ليس خافيًا على العالم أن روسيا اختارت منذ انطلاقة الثورة السورية في 2011، الوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد، ومع مرور الوقت واستمرار النظام في عمليات قتل السوريين وتهجيرهم وتدمير قدراتهم وبلدهم، تابعت روسيا دعم نظام الأسد بالمعدات والأسلحة والذخائر والمساعدات المختلفة، إضافة إلى حمايته من العقوبات الدولية في مجلس الأمن وفي المؤسسات الدولية الأخرى، وكانت المبررات الأساسية، أنها ترفض التدخلات الدولية في الشأن السوري، التي تؤدي إلى تغيير النظام الذي هو حق للشعب السوري، وأنها ترفض إسقاط الدولة السورية ومؤسساتها. لكنها وفي الواقع، برهنت أنها أبعد ما تكون عن الالتزام بتلك المبررات، التي تم اختراقها منذ البداية من قبل نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والميليشيات الشيعية، خصوصًا حزب الله اللبناني، قبل أن تنضم إليهم روسيا في إطار التدخل الأجنبي المشارك في قتل السوريين، وتدمير سوريا مجتمعًا ودولة ومؤسسات، في ظل هدف واحد خلاصته حماية الأسد ونظامه في مواجهة ثورة السوريين، ووصف السوريين المعارضين للنظام بـ«الإرهابيين» و«المتطرفين» والتعامل معهم على هذا الأساس.
ولم يقتصر موقف الروس على دعم الأسد ونظامه، بل اشتغلوا على خط المعارضة، ليس فقط في محاولة تطويعها وتدجينها للتقارب مع النظام، إنما أيضًا من خلال تبني «المعارضة» القريبة من النظام بما فيها أحزاب رخصها النظام، وتعمل تحت مظلته ووفق توجيهات أجهزته الأمنية، وذهبوا إلى الأبعد في خلق معارضة، تأتمر بأوامرهم، وتقيم في موسكو مثل جبهة التغيير والتحرير، وعملوا على جمع شتات من معارضي الخارج في تنظيمات، شاركت في اجتماعات موسكو أو لقاءات أستانة بجمهورية كازاخستان.
إن الخطوة الأكبر في ارتكابات روسيا في الموضوع السوري، كانت تدخلها العسكري الذي باشرته أواخر الشهر الماضي، تحت شعار الحرب على «داعش»، وقامت تحت الشعار بإرسال قوات جوية وبحرية وبرية وخبراء وأسلحة إلى سوريا، لتستقر في قواعد مغلقة على وجودها، وركزت طائراتها على قصف مدن وقرى مناطق المعارضة، وأماكن انتشار تشكيلات المعارضة المسلحة «المعتدلة» التي حاربت «داعش» في العامين الماضيين، وامتدت خريطة عمليات الطائرات الروسية من حمص في الوسط إلى حلب في الشمال مرورًا بحماة وإدلب، قبل أن يشمل القصف ريف دمشق ومناطق من درعا والقنيطرة، وكلها خارج وجود «داعش»، التي لم تستهدف الطائرات الروسية معاقلها إلا بنحو عشرة في المائة من عملياتها، التي تجاوزت الألف عملية في الشهر الأول من التدخل الروسي.
آخر الارتكابات الروسية في سوريا، سعي موسكو لإدخال إيران في عملية الحل السياسي، التي أطلقتها اجتماعات «فيينا1» الرباعية مؤخرًا، التي ضمت روسيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية، وقد تدخلت موسكو خاصة لدى واشنطن للموافقة على حضور إيران ودول أخرى في «فيينا2»، بدعوى أن حضورها ضروري للتوصل إلى الحل في سوريا. رغم أن إيران هي طرف مباشر في الصراع السوري إلى جانب نظام الأسد، ترى رأيه في الحل العسكري الأمني، وترفض الحل السياسي للقضية السورية، ولم يسبق أن وافقت على بيان جنيف لعام 2012 الذي يشكل أساس التوافق الدولي الوحيد على الحل، والقاعدة التي انعقد على أساسها «جنيف2» عام 2014، الأمر الذي يعني أن إيران أبعد الأطراف الإقليمية عن المشاركة في الوصول إلى حل للقضية السورية، وقد قدمت لحضورها اجتماع «فيينا2» بالإعلان أن رحيل الأسد خط أحمر في الحل السوري بخلاف الإجماع الدولي القائم على أن رحيله أمر ممكن كما يرى الروس، أو هو مطلوب كما ترى الأكثرية الدولية بعد كل ما ارتكبه من جرائم، تعدت آثارها سوريا، وتجاوزت السوريين إلى المحيط الإقليمي والأبعد منه في المحيط الدولي.
خلاصة القول، في الموقف الروسي حيال القضية السورية، إن ارتكابات موسكو كثيرة ومتواصلة، وإنها أضرت بالسوريين وسوريا نتيجة وقوف موسكو إلى جانب نظام الأسد. غير أنه، ورغم كل الارتكابات، لا يمكن تجاهل التأثير الروسي على القضية السورية ودور موسكو في الحل الذي يمكن أن يحصل في سوريا، دون أن يعني ذلك الاستسلام للموقف الروسي من جانب السوريين والمجتمع الدولي على السواء.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”