعتقد بأنه يحافظ على الأمن والأمان من خلال استخدام القوة وأنه بهذا يمثل العدل أو ظل الله على الأرض, كذلك لا يمكن للمظلوم أن يعرف بأنه مظلوم وبأن هنالك من يسرق قوته وتعبه وقوته العضلية إلا إذا ظهر مفكرٌ يدعو للثورة على الظالم وبهذا يظهر رجال الدين للتصدي للمفكرين واتهامهم بالكفر والإلحاد والجنون والزندقة ومخالفة شرائع الله ليتم بعد ذلك تصفيتهم ب (التحرش الديني أو السياسي أو الجنسي أو مع المارة بالطريق),وهذه إحدى أهم ميزات الحكام العرب أنهم مارسوا الطغيان بهدف إحقاق الحق والعدالة بين الناس وتخليصهم من المفكرين والمبدعين على اعتبار أنهم يثيرون الفتن والمشاكل والقلاقل ويبتدعون في الدين من أجل تغيير عقيدة المواطن من الايمان إلى الكفر, وهذه مسألة تجاوزتها كل الحضارات وتعدت موضوع ( الأصالة والمعاصرة والصراع بينهما) إلا في الشرق العربي.
ولكن هذا الظلم والاستبداد بلغة العلم لا يمكن أن نعتبره عدلا وفسطاطا مريحا بل هو إحدى أهم وسائل هلاك الناس بشتى وسائل التعذيب, وكان الإمام السلفي أحمد بن حنبل (164-241-ه-) يعتبر أن الخروج على الحاكم الفاسق فيه تعطيل لمصالح الناس, ويقول: ( ابن عبد ربه الأندلسي) في كتبه (العقد الفريد- تحقيق الدكتور: مفيد محمد قميحه-دار الكتب العلمية-بيروت-1983م-ج1,ص9): (السلطان زمام الأمور ونظام الحقوق, وقوام الحدود,والقطب الذي عليه مدار الدين والدنيا, وهو حمى الله في بلاده وظله الممدود على عباده,به يمتنع حريمهم,وينتصر مظلو مهم, وينقمع ظالمهم, ويأمن خائفهم, فحق على من قلده الله أزمة حكمه ومملكه أمور خلقه , واختصه بإحسانه ومكن له في سلطانه أن يكون من الاهتمام بمصالح رعيته والاعتناء بمرافق أهل طاعته, بحيث وضعها الله من الكرامة وأجرى لها من أسباب السعادة).
وقد عرف العربُ نماذج من هذه القسوة وأهمها ما ينبع من الفكر الإسلامي مثل طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه حتى لو كان ظالما والولاء والمبايعة أو بما ذكره( مونتسيكو) في كتابه( روح العدالة) من أن الفكر الديني الإسلامي كان المبرر الرسمي الذي يستمد منه الحاكم العثماني روح الولاء والطاعة, و(وائل بن ربيعة ألتغلبي) كان له واديا يقال له وادي عوف, كان يطلق به كلبه-وهو جرو صغير- ويضربه حتى يجعله يعوي وكان يعتبر أن صوت الكلب هو حَرَمُ واديه فلا يسمح لأحد بالاقتراب من الجرو على قدر انتشار صوت عواء الكلب ومنه استمد لقبه وهو ( كُليب) وكليب تصغير لكلمة كلب والعرب تُصغرُ باللغة لسببين إما للتحقير وإما للتحبب, وقد بلغت به الجرأة أنه كان يحمي مواقع السحاب فيقول(أنا أحمي كل ما تحت هذه السحابة) وكان أيضا لا يسمح لقومه ب(الاجتباء ) والاجتباء أن يجلس الرجل مسندا ظهرا ورافعا أرجله حتى يصلن إلى بطنه, فكان ينهرهم عن الجلوس بهذا الأسلوب في حضرته ويعتبر نفسه ملكا يجب على الناس طاعته وبأن يجلسوا في حضرته كما يجلس الناس في حضرة ملوك وقياصرة الروم وأكاسرة الفرس , وقد بلغت به الجرأة أن يحمي بعض الحيوانات المفترسة فكان يقول وحش كذا بجواري وكان يمنع صيده فلا احد يستطيع الاقتراب من الوحش ولا حتى من جروه , ولم يكن يسمح لأحد من قومه بأن يوقد نارا مع ناره وكان يمنعهم من المرور من بين بيوته حتى سئموا منه ومن تصرفاته فقام ابن عمه(جساس بن مرة) بقتله غدرا مما أدى إلى اشتعال حرب البسوس التي استمرت أربعون عاما أو عشرون عاما على رأي بعض المؤرخين, والحكايات الشعبية تمجد وتعظم شخصية الزير سالم(المهلهل) – يبتدئ من عنده المؤرخون تاريخ الشِعر العربي- الذي انتقم لأخيه بإشعال نار الحرب وتحتقر الروايات الشعبية شخصية جساس بن مرة وتعظم كليب وأخيه الزير سالم لأن معظم الناس تميل للفحولة وللقسوة في الرجولة, غير أن جساس بن مرة القاتل كان أعظم من كليب وأفضل منه إذ أنه كان يتوق إلى الحرية التي اغتصبها منه ومن قومه وائل بن ربيعة.
وجاء في كتاب (الكامل في التاريخ) لمؤلفه ( ابن الأثير) –دار الكتب العلمية-بيروت-ط1-1987م1/399, جاء أن عامل الأكاسرة على الحيرة( المنذر بن ماء السماء) أنه قتل في يوم واحد 400 راهبة مسيحية متبتلة للإله الحي يسوع وحين سألنه لماذا تقتلنا قال( تقربا لكوكب فينوس) , وكان من شدة ظلمه وطغيانه أن له يوم بؤس يقتل به كل من يأتيه زائرا بدون سبب , وكان معتل الدماغ كيميائيا حيث كان يقتل أحيانا بدون سبب وأحيانا وهو سكران يصدر أوامره بالقتل وحين كان يستفيق في الصباح يسأل عن المقتول فيقولون له لقد أصدرت أمرا بقتله, ولم تكن تتحرك مشاعره لذلك ولم تكن تاهتز في وجهه شعرة أو يقشعر له بدنا وكان يقف أمام القتلى بجسم بارد وكأنه مخلوق من الرخام الإيطالي والجرانيت وبوجه من جبس أو طين.
وكان الطاغية( حجر بن الحارث)- والد أمير الشعر العربي في العصر الجاهلي ( إمرئ القيس)- قد نصب أبناءه ملوكا على العرب , وفي يوم شديد الحر جمع (حجر بن الحارث) قوم بني أسد وكان ملكا عليهم وأقسم ليقتلنهم ضربا بالعصا وليس بالسيف انتقاما منهم ذلك أنهم رفضوا دفع إتاوة (خاوى) كان قدر فرضها عليهم وبقي يضربهم بالعصا واحدا تلوى الآخر حتى ماتوا من شدة التعذيب واستحيّا نساءهم وقذف ماءه في بطونهن انتقاما من بعولتهن. وعمليق ملك (طسم وجديس) كان دكتاتورا مضحكا ولا يسمح للعريس في الليلة الأولى بأن يدخل على زوجته فكان هو من يتولى هذه المهمة لتخفيف التعب على العريس, وقيل أن رجلا طلق زوجته وأراد أخذ ابنها منها فشكته إلى (عمليق) فأمر بأن تُباع المرأة ويُعطى زوجها خمس ثمن زوجته وبان يبيع الزوج أيضا وتأخذ زوجته عشر ثمن زوجها وفعل فعلته وضم الولد إلى غلمانه بأسلوب هزلي مضحك ومبكي بنفس الوقت
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟
Published by:علي الكاشمباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراث
Published by:مفكر حردراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.
Published by:آدم دانيال هومه** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني ... غدت ضرورية غربية ودولية **
Published by:سرسبيندار السنديالحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية