حالات “زنا المحارم” تتسم بالحساسية البالغة- تعبيرية
على الرغم من التكتم الشديد الذي تفرضه المؤسسات الرسمية في كثير من الدول العربية على الملفات الخاصة بحالات “زنا المحارم” فإن ثمة وقائع تتكشف أحداثها، وتتسرب عنها معلومات عبر معنيين يشترطون في غالب الأحيان عدم ذكر أسمائهم.
أستاذ جامعي في بلد عربي، اعتدى جنسيا على ابنتيه، وحينما ضبط أمنيا، ورفع أمره للقضاء، اعترف بما وقع منه، وعند سؤاله عن سبب ممارساته الشاذة، أرجعها إلى إدمانه على مشاهدة المواد الإباحية، التي أفقدته السيطرة على نفسه فكان منه ما كان.
قصة أخرى يروي أحداثها لـ”عربي21″ المحامي المصري خالد أبو زيد، كما عرضت عليه، واقعة فتاة ارتبطت بعلاقة محرمة مع زوج أختها الكبرى، الذي كان يسكن معهم في البيت نفسه، وبعد فضه بكارتها في المرة الأولى، ومعاشرته إياها بعد ذلك طويلا، تزوجت برجل آخر وأنجبت منه، وبعد اكتشافه خيانتها له مع آخرين، طلقها وأخذ أولاده منها.
مصدر ثالث فضل عدم ذكره اسمه، روى حكاية امرأة متزوجة كانت تخون زوجها مع شاب في عمر أبنائها، ذهبا معا ذات مرة لعقد قرانهما عرفيا عند أحد المحامين، لكن المحامي حينما علم بقصتهما رفض القيام بذلك، والصادم في القصة أن الشاب تزوج من ابنة (عشيقته) وأنجب منها فيما بعد، مع بقاء علاقته المحرمة مع الأم (اللعوب).
التكتم على حالات “زنا المحارم”
حالات ووقائع “زنا المحارم” تتسم بالحساسية البالغة، ويتم التعامل معها في غالب الأحيان بتكتم شديد، سواء من الأهالي الذين تورط بعضهم في حالات كهذه، أم من الجهات والمؤسسات الرسمية المعنية بالأمر، وفقا للناشط الاجتماعي السعودي الدكتور خالد الحليبي.
وذكر الحليبي لـ”عربي21″ أنه من الصعب جدا الحصول على إحصائيات وأعداد لتلك الحالات، سواء في المجتمع السعودي أم في المجتمعات العربية الأخرى، لأن مجتمعاتنا بطبيعتها محافظة، وتحرص كثيرا على سمعة الأسرة وكرامتها، خاصة في ما يتعلق بمسائل العرض والشرف، ما يدفعها للملمة أي واقعة من ذلك النوع ومعالجتها بتكتم شديد.
وأوضح الحليبي أن الإدمان على المخدرات والخمور من الأسباب الرئيسة لوقوع ذلك اللون من جرائم الزنا، مشيرا إلى وقوع حالات من هذا النوع، وتحديدا زنا الأخ بأخته بسبب تعاطي المخدرات والخمور والإدمان عليها، لكن في غالب الأحوال يتم التستر عليها خوفا من تداعيات السمعة السيئة، وإلحاق العار بالعائلة.
وأشار الحليبي إلى أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (شرطة الآداب) في السعودية في حال رفعت إليها حالات من هذا النوع، فإنها تقوم بضبطها مع التحفظ عليها بشدة، وتتعامل معها بسرية تامة، وتعالجها مع الأهل بتكتم شديد.
وجوابا عن سؤال حول إمكانية رصد تلك الحالات من خلال تتبع قرارات المحاكم الشرعية، أجاب الحليمي بإمكانية رصد تلك الحالات ومعرفتها، من خلال الوقوف على بيانات التعزيز والأحكام الصادرة من المحاكم، لكنه للأسف لا توجد دراسات وأبحاث اتعتني بذلك لمعرفة حجم تلك الحالات وأعدادها في المجتمع السعودي.
من جهته، قال الناطق الإعلامي في وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية، الدكتور فواز الرطروط، إن حالات وقوع زنا المحارم بحسب الحالات المسجلة في الوزارة قليلة جدا جدا، وهي نادرة الوقوع، ووفقا لمتابعته خلال ما يقارب العشر سنوات، لم تزد نسبة تلك الحالات عن حالة واحدة سنويا.
وأوضح الرطروط لـ”عربي21″ أن الوزارة تقوم بتأمين الرعاية والأمن لتلك الحالات، وتخضع المتضررات لتأهيل نفسي واجتماعي، للتخفيف من الأضرار الواقعة على الضحايا نتيجة الممارسات المحرمة والشاذة.
وفي الوقت الذي يندر فيه وجود من يتحدث بصوت مرتفع عن تلك الحالات في مجتمع محافظ كالمجتمع السعودي (ومجتمعات أخرى)، فإننا نجد خبراء وباحثين أكاديميين مصريين يرصدون تلك الحالات ويتحدثون عنها بكل صراحة ووضوح، كما فعل الدكتور أحمد المجذوب، الخبير الاجتماعي في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في كتابه الأول من نوعه في العالم العربي “زنا المحارم.. الشيطان في بيتنا” الصادر سنة 2003.
وقال الدكتور المجذوب في تصريحات صحفية حديثة: “إن نسبة زنا المحارم (بين ما يقارب مائتي حالة قام بدراستها) وصلت إلى 25% بين الأخ وأخته، و12% بين الأب وابنته، و9% بين زوج الأم وابنة الزوجة، و6% بين الابن وزوجة الأب، و6% بين زوج الأخت وأخت الزوجة، و5% بين الابن وخالته أو عمته، و5% بين الأم والابن، و4% لكل من ابن الأخ والعمة والخال وابنة الأخت والأب وزوجة الابن، و3% بين العم وابنة الأخ”.
وأضاف المجذوب في تصريحاته أنه “كلما ابتعدت القرابة انخفضت نسبة جرائم زنا المحارم، فيما عدا زنا الأم والابن، والتي بطبيعتها قليلة ليست في مصر فقط، بل في كل الدول عدا اليابان، ونسبة اللاتي لم يسبق لهن الزواج من ضحايا زنا المحارم نسبتهن 5.47% تليهن المتزوجات ونسبتهن 26%، فالمطلقات ونسبتهن 18%، وأخيرا الأرامل وبلغت نسبتهن 5.8%”.
أسباب وتحذيرات
أرجع الدكتور المجذوب في كتابه أسباب زنا المحارم إلى عوامل “اجتماعية وثقافية واقتصادية ونفسية”، مؤكدا أن العوامل الاجتماعية تعد من أبرز تلك العوامل وأوضحها، وتأتي الأسرة في مقدمتها، من حيث التنشئة والحث على التمسك بالقيم والأخلاق، وعادة ما يكون تحريم العلاقات الجنسية بين المحارم في مقدمة الأمور التي تعلمها الأسرة لأبنائها.
بدوره، أكدّ الخبير والمحاضر الأردني في أمن المعلومات وقنوات التواصل الاجتماعي، رائد سمور، وجود حالات زنا المحارم في المجتمع الأردني وغيره من المجتمعات العربية، لكنه يندر وجود إحصائيات توثق تلك الحالات وتظهر حجمها الحقيقي.
وجوابا عن سؤال “عربي21” حول أهم أسباب وقوع زنا المحارم، قال سمور، إن “من أبرز تلك الأسباب إضافة لضعف الوازع الديني والأخلاقي، الأسباب الاجتماعية كالتفكك العائلي، وسوء التربية والتنشئة”، مستبعدا أي أسباب اقتصادية – على الأقل في المجتمع الأردني – تقف وراء تلك الحالات كصغر البيوت وكثرة أعداد الأسر، الأمر الذي قد يفضي مع كثرة الاحتكاك إلى وقوع ذلك.
وأضاف سمور أن “من الأسباب الهامة الانفتاح على وسائل التكنولوجيا الحديثة، خاصة بعد توافر خدمة الإنترنت على أجهزة الخلويات التي باتت متاحة بأيدي الجميع، كبارا وصغارا” وكذلك فإن الكبت الجنسي، وعدم الاهتمام بالثقافة الجنسية كمواد مقررة للتدريس في المناهج المدرسية، ومسارات علمية مدروسة، هي من عوامل وقوع حالات زنا المحارم وفقا لسمور.
أما عن محاصرة تلك الممارسات الشاذة والشريرة، كعلاج وقائي قبل وقوعها، فدعا سمور إلى إلغاء خدمة الإنترنت بالكلية عن الأجهزة الذكية لمن أعمارهم دون الـ(18)، لأنه لا يمكن بأي حال مراقبة الأبناء والبنات في هذه الأعمار خارج البيت، بعكس الاستخدام المنزلي للإنترنت الذي يمكن مراقبته وتقنينه من قبل الأهل.
وتابع سمور بأنه لا بد من فتح باب الثقة بين الأبناء والوالدين؛ فلا بد من تربية الأبناء على ضرورة التحدث مع الوالدين بكل ما يحدث لهم داخل المنزل وخارجه، كالتحرش الجنسي أو الإثارة الجنسية، محذرا من تعاطي الأهل السلبي في حالة وقوع تلك الحالات (انتهاك العرض والاعتداء الجنسي) وعدم اتخاذ الإجراء الرادع المناسب، لأن ذلك من شأنه تمادي الضحايا في طريق الشذوذ.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن مجلس الإفتاء والبحوث الإسلامية الأردني في قراره رقم (204) (14/2014م) الصادر عنه بتاريخ 11/9/2014 أجاب عن سؤال “ما حكم إجهاض الجنين المتكون من اغتصاب في حال زنا المحارم؟”، بما يأتي:
“بعد الدراسة ومداولة الرأي قرر المجلس ما يلي: جريمة الاغتصاب من أعظم الجرائم؛ لما فيها من عدوان على الكرامة الإنسانية، وإيذاء للنفس البشرية، حتى عدها كثير من العلماء من “الحرابة” التي تعد إفسادا في الأرض، وانتهاكا لأعراض الخلق…”.
وأضاف: “ولما كان الحمل الناتج عن هذه الجريمة سببا في تعظيم أذاها، وإثارة الفتنة والعداوة في المجتمع، رأى مجلس الإفتاء إرشاد الضحية إلى مراجعة دائرة الإفتاء للنظر في ملابسات القضية، والاطلاع على ظروف الحمل، وما يؤثر في الحكم الشرعي، لتنظر كل حالة على حدة، وتصدر الفتوى بخصوصها بما يحقق المصلحة، ويدرأ المفسدة، فالضرورات تقدر بقدرها..”.