منذ قصة امرأة العزيز مع سيدنا يوسف.
أحاول فهم أدب الأنثى. لا حصر لأرففه. كل سنة تدق له مئات المسامير فى المكتبات ومعارض الكتاب.
الجنس، الذات، الجسد، الأنوثة، ظلم الرجل. مزيد من الذات. مزيد من اللطم. وأرفف، ومساحات.
تسألها. فترفض تسميته أدبا نسوياً. تقول: الأدب لا جنس له. رغم أن كل ما فى أدبها، بدءاً من الغلاف، ملطخ بنسوية تظن أنها تحررت.
روائية أنفقت شبابها وشيخوختها بلا تقتير على الدوران فى فلك الذات.
أنثى لم تتحرر من أسيادها. سيدها الأول الجسد. دائرة لا تريد أن تخرج منها.
سيدة ترفض الخط المستقيم، فالخط المستقيم يعنى عدم الالتفات للوراء، عدم الرجوع يعنى التقدم، التغيير.. خط المستقيم المفتوح يدفعها إلى الأمام بلا نهاية.
أما الدائرة فرجوع وتراجع، والتفات للخلف دائما، والبقاء فى مكان واحد محاصر بخط الدائرة المنغلق على كل شىء.
تكتب عن كثير من الغدر. دائماً الرجل خائن. مخادع. مسكين الرجل.
هل تساوى جريمته أن تخذله الكاتبة وتفضحه عبر التاريخ؟
جريمته أنه استيقظ من نومه واكتشف أن الخيار كان خاطئا، أو استيقظ وشعر بملل شديد فقرر الرحيل.
لا تغفر المرأة بسهولة. غضبها يتحول لخلود. وذاكرتها تحطم أسطورة أى مارق بحياتها.
متى تحل القضية التاريخية؟ متى يلعبان بأوراق مكشوفة؟
فى بدايات التعارف تضمر أن النهاية القريبة جداً ستكون الزواج والإنجاب.
أما هو فيريد أن يحب. وكفى.
هل يكون الحب عند المرأة العربية مادة؟ التربية والثقافة دفعتاها لفهم أن الحب ليس سوى مؤسسة زوجية. مؤسسة تشترط موافقة الدولة قبل القبيلة والعائلة والمجتمع والعرف والدين…إلى آخر الشروط التى يتطلبها الحب. وحتى آخر الأطراف التى ينتظر أن تصادق على اتفاقية حب.
ولا مشكلة عند المرأة. ستبحث عنه حتى تجده.
لكن الويل لو رفضها.
منذ قصة زليخا امرأة العزيز حين ابتعد عنها سيدنا يوسف فألبسته تهمة نكراء.
كيدها يوازى كيد أرفع استخبارات، عضلاتها الضعيفة تخدم إرادتها فى جذب الاستجداء.
التاريخ يقول إن المرأة لا تغفر الرفض.
والكاتبة تدور بنفس مدارات بنات الحارة والقبيلة والقرية. مؤمنة بأنها تفوقت عليهن بحياة الكتابة وعالم المثقفين والحرية الذى اختارته، لكنها فى صميمها لم تخرج من الشرنقة، ولا تنوى الخروج.
طالما أنها لا تغفر. وتلخص علاقتها مع الكتابة بعلاقتها مع حبيب موجود أو غير موجود.
تنحدر نظرتها للكتابة فتنتظر الإلهام عند كل فجر، فقط لتنتقم من الرجل الذى وافقت على أنه الهدف وأنه الذئب.
طالما أنها لا تلتفت للسحب، للفضاء، للمجرات، للجغرافيا، للسياسة.. تترك شؤون الكتابة عن الكون للرجل، وتنطوى فى عزلة حياتية رتيبة تكتب عنه.
ستبقى فى فلك الأنثى الكلاسيكية.
ما أضيق أفق قلمها.
زليخا لم تمت. جيناتها لم تشفِ الغليل بعد. من كل حبيب غاب. من كل مار ظن أن بإمكانه الوقوف المؤقت.
ويل للمارقين.
زليخا لم تمت. فالكتابة تعنى الرجل.
فى معرض الكتاب القادم. هل ستشترون روايات نسوية أخرى؟