صدام حسين المجيد ، رئيس جمهورية العراق للفترة من 1979 – 2003 وكان قبلها نائب لرئيس مجلس قيادة الثورة و له صلاحيات مطلقة من 1968 لغاية 1979.
شخصية مثيرة للجدل وغريبة الاطوار من الناحية النفسية والتصرف، وسلوكه في استخدام العنف والقتل وطموحه للوصول الى اعلى المناصب دون منافس يستوجب الدراسة والتحليل ، حيث ان ضروف طفولته عكست سيكولوجيتة على مستقبل حياته، وجلبت الكوارث والمآسي على الشعب والدولة لاحقا دفع ثمنها غاليا.
قال صدام حسين وهو في قمة السلطة :
“بس كل واحد يوكف بوجه الثورة. يصير ألف.. يصير ألفين… تلتلاف.. عشرتالاف، أقصص روسوهم ( اقطع رؤوسهم ) من دون ما ترجف شعرة وحدة مني أو يرجف قلبي عليه”
مثل هكذا حاكم ديكتاتوري لا يتواني من قطع رؤوس ابناء شعبه ومخالفيه في الراي و السلطة والحزب ، ولا ترتجف له شعرة واحدة لمقتلهم ولا يأسى عليهم ، يستوجب ان يكون تحت الدراسة السلوكية و النفسية لمعرفة اي نوع من القتلة الساديين هو .
وسنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على جزء من سيرته وسلوكه الاجرامي و حبه للقتل وسفك الدماء . ونترك للاطباء النفسانيين دراسة وتحليل حالته السيكولوجية الاجرامية لسبر اغوارها والتعرف على هذه الشخصية الدموية التي تشابه جوزيف ستالين وهتلر في سلوكها الاجرامي .
ولد صدام حسين التكريتي في قرية العوجة من ضواحي مدينة تكريت من عشيرة البو ناصر . في قرية ريفية متخلفة عن ركب الحضارة بلا كهرباء ولا شوارع، معظم بيوتها مبنية من الطين ، وطرقها ترابية تتحول الى اوحال من الطين في الشتاء الماطر . لا يوجد فيها مدرسة ولا مستوصف .
ولد صدام حسين عام 1937 وعاش يتيم الأب ، محروم من الرعاية الابوية والعطف و التوجيه الابوي. ترعرع بين احضان امراءة ريفية امية لا معيل لها ، اتخذت من قراءة الطالع بواسطة الاصداف والقواقع مهنة تعتاش منها، وتنسج من مخيلتها لأبناء الريف في الاسواق حكايات عن الطالع والحظ وما يخبئه لهم المستقبل لتكسب منهم بعض النقود تعينها على مقاومة الفاقة والعوز .
تزوجت من ابراهيم الحسن حارس المدرسة ، بعد موت زوجها حسين المجيد كي يتكفل بمعيشتها مع ابنها اليتيم . انجبت منه ثلاثة ابناء وطبان و برزان وسبعاوي اصبح لهم شأن كبير في المستقبل بدعم من صدام .
لم يرق لابراهيم الحسن ان يرى ابن زوجته صدام ومشاكساته في البيت، فعامله بقسوة كبيرة ، وكان يجبره للتسلل الى بيوت وصرائف اهل العوجة ليسرق منهم بضع دجاجات وبعض البيض من الاعشاش ، والا تكون ضربات العصا بانتظاره عقابا له .
الذين عرفوا إبراهيم الحسن يقولون إنه صاحب شخصية شريرة لا حدود لمشاعر القسوة فيه. لم يحمل إبراهيم أي مشاعر ود لابن صبحة. عامله بعداء مفرط وكان يضربه بلا رحمة على رغم صغر سنه. وهذا ما دفع صدام إلى الفرار إلى بيت خاله خيرالله طلفاح.
لم يلتحق صدام بالمدرسة الابتدائية بعمر السبع سنوات كبقية الاطفال ، لعدم اهتمام العائلة بتعليمه . وبقي لسن متأخرة بلا تعليم . حتى كفله خاله خير الله طلفاح و تربى في بيته ومع اولاده في بغداد حتى اصبح شابا .
كان تاثير خاله عليه كبيرا في تنشاته ، حتى انه حرضّه يوما على قتل احد ابناء عشيرته الشيوعي سعدون الناصري مسؤول منظمة الشبيبة الديمقراطية في تكريت لدوره في عزله من مديرية معارف بغداد ، زوده خاله طلفاح بمسدس لارتكاب الجريمة، وقد قام صدام بقتل سعدون وهو بعمر احدى عشرة سنة ، و قضى مع خاله فترة في السجن للأشتباه بهما بجريمة القتل ، الا انهما اخرجا من التوقيف لعدم كفاية الادلة ضدهما .
عاش صدام طفولته بالحرمان و الاهمال العائلي و فقدان الحب و الرعاية الابوية و حنان الأم التي انشغلت بتربية اولادها الثلاثة من زوجها الجديد ابراهيم الحسن .
وبذلك قضى صدام طفولته وصباه في جو من القسوة والعنف والاهمال، واعتمد على ذاته في الدفاع عن نفسه ضد صبيان المنطقة الذين يتحرشون ويستهزؤن به ، و يحمي نفسه من كلاب الريف الضالة بقضيب من حديد كان يحمله معه دائما .
واتخذ من تلك الحياة القاسية شعارا يمارسه في حياته القادمة وهو ان لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب .
ولهذا تقمص هذا الشاب بروح الذئاب المفترسة التي عليها ان تهاجم اعدائها قبل ان تهجم هي عليه وتفتك به ، وان يكون حذرا و متيقضا دوما، ولا يغفل ابدا ، وان ينام وعين واحدة مفتوحة تراقب ما حوله ، ولا يضع ثقته بأحد و يشك بكل من يحيط به . وكانت الهواجس والعقد النفسية التي تربى عليها منذ طفولته تبني هرما يتنامى في عقله ، ليضمن له المستقبل بين المنافسين الاقوياء، تلك الهواجس كانت ترسم له خطط الحياة القادمة وتربط علاقته بالاخرين . ويتخذ العنف وسيلة لتحقيق غاياته و طموحه وعليه أن يكون قوياً ليدفع الأذى عنه أو أن يكون شجاعا وعدائيا إلى درجة مبادرة الآخرين بالأذى. وقد تجسدت تلك الغريزة العدوانية في سلوكه عند استلامه السلطة والنفوذ لاحقا.
كان صدام طموحا منذ صغره، صمم على الدخول الى المدرسة الابتدائية رغم تقدم سنه على اقرانه الصبية ، واكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية رغم صعوبات الحياة والفقر والتنقل بين بغداد و العوجة وكراهية زوج امه له. قدم طلبا للانتماء الى الكلية العسكرية ورفض طلبه وكانت ذلك سببا لحقده على ضباط الجيش والانتقام منهم لاحقا لأتفه الاسباب.
انتمى صدام في بداية شبابه لصفوف حزب البعث بتأييد من خاله خير الله طلفاح المعروف بميوله النازية والمسجون سابقا لتأييده لحركة رشيد عالي الكيلاني الانقلابية ضد الحكم الملكي في العراق. وقد وقع عليه اختيار الحزب ضمن مجموعة الأغتيال لقتل رئيس وزراء العراق الزعيم عبد الكريم قاسم لانه كان شابا مندفعا متحمسا ومتهورا، و قبِلَ صدام هذه المهمة دون تردد، وحل بديلا عن احد افراد مجموعة الأغتيال الذي انسحب قبل تنفيذ العملية . فشلت محاولة الاغتيال في شارع الرشيد ، واصيب صدام بطلق ناري سبب له خدشا بسيطا بساقه ، وكانت مهمته في العملية تأمين الحماية لمجموعة الاغتيال .
فر صدام الى تكريت على اثر المحاولة الفاشلة وصدور اوامر القاء القبض على مجموعة الاغتيال بعد انكشاف هوية منفذي الجريمة . ثم هرب مع احد رفاقه في الحزب المدعو نجاد الصافي الى سوريا عبر الصحراء بمساعدة دليل من بدو المنطقة، وبعد وصولهم قرب مدينة البو كمال السورية ، قام صدام بقتل دليلهم البدوي الذي قادهم الى الحدود حتى لا ينكشف امر هروبه الى سوريا، بعد ان استضافهم البدوي في بيته و قدم لهم العشاء قبل رحلة التسلل عبر الحدود ، وكان جزاء الاحسان، رصاصتان قاتلة من مسدس صدام اخترقت راس الرجل . وهذا كان جزء من سلوكه في الحذر الشديد لحماية نفسه .
قتلَ صدام الدليل البدوي وسط ذهول رفيقه نجاد الصافي ، وسأل نجاد صدام عن سبب قتله للبدوي وقد ساعدهما للوصول الى سوريا، فاجابه صدام حسب مذكرات نجاد الصافي :
” إننا لا نستطيع أن نجزم إن هذا البدوي سوف لا يقابل دورية شرطة حدودية وبالتالي قد يدلي بمعلومات عنا “..
وكانت هذه ثالث جريمة يرتكبها صدام في حياته وهو لازال شابا يافعا.
قضى صدام فترة في سوريا ، وقابل هناك امين الحزب ميشيل عفلق وحصل على دعمه وتأييده، وعُرِفَ منذ ذلك الحين في قيادة الحزب بسبب مشاركته في محاولة الاغتيال .
سافر صدام الى القاهرة لأكمال دراسة القانون هناك ، ولم يكمل دراسته ، حيث عاد للعراق بعد انقلاب 8 شباط 1963 الذي نفذه البعثيون بقيادة احمد حسن البكر و اعدام عبد الكريم قاسم بلا محاكمة عادلة.
تدرج صدام بالحزب بعد ان اكسبته محاولة الاغتيال شهرة حزبية . وقربه احمد حسن البكر منه بتوصية من خير الله طلفاح بعد استلام البكر السلطة الحكومية والحزبية في العراق. واقنعه ان خير وسيلة للحفاظ على السلطة هي تقريب ابناء العشيرة التكريتية حوله والاعتماد عليهم لأنهم سيكونوا اكثر الناس اخلاصا و وفاء للحفاظ على السلطة الانقلابية البعثية .
شارك صدام مع احمد حسن البكر في انقلاب السابع عشر من تموز ضد رئيس الجمهورية عبد الرحمن محمد عارف ،واقتحام القصر الجمهوري والاطاحة بالرئيس واستلام الحكم ، كُلفَ صدام حسين في 30 تموز 1968 بالاطاحة بعبد الرزاق النايف و ابراهيم الداؤود شركاء البعث في خيانة الامانة والانقلاب على عبد الرحمن عارف بأنشاء وادارة مكتب العلاقات العامة و تاسيس منظمة حنين، وهو واجهة سرية لادارة امن الحزب و الدولة ، وتصفية خصوم البعث من الشيوعيين والمواطنين . فاتخذ الحزب من قصر الرحاب مقرا للاعتقال والتعذيب و القتل للشيوعيين وخصوم البعث ، واطلق عليه اسم قصر النهاية ، حيث من يدخله معتقلا ستكون نهايته المحتومة فيه تحت التعذيب العنيف ، وقد اختار صدام حسين عدد من الشقاوات والمجرمين القساة في هيئة التحقيق والتعذيب والقتل .
وهنا مارس صدام وزبانيته من المجرمين هواياتهم السادية في انتزاع الاعترافات من المعتقلين بابشع وسائل التعذيب . ومن اشهر من قتل في قصر النهاية هو امين حزب البعث السابق فؤاد الركابي الذي خطط لأغتيال عبد الكريم قاسم سابقا ، و كذلك سكرتير الحزب الشيوعي سلام عادل وعدد من رفاقه ، و مئات اخرين قتلوا بدم بارد تحت التعذيب السادي .
كان صدام رجلا عنيفا يحب الدماء ، ويهوى القتل ولا يتوانى عن اعدام او اغتيال اي شخص يشك بولاءه له او يعارض افكاره و خططه . وقد اصبح نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ، ومنح صلاحيات واسعة بحيث اصبح هو الرئيس الفعلي للعراق بوجود رئيس الجمهورية احمد حسن البكر الذي كان يخشاه ويحذر منه .
خطط صدام منذ ان كان نائبا للبكر لتقليم اضافر البكر ، وعزل كل اعوانه المخلصين له ، فخطط و امر عصاباته لأغتيال صهري البكر منذر المطلك و مظهر المطلك ، و اغتيال سكرتير البكر ومرافقه الاقدم طارق حمد العبد الله ، كما خطط لأغتيال نجل البكر محمد، فقتل مع زوجته بحادث اصطدام سيارته بشاحنة على الطريق الى تكريت ، حيث كان صدام حسين يهدف الى تصفية رجال البكر لاضعافه والسيطرة عليه حتى يحين الوقت لاجباره على التنازل له للجلوس على قمة هرم السلطة . كان يقف وراء هذه العمليات سعدون شاكر وبرزان التكريتي اخ صدام الغير شقيق من جهاز مخابرات صدام .
عين صدام اخيه برزان ابراهيم الحسن مديرا لجهاز المخابرات ومنحه صلاحيات وزير ، اضافة الى صلاحيات مطلقة ، فقد كانت يد برزان تطول اقوى جهة سياسية او او رسمية في الدولة واعتقالها وتعذيبها خدمة لتثبيت نظام صدام حسين .
ثم مارس صدام هواياته السادية في القتل والاغتيالات ، فأعدم كبار ضباط الجيش ، و رفاقه بالحزب بحجج مختلفة ، وكذلك قتل الكثير من رفاقه المشاركين في انقلاب 8 شباط و 17 تموز منهم وزير الدفاع الفريق الطيار حردان التكريتي واللواء عبد الكريم مصطفى نصرت ، واللواء الركن رشيد مصلح التكريتي، وصديقه المقرب خالد عبد المنعم رشيد والكثير غيرهم .
وبعد ان ازداد ضغط صدام على احمد حسن البكر اجبره للتنازل عن رئاسة الحزب والدولة و مجلس قيادة الثورة فترك الحكم والقيادة له خوفا من اغتياله بحجة تدهور حالته الصحية ، ثم مات بسم الثاليوم كما اعترف بذلك حسين كامل . فاستلم صدام كل مقاليد السلطة والحزب و الجيش والامن والمخابرات في 17 تموز 1979، وعين اخوانه في المراكز الامنية برزان و وطبان وسبعاوي ، ليكون هو الديكتاتور الاوحد في العراق يساعده اخوانه وعشيرته التكريتية في التحكم بالسلطة والشعب .
لم يشبع صدام من دماء منافسيه ، فاكمل مسيرة حياته الدموية بقتل اقرب اقرباءه و ابناء عشيرته ، فقتل ابن خاله عدنان خير الله وزير الدفاع بحادث سقوط مروحيته ، و قتل صدام صهريه حسين كامل و صدام كامل ، واحد ابناء عمومته علاء سليمان المجيد .
وبعد استلامه رئاسة الجمهورية ومجلس قيادة الثورة عام 1979، قام باعدام العديد من كبار قادة الحزب ورفاقه و اصدقاءه المقربين له والمشاركين له في الحزب والدولة ، بتهمة كيدية وهي التعاون مع سوريا لقلب نظام الحكم في العراق . ولغرض اخافة الحزبيين من التآمر عليه، طلب ان يتم اعدام الرفاق بيد اعضاء من فرق الحزب المختلفة مع حضور كادر نسائي من الحزب لمشاهدة حفلة الاعدامات .
وشن صدام حروب ابادة شعواء على الكرد و الفيلين و طرد خارج العراق كل من ينتمي بالنسب العائلي الى الشعب الأيراني وصادر ممتلكاتهم ، ثم قاد حرب الثمان سنوات ضد ايران ، واخيرا غزا بقواته الخاصة الكويت ، وسبب في تدمير جيش العراق وخسارة مئات الاف الاطنان من المعدات العسكرية في الصحراء على ايدي قوات التحالف و طائراته . وقتل الالاف من افراد الجيش من الضباط والجنود ، ثم حارب بقوات الحرس الجمهوري المنتفضين ضده من شيعة الوسط والجنوب المحتجين على تلك المغامرات الجنونية وقصفهم بالطائرات المروحية والصواريخ ، ثم قصف الكرد ومدنهم وقراهم بالغازات الكيمياوية واباد الكثير من ابناء الشعب الأبرياء في مدينة حلبجة وكان المنفذ للجريمة ابن عمه علي حسن المجيد .
لقد كتبتُ كتابا عن ضحايا صدام حسين ، و ضعت فيه اسماء الالاف من ضحاياه و سيرتهم وكل يوم اكتشف اسماء جديدة والقائمة طويلة لا تنتهي من ضحايا صدام حسين .
لم تسلم عائلة عراقية مهما كان انتمائها العرقي او الديني او المذهبي من ظلم صدام و سيوفه البتارة وحبال مشانقه و رصاصات اسلحته وقنابل طائراته و غازاته السامة .
قام بتنظيم حملة اغتيالات للكثير من رجال العراق في الخارج بواسطة اجهزة مخابراته .
كان صدام ماسكا الحكم بسلطة الحديد والنار وتخويف الشعب باجهزته القمعية ، وقد جرت عدة محاولات للانقلاب عليه او اغتياله ، باءت كلها بالفشل بسب نشاط اجهزته الاستخبارية العديدة.
لقى صدام حسين التكريتي مصيره المحتوم بيد ابناء العراق بعد ان القي القبض عليه من قبل الامريكان مختبئا بحفرة تحت الأرض بعد غزو قوات التحالف للعراق واسقاط حكم الطاغية .احيل للمحاكمة و نفذ حكم الأعدام بحقه شنقا حتى الموت تحقيقا للعدالة و ثارا لدماء شهداء العراق .