لم يتقيد أحمد فؤاد نجم بشيء: لا بضوابط الشعر ولا بحدود النقد. عاش ظاهرة شعبية بكل المعاني: في كلامه. في نظمه. في
ملبسه. في بيته. وباختصار، في كل حياته. يكتب ويعشق ويتزوج ويطلق، ولا يغير شيئا واحدا: جلابية ابن البلد وفقره. أدرك أحمد فؤاد نجم أنه إذا غير تفصيلا بسيطا في شخصيته، ضاعت برمتها. ترك نفسه كما أحبه الناس، يوم هاجم عبد الناصر ويوم هاجم السادات على السواء. فهو يكتب فقط لمصر: «مصر يا امّه يا بهية – يا أم طرحة وجلابية – هو رايح وانتي جايه». دخل السجن منشدا وخرج مغنيا. سماه الكاتب صلاح عيسى «شاعر تكدير الأمن العام». عرفه العالم بـ«الفاجومي» الذي لم يهادن أحدا، ولا قبل الانضمام إلى حزب أو تنظيم سياسي، مفضلا أن يبقى كما هو، ديكا يطلع الفجر على صياحه، في «حي الزلازل» أو السجن، أو في المقاهي الشعبية.
آخر ما قرأت لأحمد فؤاد نجم، ولا أدري إن كان آخر ما وضع، القولية التالية:
«كليوباترا.. انتحرت.
قطز.. اتقتل.
بيبرس.. قتل.
المماليك.. اتدبحوا.
شجرة الدر.. اتشبشبلها.
العثمانيين.. قتلوا بعض.
محمد علي.. خرّف.
عباس حلمي الأول.. اتقتل في بنها.
الخديوي إسماعيل.. اتنفى واتحبس.
الخديوي عباس حلمي الثاني.. بريطانيا خلعته.
الملك فاروق.. اتنفى.
محمد نجيب.. اتذل.
جمال عبد الناصر.. اتسمم.
السادات.. اتقتل.
مبارك.. مرمي في السجن.
محمد مرسي.. اتخلع.
حد تاني عايز يحكم مصر؟».
كان أحمد فؤاد نجم ظاهرة من ظواهر مصر: شعبية واسعة النطاق مع أن شعره لا ينشر. وعندما غنى له الشيخ إمام، كانت الأغاني الأوسع انتشارا، من دون أن تسجل على أسطوانة أو أن توزع على شريط أو أن تذاع من إذاعة. كان مؤسسة إعلامية قائمة بذاتها من دون مدير أو سكرتير أو ضابط مواعيد. ابن بلد فقير يفرح أهل النخبة بالتقرب منه، ويخشى أهل السياسة الاقتراب منه خوف أن يعرف بوجودهم.
مثل الساخر الآخر محمود السعدني، عاش أحمد فؤاد نجم يتحدث بمحبة عن شخص واحد هو ابنته. محزنا كان مقال علي سالم يوم الأربعاء عن قتل البنات في مصر. وأد البنات في الجاهلية كان أرحم بكثير.
منقول عن الشرق الاوسط