من سوء حظ ليوناردوا دافنشي, الذي ولد لأب ثري وأم من عائلة مسحوقة من خلال علاقة غير شرعية بين أبويه -1452-1519م- أن المجتمع والعصر الذي ولد فيه وصل مرحلة كان يكره فيها من صنع المدفع على عكس الناس اليوم ,ومن سوء حضه أنه ولد من شعب إيطالي يكره صور الحرب والدمار في الوقت الذي ابتكر به – هذا الفنان والمهندس المعماري والحربي وعالم النباتات ورسام الخرائط والجيولوجي والنحات وصاحب روح عصر النهضة -آلات حربية مدمرة غير أن الناس لم تأبه بها لشدة ولعهم بالعاطفة والحنان والكنيسة التي تحتضن أبناء الرب في صور درامية مؤثرة, هذا الشعب لم يأخذ من ليوناردوا دافنشي إلا لوحة الموناليزا التي طبقت شهرتها الآفاق العالية, الإيطاليون كرهوا في عصر دافنشي من اخترع المدفع ومن يجره ومن يغذيه بالذخيرة ومن يقوم بتطويره, وكأني اسمعهم يقولون: لعن الرب صانع المدفع وحامله وبائعه,لأن روح الكنيسة كانت ما زالت مسيطرة وكرهوا من يقوم بتطوير أي صناعة حربية أخرى, كانت مخترعات دافنشي الحربية من الممكن أن تؤخذ على محمل الجد لولا كره الناس لها, لقد ارتبط اسم دافنشي كفنان من عصر النهضة بكثير من آلات التدمير حيث كان هو صاحب الفكرة السباقة لتلك الآلات حتى انه يقال بأنه هو صاحب فكرة الطائرة المروحية العمودية, فبعد انتهاء حرب المائة عام 1453م ولد دافنشي ظهرت الكثير من مبادئ آلات التدمير في مخطوطات دافنشي وفي مخطوطات غيره غير أن أشهرها كانت في أعمال دافنشي صاحب أمهر موهبة تعبر بجلاء عن روح العصر الذي ولد فيه, صحيح أن معظم أعماله الفنية امتازة بعدم قدرة مزاج دافنشي على إتمامها غير أنها كانت الملهم للذين جاءوا من بعده, إن الناس تعرف دافنشي على أساس انه فنان تشكيلي من عائلة ثرية أحبه البابا ليون مديتشي العاشر وأحب أعماله في الفاتيكان وفي فلورنسا كلها ولكن يغيب عن أذهان الناس أن دافنشي كان عالم طبيعة عصامي ثقف نفسه بنفسه وعلم نفسه بنفسه وتأثر ب”؟أفكار ارخميدس وعلماء اليونان وتساءل عن مصدر الحركة, ثم تشريح الإنسان والاهتمام بقلبه ثم بالرياح واهتم وتساءل عن عمر الأرض وكل ما تساءل عنه وكتبه في دفاتره أصبح مهما للعلماء الذين جاءوا من بعده, وصحيح أن الناس في عصر دافنشي كرهوا آلات الحرب إلا أنه من حسن حض دافنشي أن الناس كانت تنظر للمخترعات من وجهات نظر فنية وليس من وجهة نظر علمية بحتة, كانوا يؤمنوا أن الفن هو أساس العلم والمخترعات وعلى المخترع أن يكون فنانا قبل أن يكون عالما,’ أو لنقل بعبارة أكثر ملائمة للموضوع أن الناس كانت تنظر للحياة الفكرية بعين الفنان أكثر مما ينظرون إليها بعين العالم, وحتى اليوم تعتبر التصاميم الفنية أصل العلم والمخترعات والمكتشفات, فمثلا تخصص(الجرافيك ديزاين) وهو التصميم داخل في كل المجالات ولولا الفنانون المصممون لَما استطاع المهندسون توصيل أفكارهم وتطبيقها على أرض الواقع, الفن هو الأصل, وقلنا أن مخترعات الحرب والدمار كانت مكروهة في زمن ليوناردو دافنشي ولكنها أصبحت ألملهم لكثير من العلماء من بعد دافنشي والسبب واضح وهو أن الأخلاق تغيرت والخجل تراجع, وتخلت الأغلبية عن القيم المسيحية التي تدعو إلى خدمة الإنسان والكنيسة ودفع الضرر عن الإنسان لقد كان الناس يكرهون من يصمم آلات الحرب ولكنهم شيئا فشيئا تخلوا عن هذه القيم التي أصبحت موضة قديمة.
كانت الحرب أصلا وما زالت تقوم على دعائم رئيسية وهي الخوف من العبودية , وحتى لا يقع الإنسان تحت العبودية وحتى لا يصبح عبدا عليه أن يكون قويا ويستعبد الآخرين قبل أن يستعبدوه, وكما كان دوما يتوهم قديما قولهم: حتى تصبح رجلا عليك أن تلتهم رجلا, وحتى يصبح بصرك قويا عليك أن تأكل عين مخلوق بصره قويا , ومن المرجح جيدا أن الإنسان إلي تم تغذيته بروح ربات الفنون السبعة لا يمكن أن يكون قاتلا أو سيء الخلق, عليه أن يكون أولا وأخيرا إنسان يحب الخير, وإن أغلب المخترعات كانت لأغراض عسكرية بحتة تحت نطاق الإمداد الحربي والتزويد الحربي , لا يمكن أن يكون ليوناردوا هذا الفنان الشبق قاتلا بل أعتقد أنه كانت لديه عقدة نقص كونه ولد غير شرعي وكان دوما يحاول إثبات نفسه بنفسه, علّم نفسه بنفسه وثقف نفسه بنفسه, وعلى مدى التاريخ أغلب الأدباء والفنانين بعيدين عن روح الاجرام, صحيح أن أعمال ليوناردوا اهتمت بآلة الحرب والدمار ولكن هذه كانت هي روح العصر الذي طغت عليه ومن حسن حضه أن الإيطاليين في الفاتيكان وفي فلورنسا لم يأبهوا بمخترعاته وتركوها للذين جاءوا من بعده, ترك لنا دافنشي أجمل المنحوتات التي طلبها منه البابا ليون العاشر(جوفاني) فمنذ صباه كانت تربطه بعائلة مديتشي والتي منها البابا ليون العاشر, كانت تربطه بهم علاقة طيبة إلى حد ما مبنية على روح الاحترام وتواضع رأس المال أمام الفن, والحمد لله أننا عرفنا روح الفنان الأصيل ليوناردوا دافنشي أكثر مما عرفنا روح القاتل المدمر الحاذق دافنشي.