سياف الزهور- هيتشكوك

من كثرة الدعاية للحلويات والمعجنات والبسكويت والفواكه والبوظة المغطسة كلها بالشكولا، وبثّها على الهواء مباشرة بين كل فقرة وأخرى طوال فترة الإرسال. وجموع الأيدي والأصابع الممتدة لالتقاطها، يظنّ المشاهد أن الوطن كله أصبح مغطساً بالشكولا، والكل يريد لحسة منه قبل أن يذوب نهائياً بين أيدي الممسكين به في هذه الشمس المحرقة.

ومنذ أدرك المصنعون العرب سبب انصراف المستهلك المحلي إلى السلع الأجنبية، ليس جودتها، وإتقان صناعتها ومصداقية مدة صلاحيتها، بل الدعاية الواسعة التي ترافق إنتاجها، وطرحها في الأسواق، والتي يبرع بها المصدّرون الأجانب لاصطياد الزبائن كأنهم صيادون على ضفة نهر، أخذت المصانع والمعامل وشركات الإنتاج المحلية تتسابق هي الأخرى إلى إبتكار الوسائل التي تغري المستهلك بالإقبال على منتجاتها والإعراض عن سواها. وكذلك تسليته وتثقيفه بما يبتكرون من فنون الدعاية والمسابقات المعقدة، والتي لا تظهر نتائجها، وهناك قطعة واحدة في الأسواق أو مستهلك ليس في المستشفى.

مثلاً:

كل من يشتري علبة حليب كبيرة، يحصل على علبة طون مجاناً! وكل من يشتري عشر علب طون، يحصل على علبة حليب مجاناً

وكل من يحتفظ بقسيمة أو أكثر من محارم كذا، أو معكرونة كذا، تتهيأ له الفرصة ليربح براداً أو غسالة أو سيارة.

وكل من يجمع خمس علب فارغة من زيت المحرك الفلاني، يحصل على دولاب إضافي لسيارته مجاناً.

وكل من يجمع أربعة دواليب من ماركة كذا، يحصل على حادث مروّع مجاناً على أي طريق أو بقعة في وطننا الحبيب!!!

وعلى هذا الأساس، أراهن بكل ما أملك من معنويات عالية، وثقة بالنفس، وبمستقبل هذه الأمة الباهر، أو المبهر بلغة السائقين وشرطة المرور، لأنهم صاروا في هذه الأيام يخلطون كثيراً بينه وبين أضواء السيارات والشاخصات، على أنه منذ الآن، وحتى تنتهي المفاوضات الأخيرة بين ما تبقى من العرب وإسرائيل، إلى النهاية الموعودة، هذا إن لم تكن قد بدأت وانتهت عند كثير من الدول، ستحفل المنطقة بكل ما يخطر على بال من المباريات الرياضية، والعروض البوليسية، والفنتازيا التاريخية والغرائبية، والمسابقات المشوقة والمعقدة، لتشغل بال المواطن عن كل ما يدور حوله وباسمه.

مثل:

بطولات الدوري الإنكليزي والأوربي، وبطولات آسيا وأفريقيا بكرة القدم، والتنس، وكرة الطاولة، والغولف، والهوكي، والروكي.

وبطولة العالم للسباحة والغطس، بطن وظهر وفراشة، وتسلق جبال، وتزلج على الجليد.

والملاكمة الرومانية، واليابانية والحرة ورفع الأثقال.

والجيدو والكاراتيه، ورمي القرص، وشد الحبل والقفز العالي والجمباز على الثابت والمتحول.

وشطرنج ، وبريدج.

وفرق الروك، والراي، وجاز، وفالس وتانغو.

وحفلات تنكرية، ومزادات علنية، ومزايدات خيرية

وانتخاب ملكات جمال، وأحسن عازف، وأجمل ساقين، وأكبر قالب كاتو وأصغر مطربة، وأقصر قامة، وأطول شارب، وأجحش شعب!!

وجوائز نقدية وعينية

ورحلات سياحية، وإقامة مجانية في أرقى الفنادق والمستوطنات!

ومن المرجح أن اليوم الذي ستجري فيه المباراة النهائية لبطولة العالم بكرة القدم سيصادف يوم انتهاء مفاوضات العصر، والتقاط الصور التذكارية المنتظرة، إذا وجِد مصور لالتقاطها.

About محمد الماغوط

محمد أحمد عيسى الماغوط (1934- 3 أبريل 2006) شاعر وأديب سوري، ولد في سلمية بمحافظة حماة عام 1934. تلقى تعليمه في سلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، احترف الفن السياسي وألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية وله دواوين عديدة. توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.