روسيا ودعم نظام الأسد.. علاقات تقودها مصالح الدب الأبيض
تصدير الجهاديين من سوريا إلى الداخل الروسي يثير مخاوف بوتين من تطوير قواعد وشبكات اتصال وأموال ومقاتلين يصلون إلى المناطق الجبلية في موسكو.
العرب ::عصام عساف [نُشر في 30/12/2013، العدد: 9424، ص(7)]
الكريملين يدعم النظام السوري ولكن ليس من أجل عيني الأسد
استمد نظام الأسد قوته من الدعم الروسي له في مواجهة انتقادات المجتمع الدولي، ونقض قراراته في مجلس الأمن عن طريق الفيتو الذي ترفعه روسيا حماية للنظام.
حرصت سوريا منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة الشعبية على اتهام جماعات وصفتها بالإرهابية ولم تستثن أي طرف، من الإخوان إلى القاعدة إلى الظلاميين والمأجورين وغير ذلك من الاتهامات، لكنها كانت تركز دائما على الإرهاب والقاعدة كعنوانين أساسيين وراء الأحداث في سوريا.
وتحاول الحكومة السورية أن تقول للعالم الغربي على وجه التحديد إن النظام الحالي، على علاته، هو الوحيد القادر على ضبط هذه الأمور وعدم السماح للإرهابيين باتخاذ البلاد منطلقا لأعمالهم. كما تحرص في كل مناسبة على التأكيد أن ما بعد النظام الحالي، ستأتي الفوضى والجماعات الإسلامية، على غرار ما جرى في تونس ومصر واليمن، سواء لجهة الحالات الإسلامية أو العنف والفوضى. ولكن ما لا تقوله سوريا في العلن، يدركه الغرب بالنتيجة، وهو الخوف والقلق في إسرائيل من نظام إسلامي في سوريا يفتح المجال أمام المنظمات “الإرهابية” للانطلاق من الحدود السورية باتجاه إسرائيل تحت عناوين مختلفة، في مقدمتها الجهاد.
ولعل روسيا تأتي في مقدمة الدول التي تقيم وزنا لأي تغيير محتمل في سوريا، لاعتبارات عدة، في مقدمتها الجماعات الإسلامية الموجودة في سوريا والأردن، ما قبل هذه الأحداث والتي عانت منها روسيا منذ انحلال الاتحاد السوفيتي وقيام الدولة الروسية، وما أعقبها من حرب في الشيشان للاستقلال، واستمرار المقاتلين بالقوقاز في إثارة الرعب والقلق في الداخل الروسي. وهؤلاء المقاتلون، يتخذون من الأردن وسوريا منطلقا للتخطيط وإعداد الحملات الجهادية والدعم المادي وإرسال مزيد من المقاتلين إلى المناطق الروسية.
المسلمون في روسيا
وإذا كان الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف ورث هذا الواقع عن سلفه، فإن السلف، أي فلاديمير بوتين الذي اكتوى بنار مواجهة الإسلاميين وتحمل كل أعباء الحرب في القوقاز والشيشان، يعود مرة أخرى ويواجه الحال السورية ويأخذ في عين الاعتبار ما قد يحدث في سوريا إذا هوى النظام.
وهذا ما يؤكد على الواقع الروسي في التعامل مع الحالات الإسلامية وفق المعطيات الرقمية التالية:
فالمسلمون ينتشرون على التخوم الجنوبية للدولة الروسية، وتحديدا في أذربيجان، كازاخستان، قيرغستان، طاجاكستان، تركمنستان وأوزبكستان. كما أن عدد المسلمين سيرتفع بنسبة 4،26 بالمئة من مجموع سكان العالم بحدود عام 2030. ومع ارتفاع عدد المسلمين في الدول الغربية، فإن باكستان ستتفوق على إندونيسيا وتصبح البلد الأكثر سكانا من المسلمين في العالم.
وتضم روسيا نفسها أكبر جالية مسلمة في أوروبا، حيث يعيش فيها ما يقرب من 19 مليون مسلم. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة من 7،11 في عام 2010 إلى 4،14 في عام 2030.
ومن المتوقع أن يكون معدل النمو للسكان المسلمين 6،0% سنويا على مدى العقدين المقبلين. وعلى النقيض من ذلك، فإن عدد السكان غير المسلمين سيتقلص بنسبة 6،0 % سنويا خلال نفس الفترة الزمنية الممتدة على العشرين سنة المقبلة.
وفي الإحصائيات الروسية يتناقض عدد السكان الروس بنسبة 000،700 شخص سنويا. ومرد ذلك الحياة القصيرة للروس مقارنة بالدول الغربية، وانخفاض عدد المواليد من أصل روسي. لكن المسلمين في روسيا يسجلون نسبا مختلفة، فمعدل الخصوبة لدى التتار الذين يعيشون في موسكو، على سبيل المثال، هو ستة أطفال للمرأة الواحدة، في حين تبلغ النسبة في مجتمعات الشيشان وانغوشيا عشرة أطفال لكل امرأة.
واعتبارا من عام 1989، حتى عام 2015، يتوقع أن يزداد عدد سكان روسيا المسلمين بنسبة 40% بحيث يصل إلى نحو 25 مليون نسمة. وسوف يشكل المجندون المسلمون أغلبية الجيش الروسي بحلول عام 2020 من أصل خمس السكان. وإذا لم يحدث أي تغيير، فإنه في حدود ثلاثين سنة من الآن، سيفوق عدد السكان المنحدرين من أصول مسلمة بالتأكيد السكان من أصول روسية.
لعل روسيا تأتي في مقدمة الدول التي تقيم وزنا لأي تغيير محتمل في سوريا، لاعتبارات عدة، في مقدمتها الجماعات الإسلامية الموجودة في سوريا والأردن
إن خطر تحول الروس إلى أقلية في بلادهم غير وارد بالنظر إلى أن روسيا تاريخيا هي موطن الكنيسة الأرثوذوكسية، فتبعا لإحصاء المركز العام لبحوث الرأي الروسي، فإن الإسلام هو الدين الثاني في روسيا، وتشكل الأقلية المسلمة 14% من عدد السكان الروس، وهم يشكلون قوميات في شمال القوقاز ويقيمون بين البحر الأسود وبحر قزوين، وهي مجموعات: الاديغة، البلكار والشيشان والشركس وانغوشيا وقبر دينو وكراشاي، وعدد كبير من الشعوب الداغستانية. والسكان التتار والبشكيريون يقيمون في وسط حوض الفولغا، وغالبيتهم من المسلمين.
ويعتبر الإسلام أحد الأديان التقليدية في روسيا، ويشكل جزءا من التراث التاريخي الروسي، حتى أن قازان لديها أكبر مجموعة سكانية من المسلمين، وهي الثانية بعد موسكو التي يقطن المسلمون ضواحيها.
وقد وصل الإسلام إلى القوقاز في أواخر العصور الوسطى، ونمى بشكل معتدل وفق مفهوم الصوفية التي تأقلمت مع العادات المحلية، لكنه بقي يعمل تحت الأرض خلال الحقبة السوفيتية، شأنه شأن باقي الأديان.
ففي داغستان مثلا، دفن المؤمنون المصاحف في الغابات وعانوا بصمت بعد تدمير مساجدهم. وعندما عادت الأديان إلى الظهور مرة أخرى في روسيا بعدما هوى الاتحاد السوفيتي عام 1980، عادت السلفية تغزو روسيا قادمة من أفغانستان، ومستفيدة من دمج الشيوعية بالديمقراطية مما شكل لها أرضية خصبة للتوسع والانتشار والانبعاث من جديد. ومنذ نهاية الحقبة السوفيتية فإن الأقليات حققت تقدما، بينما شعر السكان العاديون بخيبة أمل من انعدام فرص العمل ومن استبداد الحكومات المركزية وتفشي الفساد وتجاوز القوانين وتزايد التوترات العرقية.
مقاتلي الشيشان
وكما هو معروف فإن مقاتلي الشيشان شكلوا تحديا حقيقيا للقيادة الروسية، أما الآن، فإن الإسلاميين المستقلين من جمهوريات القوقاز تحولوا إلى العنف والتعبير عن استيائهم من الممارسات المركزية ضدهم. وفي التسجيل الذي وزعه القائد الشيشاني دوكو عمروف في مارس/آذار من العام الماضي، عبر موقع إليكتروني، وهو شيشاني المولد، خير دليل على الجمر تحت الرماد.
فقد دعا عمروف جميع المسلمين في أرجاء روسيا إلى الجهاد ضد الدولة، ودعا من أسماهم بـ”الأخوة” في تونس ومصر ودول أخرى إلى إنشاء ما سماه “ثورة جديدة ورفع كلمة الإسلام وتثبيت قانون الله على هذه الأرض”، كما دعا العالم العربي إلى انتهاج الإسلام المتطرف.
ويلقب عمروف نفسه بأمير القوقاز ويقيم في قمم الجبال والغابات في شمال القوقاز، ويعتبره فلاديمير بوتين أخطر الإرهابيين و كثيرا ما كان يشير إليه في خطبه ويؤكد على ملاحقته للقضاء عليه.
في السنة الماضية، تم انتخاب المفتي فايزوف قائدا عاما لمسلمي تتارستان، وبدأ الإدلاء ببيانات ومواقف أعقبها وصول أعداد كبيرة من رجال الدين الأجانب إلى تتارستان لتقديم العون والدعم للجماعات الإسلامية المتطرفة في هذه المنطقة.
وانتهج المفتي يعقوبوف نفس نهج فايزوف في معالجة الحادث الذي وقع في تتارستان مما يشير إلى مدى انتشار الإسلام الراديكالي خارج مناطق القوقاز الجنوبية.
دعم بوتين للأسد هو نتيجة الخوف من المتطرفين في سوريا، أو من أن تسمح لهم الفوضى بتطوير قواعد وشبكات اتصال وأموال ومقاتلين يصلون إلى المناطق الجبلية في روسيا
وتخوض روسيا حاليا حربا غير معلنة مع الإسلاميين المتطرفين، وكثيرون من الروس يربطون بين الإسلام والمتطرفين من الشيشان الذين نفذوا عشرات التفجيرات والهجمات ضد مدنيين ومواقع روسية عسكرية.
صحيح أن الغرب يآخذ روسيا على وقوفها إلى جانب سوريا ويضع اللوم عليها في حماية الأسد، لكن دعم بوتين للرئيس السوري هو نتيجة الخوف من انتصار المتطرفين الدينيين في سوريا، أو من أن تسمح لهم الفوضى بتطوير قواعد وشبكات اتصال وأموال ومقاتلين يصلون إلى المناطق الجبلية في روسيا نفسها بهدف دعم الحال السنية التي تجتاح الشرق الأوسط وتهدد روسيا عبر القوقاز وآسيا الوسطى.
المجتمع الشركسي
في المقابل، هناك كثير من المسلمين الروس موجودون في سوريا. فحجم المجتمع الشركسي في سوريا يتراوح بين 55 ومئة ألف، خمسة آلاف منهم من الشيشانيين وسبعمائة من أصول أوسيتية.
ويدرك الروس أن بشار الأسد يقيم علاقة جيدة مع الأقلية الشركسية في سوريا، فإذا سقط النظام أو بات غير قادر على حماية الشركس، فإن هؤلاء سيتجهون نحو الداعم الرئيسي للأسد وهو روسيا للحصول على مساعدة، فإذا لم تهب روسيا لمساعدتهم فإن ذلك سوف يتسبب في ردة فعل احتجاجية هائلة في صفوف الشركس ضد روسيا.
وهذه الأوضاع بالغة الحساسية والدقة بالنسبة إلى الروس الذين يخشون من مواجهة حرب شيشانية أخرى، لكن هذه المرة في شمال القوقاز. ويشير المحللون الروس إلى أن انتقال شركس سوريا إلى القوقاز، بعد سقوط النظام، سيرفع من نسبة تأثير الشراكسة على المناطق المجاورة لمدينة “سوتشي” التي ستستضيف الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014، فضلا عن رفع معنويات المقاتلين في المحيط الإسلامي في المناطق الروسية على وجه العموم. ومن هنا، فإن ما تعانيه روسيا في الداخل، تأخذه بعين الاعتبار في بناء سياستها من الموضوع السوري وليس لأجل عيني الأسد