رسالة من مسلم الى مسيحي يدعوه بها الى الاسلام (الجزء الاول)
رسالة من مسلم الى مسيحي يدعوه بها الى الاسلام 2
رسالة من مسلم الى مسيحي يدعوه بها الى الاسلام ـــ ج2
عضيد جواد الخميسي
أعطنا أدنى حجة أو أعجوبة من صاحبك فعلها أو يقرّ له كتابه بصحّتها حتى نصدِّق نبوته ونقرّ
برسالته ونقبل دعوته، ونعلم أن ما فعله من قتل الناس وأخذ أموالهم وإخراجهم من ديارهم كان عن أمر الله عزّ وجل، كفعل أولياء الله؟ ولكنا نعلم حقيقة أنه لا جواب عندك في هذا وأنك لا تقدر أن تأتي بشيء مما سُئِلْتَ عنه فلا ينبغي لك اصلحك الله أن تظلم وتذمم من رد عليك قولك وأنكر دعواك قائلاً: أن الله لم يبعث صاحبك رسولاً ولا نبياً ولا أمره بمحاربة أحد ولا موادعته. وإنما هو رجل ادعى لنفسه ما ادعاه، فأعانه على ذلك قوم من عشيرته وأهل بيته .
فليس على من جحد هذا ورده لومٌ ولا عيبٌ ولا ذنبٌ، بل إن أنصفت عذرته، وأحمدتَ رأيه، وارتضيتَ بصحة عزيمته، وقلت بجودة فكره، لاحادته عن القول المتهافت المتناقض، الشاهد على نفسه ببطلانه. وأنت تعلم علَّمك الله كل خير، أن العقل والنصفة يوجبان ذلك، اللهم إلا أن تستعمل المباهتة التي ليست من مذهبك ولا من أخلاقك، بل هي سلاح العُمَّه اليهود والكفار والجهال، فإن الكذب والبُهْت والمكابرة أصل قولهم، ومتن كلامهم، وعقد أمرهم. لأنهم يشبهون الشيطان أباهم الكاذب، المخترع الكذب والبهتان، كما شهد الرب يسوع المسيح عليه في إنجيله المقدس الطاهر. فإِلامَ أرجع اصلحك الله من أمرك، وكيف أقول، وبما أحتج لك عند عقلي، وهل ترى أن أقبل قولك من غير حجة ولا برهان ولا دليل مقنع، أترى ذلك صواباً؟ وما أظنك يرحمك الله ترى لي ذلك. كيف وسيدي المسيح قد قال في محكم إنجيله المقدس: “إن جميع الأنبياء إنما تنبأت إلى وقت مجيئي، وعند ظهوري زالت النبوات بأجمعها، فلا نبيَّ بعدي. فَمَنْ جاء بعدي مدعياً نبوَّة، فهو لصٌ خاطفٌ لا تقبلوه”. فَشِرْ عليَّ يا خليلي هل ترى لي أن اعدل عن وصية ربي المسيح مخلص العالم، وأقبل غرورك وخدعك وأمانيك وتشويقاتك بالدنيويات الزائلة بغير دليل ولا حجة. فما أظن مثلك من أهل التمييز والعقل أشارَ بمثل هذا الخطأ العظيم، ولا مثلي قَبِلَهُ وأصغى إليه. فأرجع إلى عقلك يرحمك الله وأنصفه، واستعمل القانون الحق، ودع التحامل للقرابة والعصبية للنسب المضمحل، فإني لك ناصحٌ، وعليك مشفقٌ، واذكر ما قرأته في الإنجيل الطاهر حيث يقول السيد المسيح لحواريه: “إن كثيرين من الأنبياء والملوك اشتهوا أن ينظروا من أنتم تنظرون ولم ينظروا، واشتاقوا إلى أن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا” (لوقا 10 – 24) .
فهل ينبغي لك وأنت قرأت مثل هذا أن تميل عنه إلى غيره من أمور الدنيا، مع معرفة سرعة زوالها وفنائها. وبعد هذا كله فكان ينبغي لك أن تعلم أننا إنما صدقنا الأنبياء، وقبلنا أقوالهم عندما جاءونا بشروط النبوة ودلائل الرسالة وأعلام الوحي، لا بالغلبة والقهر، ولا بالحمية والعصبية، ولا بالشرف في الحسب والنسب، ولا بكثرة العشيرة وصولة المنعة ووفور المال، ولا بتسهيل السنن والشرائع، ولا بإعطاء الجسد شهواته، ولا لأجل الفرق من السلطان والخوف من السيف والسوط، بل بالآيات العجيبة التي لا يقدر الآدميون، ولا يتهيأ في حيلهم أن يأتوا بمثلها. فهي دلائل واضحة إلهية، مثل آيات الأنبياء وعجائب ربنا المسيح وأفعال تلاميذه الحواريين، التي كانت تضل عندها عقول الفلاسفة وحكمة الحكماء. فقبلنا أقاويل هؤلاء، وجميع ما جاءونا به، وصدقناهم وأقررنا لهم به، وأنه حق منزل من عند الله عز وجل، لكون مثل هذه الشهادات الصادقة معهم وبرآتها في أيدينا وعندنا آثارهم قائمة وأعلامهم نيرة، لا يجحد ذلك أحد ولا يمكن غيرهم أن يدعيه ولا ينكره إلا من عاند الحق واستعمل المباهتة وسوء التمييز. وقد اقتضانا اصلحك الله هذا الفصل من كتابنا هذا أن نناظرك فيه بعض المناظرة في ما أتاك به .
[الشرائع والأحكام ]
ثم دعني أناقشك في ما جاء به صاحبك من الشرائع والأحكام، فنقول إنَّ الشرائع والأحكام لن تخرج عن ثلاثة أوجه، وذلك إما أن يكون الحكم حكماً إلهياً وهو حكم التفضُّل الذي هو فوق العقل والطبيعة ويليق باللـه جلَّ اسمه لا بغيره، ولا يشبه سواه. وإما أن يكون حكماً طبيعياً قائماً في العقل مولوداً في الفكر يقبله التمييز ولا ينكره، وهو حكم العدل. وإما أن يكون حكماً شيطانياً، أعني حكم الجور، وهو ضدّ الحكم الإلهي وخلاف الحكم الطبيعي. فأمَّا الحكم الإلهي الذي هو فوق الطبيعة، فهو التفضُّل الذي جاء به المسيح مخلص العالم سيد البشر الذي شهد له صاحبك إذ يقول: “وقفيَّنا على آثارهم بعيسى بن مريم مُصَدِّقاً لمِا بين يديه من التوراة، وآتيناه الإنجيلَ فيه هُدى ونورٌ، ومصدِّقاً لما بين يديه من التوراة وهُدىً وموعظةً للمتَّقين” (مائدة 50). وذلك أن المسيح قال في إنجيله الطاهر: “غالبوا الشرَّ بالخير، واحسنوا إلى من أساء إليكم، وتفضلوا على الناس جميعاً، وباركوا على من لعنكم، وادعوا لمن أذنب إليكم، وآتوا الجميل والمعروف إلى من شتمكم. لتشبهوا في ذلك فعل أبيكم الذي في السماء، فأنه يجود بوابله على الأبرار والفجار، ويشرق شمسه على الأخيار والأشرار” (متى 5). فهذا هو الحكم الإلهي، وشرائِعُه فوق الطبيعة وأعلى من العقل الإنساني، وهو حكم التفضيل والرحمة والعفو والتشبيه بفعل الله الرؤوف الرحيم .
والنحو الثاني هو الحكم الطبيعي والشريعة القائمة في العقل الجاري مع الغريزة، وهو ما جاء به موسى النبي بقوله في حكمه ما معناه ” العين بالعين والسـن بالسـن والنفس بالنفس والضربة بالضربة والجراح قصاص”. فهذا حكم الطبيعة الداخل في قانون العقل، وهو حكم العدل والنصفة (الإنصاف): أن تأتي الناس بمثل ما أتوا به إليك وتفعل بهم كما فعلوا بك، إنْ خيراً وإنْ شراً. وليس ذلك مضاهياً للحكم الإلهي .
والنحو الثالث هو الحكم الشيطاني الذي هو الجور والشر بعينه
أي هذه الأحكام الثلاثة التي ذكرناها وأي شريعة جاءَ بها صاحبك. فإن قلت أنه جاء بالأحكام الإلهية، قلنا لك قد سبقه المسيح سيدنا إليها بستمائة سنة، وبها يعمل أصحابه وتابعوه منذ ارتفاعه ممجداً إلى السماء إلى هذه الغاية وإلى أن تنقضي الدنيا، ولم نَرَ أحداً من أصحابك علم شيئاً منها ولا كانت تستعمل في عهد صاحبك. إن قلت، وما أظنك قائلاً، أنه جاء بالأحكام الطبيعية وشرائع العقل وسنن العدل، قلنا قد سبقه إلى ذلك موسى النبي وأوقَفَنا عليه وشَرَحه لنا شرحاً بيناً عن الله في التوراة، وليس لأحد أن يدعيه لأنه ناطق قائم له وحده مشاهد في كتابه. اللهم إلاَّ أن يكون المدعي لذلك مكابراً للعيان، ظالماً متعدياً بهاتا، يأتي إلى ما هو كضوء الشمس حق قائم في أيدي أهله، وهو لهم وعندهم وفيهم، فيروم أن يطمسه ويحاول بمباهتتِه ادعاءَه لنفسه. فهذان حكمان قد عرفنا أصحابهما وأقررنا لهم بهما، فقد بقي الحكم الثالث الذي هو حكم الشيطان وشريعة الجور. فأنظر اصلحك الله نظراً شافياً برؤية صحيحة، وفكر لا يشوبه الميل والزيغ من القائم بهذا الحكم الناصر له المتمسك بشرائعه العامل به. وإلاَّ فأعلمنا أي حكم جاء به صاحبك، وأي شريعة أتى بها غير الحكم الثالث الذي شرحناه لك لنقبله منك إن أوجب قبولاً، وننقاد لك فيه فإننا لا نعاند الحق ولا نرده من حيث أتى .
فهل تقول انه جاء بالحكمين معاً (يعني حكم المسـيح وحكم موسى) وشرحهما في كتابه قائلاً: “النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن .. الخ” كما قال موسى ثم أتْبعه بقول المسيح وإن غفرتم فإنه “أقرب للتقوى” (مائدة 8). فأنت تعلم أن هذا كلام متناقض، كقول القائل: قائم قاعد، وأعمى بصير، وصحيح سقيم في حال واحدة !
فما أظنك تستجير إطلاق هذا الكلام على هذا من الإطلاق لأنه محال من القول، ثم لا ينكتم أيضاً ولا يختفي على متدبره ومتعقبه أنه كلام سرق من موضعين مختلفين، أعني التوراة والإنجيل. وإن أقررت كل واحد من هذين الحكمين وادَّعيته، فلا يدعك أصحابهما، لأنهم ورثوه فصار في أيديهم حقاً مسلماً لهم، ويقولون لك إنك متعدٍّ ظالم تروم أخذ إرثنا من أيدينا، مع إقراركَ أنتَ أنَّه لنا. فإن حاولت أخْذه فأنت غاصبٌ لا حقَّ لك، بل آتِنا أنت بما في يدك وعندك مما ليس في أيدينا ولا عندنا، لنعلم أنك صادق في ادعائك. ولا أظنك ترضى لصاحبك أن يكون تابعاً للمسيح وموسى، وأنت تزعم فيه وتدَّعي من الحظوة والقدر والمنزلة عند رب العالمين، وتجترئ على الله وتقول: لولا صاحبك ما خُلق آدم ولا كانت الدنيا!
ولقد جئت يا هذا اصلحك الله بأمر ذي بهت، ادعيتَ له في الآيات ما ادعيت بقولك لولا أن يكذبوا بها كما كذب الأولون، ولم تَدَّعِ له ذلك في الشرائع وأنه ما كان عليه أن يأتي بها فيُزَيّنَ بها بعض أمره. أو ليس ذلك لأنه لم تكن شريعة رابعة بقيت. فلما لم يبقَ إلا الشريعة الثالثة، وكان موسى والمسيح قد سبقاه إلى الشريعتين جاء هو بالشريعة الثالثة. فلا أدري بأي قوليك آخذ ولا عن أيهما أجيب؟. فأصدق نفسك يرحمك الله ولا تغشها، لأن ذلك حرام عليك، وليس الدين من الأمور التي يجوز أن يتوانى ذو اللب والعقل عن الفحص والبحث عنها ويتغافل عن التفتيش عنه والوقوف على أصوله وأسبابه وفقك الله إلى الحق وجنَّبك الباطل بحوله وقوته .
( يتبع الجزء الرابع)