إبراهيم قعدوني: ترجمة لمقال إلزابيث ديكسون في الفورين بوليسي:
لماذا يُعَدّ الرئيس المنتخب ضربةً موفّقةً في الخليج الفارسي
ذات يوم، شرَحَ لي أحد أفراد العائلة الحاكمة في الكويت لماذا لم يُعجِب باراك أوباما أحداً في منطقتهم، وبالتأكيد، فإنّ للقادة السياسيين هنا آراءهم المختلفة مع سياساته، وقد اعتبروه ساذجاً ولا رغبة لديه في ممارسة القوة الأمريكية، إلاّ أنّ حقيقة مواقفهم إزاء أوباما، إنّما كانت نابعةً من طريقته في تنفيذ الأعمال، فالرئيس السابق جورج دبليو بوش، كما أوضح محدِّثي الكويتي؛ كان يأتينا بين الفينة والأخرى حتى لمجرّد إلقاء التحية، وكان يبعث برسائل التهنئة حين يفوز الفريق المفضّل لأمير البلاد ببطولة دوري كرة القدم، أمّا أوباما، فإنّك لا تسمع عنه إلاّ حين يريدُ منكَ شيئاً.
بعد انقضاء ثلاث سنواتٍ على تلك المحادثة مع الصديق الكويتي، لن يكون من المفاجئ أن نرى ترحيبَ الملكيات العربية في منطقة الخليج الفارسي بانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. وكما يرغب أنصار ترامب في أمريكا في “تجفيف المستنقع” وإزالة الآثار السياسية لثمانية أعوام من عهد أوباما، كذلك يأمل حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط بشيء مماثل، كانقلابٍ في السياسة الخارجية التي عادةً ما يصفها المسؤولون والمثقّفون هنا بعباراتٍ من قبيل “الكارثة التامة” و”الفشل المدوّي”.
نهاية الأسبوع الماضي، في حوار المنامة، وهو مؤتمر سنوي للأمن يستضيفه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ويستقطب العشرات من أبرز صنّاع السياسة والمسؤولين العسكريين والاستخباراتيين من كافة أرجاء المنطقة، سادَ شعورٌ بالانتصار، إذ أنّ الأمور، وكما قال محمد اليحيى، وهو زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي ” لا يمكن أن تكون أسوأ مما كانت عليه في عهد أوباما، هكذا يشعر الجميع”.
إنَّ أيّ تغييرٍ في البيت الأبيض بعد أوباما سيكون موضع ترحيب، غير أنّ نسخة ترامب من الانقلاب الجذري في السياسة، أثارت وَلَعَ الخليج العربي السنيّ، ويأمل الزعماء السياسيون هنا في أنّ ترامب سيعيد النّظر في السياسة الأمريكية تجاه إيران ويعاقب طهران على أنشطتها في العالم العربي، حيث دعَمت الميليشيات والسياسيين والحكومة المارقة في العراق وسورية واليمن، وفي البحرين وإنّ بدرجة متفاوتة من الحماسة. كذلك يُظهر الجميع ميلاً للتغاضي عن خطاب ترامب الكاره للإسلام واعتباره مجرّد حماقةٍ اقتضتها الحملة الانتخابية.
أكّدَت تحرّكات ترامب الأوليّة توقعات الخليجيين على الأرجح، ويُبدي الزعماء والمحلّلون الخليجيون رغبتهم في تجاهل المعلومات التي تخالف تلك التوقّعات. وتتضمّن تشكيلة ترامب الحكومية العديد من المسؤولين المناوئين لإيران بشكلٍ صريح، بما في ذلك قائد القيادة الوسطى السابق الجنرال جيمس ماتيس، والجنرال المتقاعد مايكل فلين. “بالنسبة للسعوديين وللآخرين في المنطقة، فإنّ بعض اختيارات ترامب تبعث كثيراً على الاطمئنان”، وكما قال اليحيى، فإنَّ “الكثيرين يعتبرون آراء الجنرال ماتيس بشأن المنطقة رصينةً ومعقولة جداً، وأنّ آراء مرشّح وكالة المخابرات المركزية [مايك] بومبيو تنظر إلى الأمور بطريقة أكثر واقعية من إدارة أوباما.”
كذلك فإنّ الحماس الخليجي لترامب ينبُعُ من شخصيته كرجل أعمال، فعلى النقيض من سُمعةِ أوباما كمفكّرٍ متحوّطٍ وحذِر، يُنظَرُ لترامب كشخصٍ يُفلِحُ في الصفقات والعائلة والسياسة. “يمكن دوماً التّنبّؤ برجال الأعمال” كما قال عبد الله المنّاعي، وهو كاتب في صحيفة أخبار الخليج، البحرينية، وأضاف بأنَّ “الخلاصة، وما سيجعلُه يبدو جيّداً هيَ” كما قال:
“لكونه رجل أعمال، ولأنّ الخليجيين يرغبون في القيام بالأعمال التجارية، ذلك يعني بأنّه ثمّة فرصة في أنّ الدول الخليجية ستكون في وضع حَسَن وعلاقاتٍ جيدة مع ترامب”.
* * *
إنّ حماسة المسؤولين الخليجيين لترامب، وفي عدّة جوانب، إنّما تأتي نتيجةً لخيبة أملهم بسياسات أوباما. وفيما يستعد الرئيس الأمريكي الرابع والأربعون لمغادرة البيت الأبيض، فإنّ الزعماء الخليجيين باتوا على استعدادٍ للتعبير عن ازدرائهم له على نحوٍ كامل.
لربما كانت قوائم شكواهم طويلة، غير أنَّها تتركّز على خلافات أساسيةٍ حول دور أمريكا في المنطقة. ولطالما تحدًّث أوباما، الذي انتُخِبَ لإخراج أمريكا من الحروب الإقليمية، عن حدود قوة الولايات المتحدة الأمريكية، ولطالما أبى الاستجابة لدعوات التدخل العسكري، في سورية بشكل خاص. على العكس من ذلك، فقد رأى الزعماء الخليجيون في مسألة القوة الأمريكية حقيقةً على الأرض، أكثر من كونها مسألةً للمناظرة الفكرية، وقد استندوا في رأيهم إلى حقيقة وجود 58.000 جنديّ أمريكي في المنطقة.
باختياره عدم التدخل في سورية، فإنّ أوباما، بحسب ما يجادل أولئك الزعماء، قد أعطى الضوء الأخضر لإيران وروسيا بالتدخل دون خوفٍ من الانتقام. وكما يُنظَرُ للمسألة هنا، فإنّ تخلّي أمريكا عن المنطقة قد أدّى لتبعاتٍ خطيرةٍ، كتعاظم النفوذ الإيراني وحصول أزمة إنسانية مدمّرة، نتيجة لعبثها في سورية والعراق، ناهيك عن أزمة اللاجئين التي تعصف بمعظم دول الجوار.
وبحسب ما تمخّضَ عنهُ مؤتمر المنامة، فقد لفَتَ الحاضرون الانتباه إلى ما رأوا فيه تتويجاً لهذا الفشل في السياسة الخارجية مُمثَّلاً في استعادة القوات السورية، التي كانت وشيكة -وقتئذ- وبالتعاون مع حلفائها الإيرانيين والروس، السيطرة على الشطر الشرقي من مدينة حلب، والذي يسيطر عليه المتمرّدون، حيث يحاصر مئات الآلاف من المدنيين العالقين هناك منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحتَ القصف العشوائي والحصار المروّع.
“إنّ أيّ تغيير هو تغيير جيّد”، هذا ما قاله المعارض السوري أديب الشيشكلي، ممثّل المعارضة السورية لدى مجلس التعاون الخليجي وذلك على هامش أعمال المؤتمر، وأضاف “لا يوجد ما هو أسوأ مما كانت عليه الأمور في عهد إدارة أوباما”.
يبدو الشعور متبادلاً في بعض النواحي، فأوباما لم يُخفِ إحباطه إزاء مخاوف الدول الخليجية من إيران، حتى ولو أنّ إدارته فاوضت على اتفاق يهدف إلى الحدّ من أنشطة إيران النووية وباعت خصومَ إيران تكنولوجيا مضادة للصواريخ.
“إنّ المنافسة بين السعوديين والإيرانيين تتطلّبُ منَّا أن نقول لأصدقائنا، وللإيرانيين كذلك، بأنَّ عليهم إيجاد طريقة فعّالةٍ لِحسنِ الجوار”، هكذا قال أوباما لجيفري غولدبيرغ في مقابلته التي أجراها معه في شهر نيسان/أبريل، والتي ألمَحَ فيها إلى أنّ الدول الخليجية كانت “تركبُ مجّاناً”. وأضاف الرئيس قائلاً بأننا إذا ما قُلنا” لأصدقائنا أنتم على حق، إيران هي سبب كل المشاكل، وسندعمكم بالتعامل مع إيران، فإنّ ذلك يعني جوهريا أنَّ الصراعات الطائفية ستسمر بالاستعار”.
كذلك يبدو أنّ لدى البيت الأبيض أفكاراً أخرى حول دعم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، في مواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وقد دمّرت الغارات السعودية البلاد طيلة عام ونصف وخلقت كارثةً إنسانية، ومع ذلك فإنَّ خطوط الجبهة بالكاد تزحزحت عن وضعها السابق في الأشهر الأخيرة. وفي 13أيلول/ سبتمبر نقلت وكالة رويترز عن الولايات المتحدة وقفها بعض مبيعات الأسلحة للسعودية واعتزامها إعادة تدريب الطيارين السعوديين لتحقيق استهدافٍ أفضل للتخفيف من سقوط ضحايا بين المدنيين في المستقبل.
في آخر زياراته للمنطقة، انتقد وزير الدفاع الأمريكي، آش كارتر، المسؤولين العسكريين الخليجيين بسبب “تذمّرِهم” لنظرائهم الأمريكيين بأنَّ على واشنطن أن تفعل المزيد، “سأطلب منكم تخيّل ما سيفكّر به القادة العسكريون الأمريكيون حين يكون عليهم الإنصاتُ لشكاوى تقول بأنّه علينا فعل المزيد، في الوقت الذي يبدو فيه واضحاً في كثيرٍ من الأحيان أنَّ أولئك الذين يشتكون، هم أنفسهم لا يفعلون ما يكفي”. وقد ضمّن كلامه هذا في خطابه الرسمي لمؤتمر المنامة.
وفي ردّه على الاستفسارات، خفض كارتر صوته الذي حمل نبرةً مستخِفَّة، مُذكّراً الحضور مرّات عديدة بأنه سبق وأن أجاب على استفساراتهم، إلاّ أنّ إحباطه ظهر بشكلٍ جليّ حين تحدّثَ عن التوتّر الحاصل مع دول الخليج، إذ قال: “الحقيقة هي أنّه، إذا ما أرادت دولٌ في المنطقة أن تقلق بشأن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار— وهو قلقٌ تشاطرها إيّاه الولايات المتحدة الأمريكية — فإنّ على تلك الدول أن تنخرط في اللعبة. ذلك يعني أنَّ عليها أن تفكّر بشكلٍ جديّ في الشراكة مع بعضها البعض”. ترَك المتحدّث مستمعيه يهزّون رؤوسهم ما بينَ غير مصدّقٍ لما سمعه من نبرةٍ متعالية وبين من راح يغمز ويلمز حول “الخلاص من إدارة أوباما”.
* * *
تتركّزُ الآمال التي يعلّقها المسؤولون الخليجيون على إدارة ترامب، على فكرة أنّ هذه الإدارة سوف تقوّض النفوذ الإيراني في المنطقة، فقد أدّت الاتفاقية النووية بين إيران والدول الستّ الكبرى إلى تفاقم سلوك طهران السيء، كما يؤكّد مسؤولون رفيعون هنا. “لم تثبت إيران بأنّها دولة هادئة تريد التعاون مع جيرانها” بحسب ما قال الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، الأمير تركي بن فيصل آل سعود، في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المنامة، وأضاف الأمير تركي قائلاً: “على العكس، فقد زادت إيران من أنشطتها”.
وقد ردّد ترامب تلك الآراء، بقوله إنّ الاتفاقية أدّت إلى “جعل إيران قوية”، وبحسب ما قاله لشبكة فوكس نيوز في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، “لم يكد حبر الاتفاق يجفّ، حتى انتهك الإيرانيون الاتفاق”. وكان لمستشاريه مواقف أكثر حِدّةً إزاء إيران، وفي شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية والخدمات المسلّحة عام 2015، وصَفَ مستشار الأمن القومي، القادم، فلين، إيرانَ بأنّها “خطرٌ واضح وقائم يتهدّد المنطقة، وبالتالي العالم”.
تبدو الحلول التي يقترحها ترامب للسلوك الإيراني -على الأقل ما كُشِفَ منها- من ذلك النوع الذي بإمكان دول الخليج التعايش معه، وفي مقابلته نفسها مع شبكة فوكس نيوز، اقترح ترامب على السعودية “مساعدتنا اقتصادياً” مقابل حمايتها من إيران، “ستكون العلاقات الاقتصادية في غاية البساطة: ادفعوا لي، وسوف أقيكم شرّ إيران”.
وبحسب ما قاله المنّاعي، فإنّ “هذه الصيغة، بسيطة: تقدّمون لي ما بحوزتكم، وستحصلون على المقابل.”
لدى دول الخليج الكثير لتقدّمه على اعتبارها إحدى أعلى المناطق دخلاً في العالم، وبإمكانها إجراء صفقاتٍ دفاعية مربِحة، والاستثمار في البنية التحتية الأمريكية، التي تعهّد الرئيس المنتخب بإنشائها، أو بإمكانها حتى نقل الأصول المالية الموجودة لديها إلى الولايات المتحدة لإدارتها من قِبَلِ البنوك الأمريكية.
في المقابل، لدى الزعماء الخليجيين قائمة بأزمات إقليمية يرغبون معالجتها من قِبَل ترامب، فهم يأملون بأن تحافظ الإدارة الجديدة على الاتفاقية النووية مع إيران، في الوقت الذي تقوم فيه هذه الإدارة بربط مسألة رفع العقوبات عن إيران بسلوكها في المنطقة. وفي الوقت نفسه، تريد الدول الخليجية الاستفادة من الجدول الزمني للاتفاقية (الذي يمتد لـ15 عاماً) لتكون بمثابة فترة سماح لتعزيز أنظمتها الدفاعية المشتراة بمعظمها من الولايات المتحدة الأمريكية. وكما قال الأمير تركي الفيصل: “تحتاج دول المنطقة لاتخاذ التدابير اللازمة لتوخّي الحذر بما يكفي للاستعداد لليوم الذي سيلي هذا الاتفاق”. وأضاف “سنحتاج لبرنامج على مدى السنوات الـ15 القادمة”.
أمّا في سورية، فهم يأملون بأن يلاقوا أذناً صاغيةً لخياراتٍ تقوم على التّصدّي للنظام السوري وحلفائه الإيرانيين في الوقت نفسه الذي يتمّ فيه ضرب تنظيم الدولة الإسلامية. وقد قال هادي البحرة، وهو رئيس سابق للائتلاف السوري المعارض: “بإمكاني أن أرى على الأقل أنَّ بإمكاننا التعاون في هاتين المسألتين”.
وبطبيعة الحال، فإنّ العديد من تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية، ومنذ فوزه في الانتخابات، لربما تدحضُ آمالاً كبيرةً كتلك، إذ أنّ إعجاب ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو التناقض الأكثر إثارةً للدهشة. ففي سورية، تعمل موسكو بشكلٍ مباشر مع الحكومة ومع إيران وذلك لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، وتقصف الطائرات الروسية بشكل يومي مواقع قوات المعارضة التي تدعمها دول الخليج.
مع ذلك فإنّ البعض هنا يصرّون على التفاؤل: “نأمل في أنّ [إدارة ترامب] ستكون أقرب لروسية بحيث يمكنها إقناع الروس بحلٍّ” في سورية، بحسب ما أضاف أديب الشيشكلي، ممثل المعارضة السورية الذي أضاف قائلاً: “لربما يستطيع الأمريكيون إقناعهم بمعزل عن نظام الأسد”.
سَبَقَ لترامب وأن شكّك في الدعم الأمريكي للمعارضة السورية وذلك في تصريح لصحيفة وول ستريت جورنال في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، إذ قال: “ليس لدينا فكرةٌ حول من يكون هؤلاء”. وقد ذهب إلى حدّ اقتراح ضرورة تعاون الولايات المتحدة مع أي طرف يحارب تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك روسيا والحكومة السورية.
وقال هادي البحرة: “لا أعتقد بأنّه سيُقدِمُ على اتخاذ ذلك القرار [في وقف الدعم للمعارضة السورية] بعد وصوله إلى البيت الأبيض”، “يمكن لنا الحكم على استراتيجيته الفعلية بعد مباشرته لمهامه واطّلاعه على كافة التفاصيل، إذ سيكون -حينئذ- قادراً على اتخاذ قرارات أكثر حكمة”.
وقال الأمير تركي: “لربما لم يُطلَع ترامب بما يكفي حول الوضع في سورية”، “آمل أن يجري إطلاعُه”.
كذلك يريد الزعماء الخليجيون من ترامب دَحرَ النفوذ الإيراني في العراق، حيث تعمل عشرات الميليشيات الشيعية بتعليماتٍ من طهران، هم يأملون أيضاً بأنّه سيزيد من دعمه للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، أو أن يغضَّ الطرف عنه على الأقل.
وبحسب ما قال المنّاعي فإنّ الاعتقاد بأنّ ترامب يميل إلى التدخل ضدّ إيران على نحوٍ واسع وحاسم يُعدُّ “أمراً مشجّعاً بالنسبة لنا”، وأضاف “إنّ رؤية ترامب يقدِمُ على اتخاذ قرارات سريعة تماماً قد يورّطُ الولايات المتحدة أكثر في المستقبل، إلاّ أنّه سيحلّ قضايانا”.
ويعترف المنّاعي بأنّ التدخل العسكري في المنطقة قد يكون شأناً مكلفاً ومحفوفاً بالمخاطر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، إلاّ أنّ دول الخليج ستفيدُ من هذا التدخل، “نتمنى لكم حظّاً طيباً، نحنُ سعداء”.
* * *
ذلك لا يعني عدم وجود مخاوف بشأن مدى استرسال ترامب في الإسلاموفوبيا، ولكن البعض هنا، على الأقل، على استعداد للتّغاضي عن استهزاء ترامب وأعضاء مجلس الأمن القومي، بالإسلام— طالما أنّ تصرفات الرئيس الجديد تخدم مصالحهم القومية الخاصة، وهم يحسبونها كذلك. الزعماء السياسيون الخليجيون أكثر براغماتية: “فهم يدركون بأنَّ معظم شعارات الإسلاموفوبيا ليست سوى خطابات انتخابية” كما قال أحد المحلّلين المقيمين في الخليج، والذي رفض الكشف عن اسمه نظراً للحساسيات السياسية تجاه الإدارة الأمريكية القادمة.
ومع ذلك، يتهامس بعض صانعي السياسات هنا، على هامش المداولات، حول مخاوفهم. فترامب ليس أوباما، غيرَ أنّ أحداً لا يعرف بالضبط أيّ نوعٍ من الرؤساء سيكون.
“قد تنجم المخاوف عن اندفاع ترامب” كما قال البدر الشاطري، الأستاذ في كلية الدفاع الوطني في أبو ظبي، الذي أضاف قائلاً إنَّ: “ترامب يحيط نفسه بالصقور، والأسوأ من ذلك، أنَّ بعضًا ممن سيصبحون مستشارين له، هم من المعادين للإسلام وللمسلمين. إنّ تعيينات كهذه بمثابة تعيين معادين للسامية في مناصب رفيعة في الحكومة”.
مع ذلك، وسواءَ توافقت السياسات أم اختلفت، فإنّ شيئاً واحداً يبدو واضحاً: من المرجّحِ أن يكون للزعماء الخليجيين علاقات شخصية مع ترامب أفضل بكثير من تلك التي كانت مع أوباما، إذ أنَّ فنّ الصفقات ما يزال حيّاً هنا. وكما قال المنّاعي: “نحن تجّار بطبيعتنا”، “لن يفهم الأوروبيون ذلك، لأنّ كل ما يفكّرون فيه يدور حول حقوق الإنسان وأنواع المساواة في الحكم والنفوذ الأخلاقي — بينما نحنُ عمليّون. سوف نأخذ ما يمكننا الحصول عليه”.