إلهام مانع
زوجي مسيحي الديانة.
وانا مسلمة.
هل أجبت على سؤالك أيها العزيز؟
ونحن معاً منذ ثلاثة وعشرين عاماً.
على الحلوه والمره.
في السراء والضراء.
وفي المرض.
هو بدينه وأنا بديني.
وابنتنا تربت على المحبة.
محبة الإنسان والخير فيه.
وديانتهُا شأنُها.
هل أجبت على سؤالك أيها النبيل؟
جاء سؤالك متوقعاً بعد مقال “اريد هذا الرجل”.
قلتَ في تعليقك:”لم توضح لنا الكاتبة شيئا عن توماس الذي اعجبت به لأول مرة. دينه. صفاته. هل هناك حب هكذا دون تبرير وتوضيح؟”
قرأت سؤالك وقلت لنفسي “سؤال وجيه، ردي عليه في مقال الجمعة”.
إذن دينه، مسيحي الديانة.
وصفاته، إنسان.
إنسان أثق فيه.
يحترمني واحترمه.
ونحن متوافقان.
فكريا وروحياً.
ولذا كان إختياري صائباً.
وانا ممتنة لذلك.
اشكر الرحمن على نعمته صباح مساء.
هل أجبتك على سؤالك أيها الكريم؟
وانا وهو اتخذنا قرار الزواج بعد ثلاثة أشهر.
قال لي “انا مستعد ان اغير ديني”.
قال لي ذلك ليس لأنه يريد أن يغير دينه، بل لأنه عاش في اليمن ويعرف عاداتنا وتقاليدنا.
قالها لأنها يحبني.
وقد غير دينه.
كي يتزوجني.
وأنا حينها صَّمت.
لم أطلب منه أن يغير دينه، لكنه عندما اقترح ذلك صَّمتُ.
وكان صمتي إيجاباً.
كان صمتي جباناً في الواقع.
كنت ادري أني بزواجي من سويسري سأخرق الكثير من القواعد المجتمعية اليمنية لدينا.
وتحديداً مجتمعنا الصنعاني المحافظ، لا يحب لبناته إلا أبناء بلده.
قلت لنفسي “زواجك من سويسري سيثير في كل الأحوال ضجة ولغط وكلام. على الأقل هذا الجانب سيهدأ من وقع الخبر”.
وكي أكون صادقة معك أكثر لم يكن لهذا الجانب اية اهمية لدى أبي.
عندما إتصلت به من واشنطن كي ابلغَه برغبتي في الزواج، ردَّ علي بجملة واحدة:”هل ستُكملين درجة الدكتوراه معه؟”
جَفلت من سؤاله.
الدراسات العليا كانت طموحي، وكنت أعرف أنني سأكمُلها في كل الأحوال، مع توماس أو بدونه.
هو قراري انا.
ليس قرار من سأتزوجه.
رددت عليه:”طبعاً”.
فجاءت إجابته هادئة بسيطة:”إذن دعيه يقابل أخيك”.
اخي كان يعيش في واشنطن ايضاً.
وقد قابله.
وتزوجنا فيما بعد في حفل حضره أبي وأمي معاً.
لم يسألني أبي عن دينه. لم يسألني هل سيغير من دينه.
ولو كان يهودي الديانة أو ملحداً ما أثار الموضوعُ قضيةً لديه.
كان سابقاً لزمانه.
يؤمن بالإنسان فينا.
و يعرف إبنته.
لم تكن لتختار عبثاً.
زواجُها قرارُها.
لكن توماس كان يعرف اليمن.
ولذا أسلم.
وقد ارتحت لذلك.
ارتياحُ الجبان.
ثم تراكمت علي السنوات، تعلمت فيها الكثير، وتعمقت فيها أيضا في ديني، وفي إيماني بضرورة إصلاح هذا الدين الكريم.
ومع الوقت أدركت أن ذلك القيد، الذي نضعه على المرأة المسلمة بعدم زواجها من غير المسلم يشبه كثيراً عاداتنا تلك في صنعاء، تلك التي تصر على الفتاة أن تتزوج من أبناء جلدتها، وتحديداً من أبناء عمومتها.
قاعدة دينية، اصلَّنا لها فقهيا، وهي في الواقع عادة وتقليد أ لبسناها رداء دينيا.
وأدركت أن تلك القيود تنتمي إلى منظومة فقهية يجب أن تتغير.
منظومة فقهية يجب أن تتغير لتحل محلها قوانين عائلية مدنية تحترم المرأة والرجل، تؤمن بالإنسان فيهما، وتتعامل معهما على قدم المساواة.
قوانين مدنية تسمح بالزواج المدني.
ذاك الذي نتزوج من خلاله بغض النظر عن دين او لا دين من نتزوج.
إنسان يتزوج من إنسانة.
والمَحك هو التوافق الفكري والروحي ممتزجاً بالاحترام.
كلُ بلدان المنطقة لاتسمح بالزواج المدني.
الإستثناء هو لبنان وإسرائيل، اللتان تسمحان بتسجيل الزواج المدني المعقود خارج حدودهما. خارج حدودهما.
وغياب القانون المدني حتى داخل لبنان وإسرائيل يظهر لنا أن هناك مشكلة لدينا ولديهما. .
لأن بلداننا ترفض التعامل معنا على أننا مواطنين ومواطنات.
بل أتباع ديانات.
بلداننا تقسمنا على حسب هوياتنا الدينية، لاتتعامل معنا على أننا متساويين ومتساويات امام القانون.
ليس فعلاً.
إذن ايها النبيل، انا مررت برحلة تحول فكرية، إنعكست علي وعلى طريقتي في التعبير.
كَففت عن النفاق.
عن قول ما لا أعَنيه.
وكَففت عن الكذب.
أقولُ الكلمة وأنا أعنيها.
كما هي.
كما أفكر فيها.
ولَعلها لذلك تصدم.
لأننا اعتدنا كثيراً على النفاق. أعتدنا على الكذب.
نخاف أن نقول ما نفكر فيه، فنقول غيره!
كففت، إذن أيها القاريء النبيل، عن الكذب.
ولأني أعرف أنه عندما أسلم، فعل ذلك لأنه يحبني، وأنه غَير دينه كي يتزوجني، أصبحت اقولها كما هي.
“زوجي مسيحي الديانة،
وأنا مسلمة الديانة،
و نحن متوافقان.
أين المشكلة؟”