رسالة من مسلم الى مسيحي يدعوه بها الى الاسلام (الجزء الاول)
عضيد جواد الخميسي
فأجـابه النصـراني
بسْم الله الرَّحمن الرَّحيم
رَبِّ يَسِّرْ ولا تُعَسِّرْ. رَبِّ تمِّمْ بالخير .
إلىعبد اللَّـه بن إسماعيل الهاشميّ ، منعبد المسيح بن اسحق الكنديّ أصغر عبيد المسيح.
سلامةٌ ورحمةٌ ورأفةٌ وتحياتٌ تحلُّ عليك خاصَّة، وعلى جميع أهل العالم عامَّة بجوده وكرمه آمين.
أما بعد، فقد قرأتُ رسالتك وحمدّتُ الله على ما وُهب لي من رأي سيدي أمير المؤمنين، ودعوت الله الذي لا يخيّبُ داعيه، إذا دعاه بنيَّةٍ صادقةٍ، وأن يطيل بقاءَ سيدنا أمير المؤمنين في أسبغِ النعم، وأدوم الكرامة، وأشمل العافية بمنّه رحمته. وشكرتُ، أكرمك الله، ما ظهر لي من فضلَك، وما كشفتَه من لطيفِ محبتك، وما خصصتَني به من المودة، فقد كان العهد قبلاً عندي على هذا قديماً، وقد زاده تأكيداً ما تبيَّن لي من شفقتك مستأنفاً. وشكري يُقَصِّرُ عمَّا فعلتَه، ولم تَتَعدَّ ما يشبه كرم طباعك وشرف سلفك. وأنا أرغب إلى اللـه، جلَّ اسمه، الذي بيده الخير كله أن يتولى مكافأتك عني بما هو واسع له. إذ لم تأت بما أتيت به إلاّ على الإخلاص من المودَّة، وكان الذي حملك على ذلك فرط المحبة والإلفة. وفهمتُ، أفهمك الله كلَّ خير، وهداك إلى سبيل الرشاد، ما اقتصصتَهُ في كتابك وتعمَّقتَ فيه من الدعوة وشرَحته من أمر ديانتك هذه التي أنت عليها، وما دعوتني إلى الدخول إليه ورغَّبتني فيه منها. وقد علمتُ، أصلحك الله، علماً حقيقياً، أن الذي دعاك إلى ذلك ما يوجبه لنا تفضُّلك من حق حرمتنا بك لما يظهر من رأي سيدنا وسيدك وابن عمك أمير المؤمنين فينا، فهذا ما لا قوة لنا على شكرك عليه، ولا عون لنا على ذلك إلاَّ الله تبارك وتعالى، فإننا نستعينه ونسأله مبتهلين طالبين إليه أن يشكرك عنا، فإنَّه أهلٌ لذلك والقادر عليه .
فأما ما دعوتني إليه من أمرِ دينك الذي تنتحله، ومقالتك التي تعتقدها وهي الحنيفية، وأنك على ملَّة أبينا إبراهيم، وما قلتَ فيه انه كان حنيفاً مسلماً، فنحن نسأل المسيح سيدنا مخلِّص العالمين، الذين وعدنا الوعد الصادق وضمن لنا الضمان الصحيح في إنجيله المقدس، فأنا واثق بما وعدني به سيدي المسيح في إنجيله المقدس من إنجازه وعده لي، وادخلُ معكَ المعركة مستغيثاً بالله، متكلاً عليه، إذ كنتُ أنا العاجز عن كل شيء لا أتأخَّر عن دعوته المنيرة وعن دينه الأفضل، وافتتح كلامي بما يُلَقِّنني به من صـلاح القول، ويلهمني من وثيق الحجة ،كعادته عند أوليائِه، وأرجو منه الظفر .
وأقول مجيباً لك: قد علمتُ أنك قرأتَ كتب الله المنزلة، ونظرتَ في ديوان أسراره المقدسة، التي هي الكتب العتيقة والحديثة. ومكتوب في التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى النبي، وناجاه بجميع ما فيها، وخبَّره أسراره في السفر الأول من أسفارها الخمسة، وهو المعروف بسفر الخليقة (التكوين)، أنَّ إبراهيم كان نازلاً مع آبائِه بحرَّان، وأنها كانت مسكناً له، وأن الله تجلَّى له بعد تسعين سنة، فآمن به وحُسبَ له ذلك براً. ولكنه كان قبل ذلك التجلَّي يعبد الصنم المسمى العُزْى، وهو المعروف بحرَّان، المتَّخذ على اسم القمر، لأن أهل حرَّان كانوا يعبدون هذا الصنم، فكان إبراهيم يعبد الصنم حنيفاً مع آبائِه وأجدادِه وأهل بلده، كما أقررتَ أنت أيها الحنيف وشهدتَ بذلك عليه، إلى أن تجلَّى الله عليه “فآمن بالرب فحُسب له ذلك برَّاً ” (تكوين 15). فترك الحنيفية التي هي عبادة الأصنام، وصار مُوَحِّداً مؤمناً، لأنَّنا نجد الحنيفية في كتب الله المنزلة اسماً لعبادة الأصنام، فورَّث إبراهيم ذلك التوحيد إسحق، الذي هو ابن الموعد، وهو الذي قرَّ به لله ففداه اللـه بالكبش، لأنه هكذا أمره اللـه: “وقال أعْمِدْ إلى أبنك ووحيدك الذي تُحِبُّه، وهو اسحق، فأمْضِ به حتى تُقَرِّبَه لي قرباناً في الموضع الذي أُريكَهُ ” (تك 22: 2). ومن نسل اسحق من سارة الحرة خرج المسيح مخلِّص العالم. فلهذه الأسباب وغيرها ورَّثه إبراهيم أبوه التوحيد، ثم ورَّثه اسحق يعقوب ابنه الذي سماه الله إسرائيل، ثم ورَّثه يعقوبُ الاثني عشر سبطاً. فلم يزل ذلك التراث في بني إسرائيل حتى دخلوا أرض مصر أيام الفراعنة بسبب يوسف، ثم لم يَزَلْ ذلك التراث ينقص ويضعف قرناً بعد قرن حتى اضمحلَّ، كاضمحلاله الذي كان في عصر نوح، إذ كان التوحيد أوَّل من عرفه أبونا آدم، ثم ورَّثَهُ شيت، ثم شيث ورَّثَه أنوشَ ابنه، فكان انوش أوَّلَ من أعلن ذكر التوحيد ودعا إليه، ثم ورَّثه نوحُ ولدَهُ وولدَ ولده (أحفاده)، ثم اضمحلَّ إلى زمن إبراهيم. فتجدَّد ذلك التراث لإبراهيم، ولم يزِل يتجدد إلى أن وُلِدَ يعقوب، الذي هو إسرائيل الله، ثم اضمحلَّ حتى تجدَّد عندما بعث الله موسى، فإنَّ الله تجلَّى عليه بالنار في العوسجة، فجَدَّد ذكر التوحيد وأَلْغَزَ عن سرّ الثالوث حيث قال: “إلهُ إبراهيم وإلهُ إسحق وإلهُ يعقوب” فكرَّر بذلك القول ذكر الثلاثة الأقانيم بعد ذكر التوحيد كما كان قديماً، فهو واحِدٌ ذو ثلاثة أقانيم لا محالة، لأنه أََجْمَل في قوله: “إلهُ آبائِكم” ثم قال مكـرراً اسم الجلالة ثلاث مرات. أَفَتقولُ أنها ثلاثة آلهة، أم إله واحد مكرَّراً ثلاث مرات؟ فإن قلنا إنها ثلاثة آلهة أشركنا وجئنا بأشنع القول وأمحله، وإن قلنا إله واحد مكرراً ثلاث مرات نكون قد دفعنا للكتاب حقَّه، لأنه قد كان يمكنه أن يقول: إله آبائِكم إبراهيم واسحق ويعقوب. وإنما كرَّر ذلك للإشارة أن في هذا الموضع سراً، وهو أن الله واحد ذو ثلاثة أقانيم. فثلاثةُ أقانيم إلهٌ واحدٌ، وإلهٌ واحدٌ ثلاثةُ أقانيم. فأيُّ دليل أوضح وأيُّ نور أضوى من هذا إلاَّ لمن عاند الحق، وأراد أن يغِشَّ نفسه، ويُصِمَّ سَمْعَ عقله عن استماع سر الله الذي أودعه الله في كتبه التي أنزلها على أنبيائه، وهي، أكرمك الله، في أيدي أصحاب التوراة. الذين إلى هذا الوقت لم يكونوا يفهمونه، حتى جاء صاحب السرّ الذي هو المسيح سيدنا وكشفه لنا .
فقد علمنا الآن أن إبراهيم كان منذ ولد إلى أن أتت عليه تسعون سنة حنيفاً عابد صنم، ثم آمن باللـه إلى أن قبض (مات). فأنت تدعوني إلى دين إبراهيم وملَّته، فليت شعري، إلى أيّ مذهبيه ودينيه تدعوني؟ وفي أيّ حالتيه تُرغّبني؟ أَحَيثُ كان حنيفاً يعبد الصنم المعروف بالعُزَّى مع آبائه وأهل بيته وهو بحرَّان؟ أم حيث خرجَ عن الحنيفية وَوَحَّد الله وعبده وآمن به، فانتقل طائعاً عن حرَّان دار الكفرة ومدينة أهل الضلالة؟ فلا أظنك تدعوني إلى مثل حال إبراهيم في كفره وضلاله من عبادة الأصنام، التي هي الحنيفية. وإن كنتَ تدعوني إلى حاله وقت إيمانه وما حُسب له من البرّ وقت توحيده، فاليهوديُّ ابن إبراهيم أولى بهذه الدعوة منك، لأنه هو صاحب تراث اسحق الذي ورث هذا التوحيد عن إبراهيم أبيه، وهو أولى منك، وأحقّ بهذا الأمر. فما لك والظلم والحيف والجَنَف، وطلب ما لم يجعله الله لك حقَّا؟ فأنت دائماً تنسـب ذاتك إلى العدل، وتصفها بهذه الصفة، ونبيّك يَقِرُّ في كتابه: “قُلْ إني أُمِرتُ أن أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمْ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكينَ” (الأنعام 14) أفلا ترى أنَّه أول من أظهر الإسلام، وان قبله إبراهيم وغيره لم يكونوا مسلمين، لأن نبيّك قد أقرَّ بأنَّه هو أول من أسلم؟ فإن أبيْت إلاَّ الوكالة بالخصومة والاحتجاج عن اليهود، فأنت تعلم ما يجب لنا عليك في الحكم إذا نحن طالبناك بإقرار اليهودي بتوكيله إياك! فإن ثبتت وكالتك له نأخذ منك إقرارك أنك قد أقمت نفسك ونصَّبتها منصب الخصم عن اليهود، وأنا لا أرى لشرفك وحسبك أن أحلك هذا المحل. وإن كنت أنت أحللته نفسك فإني أسألك عن هذا الواحد الذي دعوتنا إلى الإِقرار بوحدانيته، كيف تُفْهِمُنَا انه واحد، وعلى كم نحو يُقال للواحد واحداً. فإذا أنبأتنا بذلك علمنا أنك صادق فيما ادعيت من عبادة هذا الواحد. أمَّا إن كنت غير عالمٍ به فأين تبَصُّرُكَ؟ ألا تعلم أن الواحد لا يُقال له واحداً إلاّ على ثلاثة أوجهٍ: إمَّا في الجنس، وإمَّا في النوع، وإمَّا في العدد. ولستُ أرى أحداً يدَّعي غير هذا، أو يقدر أن يجد غير هذه الأوجه الثلاثة. فعلى أيّ وجه تصف الله، جلَّ وعزَّ، واحداً من هذه الوجوه التي ذكرتها لك، أفي الجنس، أم في النوع، أم في العدد. فإن قلتَ أنَّه واحد في الجنس صار واحداً عاماً لأنواع شتى، لأن حكم الواحد في الجنس هو الذي يضمُّ أنواعاً كثيرة مختلفة، وذلك مما لا يجوز في اللـه. وإن قلت إنه واحد في النوع، صار ذلك نوعاً عاماً لأقانيم شتى، لأن حكم النوع يضم أقانيم كثيرة في العدد. وإن قلت انَّه واحد في العدد، كان ذلك نقضاً لكلامك أنَّه واحد فرد صمد، لأنَّه لو سألك سائل عن نفسك: كم أنت؟ لا تقدر أن تجيبه أنك واحد فرد. فكيف يقبل عقلك هذه الصفة التي لا تُفَضِّلُ إلهك عن سائر خلقه؟ وليتَك مع وصفك إياه بالعدد كنتَ وصفتَهُ أيضاً بالتبعيض والنقصان. أتَراك لا تعلم، أنت الرجل الذي فتَّشْتَ الكتب وقرأتها، وناظرتَ أهل الملل المختلفة، وفهمتَ اعتقاداتهم، أنَّ الواحد الفرد بعض العدد، لأنَّ كمال العدد ما عَمَّ جميع أنواع العدد، فالواحد بعض العدد. وهذا نقضٌّ لكلامك. فإن قلت انَّه واحد في النوع، فللنوع ذواتٌ شتى لا واحد فرد. وإن قلتَ انَّه واحد في الجوهر، نسألك: هل تخالف صفة الواحد في النوع عندك صفة الواحد في العدد؟ أو إنما تعني واحداً في النوع واحداً في العدد لأنَّه عام؟ فإن قلتَ: قد تخالف هذه تلك ، قلنا لك: حد الواحد في النوع عند أهل الحكمة، العارفين بحدود الكلام، والعالمين بقوانين المنطق، اسم يعُمُّ أفراداً شتى، وواحد الواحد ما لا يعمُّ غير نفسه. أَفَمُقِرٌ أنت أنَّ الله واحد في الجوهر يَعُمُّ أشخاصاً شتى، أو إنما تصفه شخصاً واحداً؟ وإن كان معنى قولك إنه واحد في النوع واحد في العدد، فإنك لم تُعَرِّفْ الواحد في النوع ما هو وكيف هو، ورجعت إلى كلامك الأول أنه واحد في العدد، وهذه صفة المخلوقين، كما قدمنا آنفاً. وإن قلتَ: هل تقدر أنت أنْ تصف الله واحداً في العدد إذا كان كزعمك الواحد في العدد بعضاً وليس بكامل؟ قلنا لك: إنَّنا نصفه واحداً كاملاً في الجوهر مثلَّثاً في العدد، أي في الأقانيم الثلاثة فقد كمِلَتْ صفته من الوجهين جميعاً. أمَّا وصفنا إياه واحداً في الجوهر فلأنَّه أعلى من جميع خلقه، لا يشبهه شيء منها ولا يختلط في غيره، بسيط غير كثيف وروحاني غير جسماني، أبٌ على كل شيء بقوة جوهـره من غير امتزاج ولا اختلاط ولا تركيب. وأما في العدد فلأنه عام لجميع أنواع العدد لا يُعد وإن تكن أنواعه نوعين زوجاً وفرداً، فقد دخل هذان النوعان في هذه الثلاثة. فبأيِّ الأنحاءِ وصفناه لم نعدل عن صفة الكمال شيئاً كما يليق به. فوَصْفنا اللـه واحداً ليس على ما وصفته أنت. وأرجو أن يكون هذا الجواب مقنعاً لك وللناظر في كتابنا هذا، إذا نظر بعين الإنصاف إن شاء الله .
وأما قولك أنَّه لم يتخذْ صاحبةً ولا ولداً ولم يكن له كفؤاً أحد، فإن أنت أنصفتنا أقرَّرتَ لي بأنَّ الذي وصفه بذلك هو الذي شنَّع عليه. وأما نحن فلا نقول أنَّ لله صاحبة، ولا أنَّه اتخذ ولداً، ولا أنَّه كان له كفؤاً أحد، ولا نَصِفُه بمثل هذه الرذائل من صفات التشبيه به، وإنما هذه الشُبهات لكم من عند اليهود الذين أرادوا كيدكم بذلك، فلفَّقُوا هذه القصص. وأنت تعلم أنه ليس في كتبنا المنزلة لهذا ذكرٌ فتقبله عقولنا أو نتكلم به، وإنما هو كتابكَ الذي أكثرَ التشنيعَ علينا، وادَّعى على المسيح سيدنا ومحيي البشر الدعاوي التي لم يقلها قط. إنما ذلك من حيلة وهَب بن منبه وعبد اللـه بن سلام وكعب المعروف بالأحبار، اليهود الذين احتالوا في إدخـال ذلك وغيره من التشنيعات علينا بل وعليكم، وإن فحصتَ عن ذلك في كتابك عرفت حقيقته. ونحن نقول إن الله الأزلي بكلمته لم يزل حليماً رَؤوفاً، وإنما وصفناه بالرحمة والرأفة والملك والعز والسلطان والجبروت والتدبير، وما أشبه هذه الصفات، لما يظهر لنا من أفعاله. وقد أخبرَتْ عنها عقول الناس واشتقّوها له اشتقاقاً لأجل فعله إياها، فاستوجبها جلَّ وعز بالكمال والحقيقة، كما استوجب جميع ما سُمّيَ به من أجل فعله له .
ولقد فهمت ما دعوتَني إليه من الشهادة لنبيّك والإقرار بنبوَّته ورسالته، وما عظَّمتَ من أمره. فأما تعظيمك إياه وتفخيمك إياه فلسنا نجادلك فيه، وليس عندنا فيه إلاّ تسليمه لك، إذ كنت أَوْلى الناس بقرابتك، وقرابتك أَوْلى الناس بك. وإنما نحن مناظروك في ما دَعوْتنا إليه من الإقرار بنبوَّته بأنَّ ذلك حقٌ واجب. فإن كان ذلك حقاً واجباً فليس ينبغي لنا، ولا لأحدٍ ذي عقل أن يمتنع أو يمتعض من قبوله، فإنَّه لا يمتنع عن الإقرار بالحق إلاَّ ظالمٍ معتدٍ، أو جاهلٍ بمعرفة قدر الحق. وإن كان ذلك غير الحق فلا ينبغي لك أن تقيم على غير الحق، فكيف تدعونا إليه؟ فإنك إذا فعلت هذا كنتَ ظالماً لنفسك أولاً، ثم متعدّياً على من تدعوه إلى الحق. فلنطرحْ الآن من بيننا العصبيَّة، ولنفحصْ عن أول قصة نبيّك، هذا الذي تدعونا إلى الإقرار له بالنبوة، ونشرحها من أولها إلى آخـرها، ونختبرها اختباراً شافياً، فيجب أن يكون البحث عنه بتَأنٍّ وتَرَوٍّ .
كان هذا الرجل يتيماً في حِجْرِ عمه عبد مناف المعروف بأبي طالب، الذي كفله عند موت أبيه وكان يعوله ويدافع عنه، وكان يعبد أصنام الّلات والعُزَّى مع عمومته وأهل بيته بمكة، على ما حكى هو في كتابه، وأقَرَّه على نفسه حيث قال: “ألم يجدك يتيماً فآوَى، ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى” (ضحى 6 – 8). ثم نشأ في ذلك الأمر حتى صار في خدمة عِيرٍ(قافلة الإبل ) لخديجة بنت خويلد، يعمل فيها بأجرة ويتردد بها إلى الشام وغيرها، إلى أن كان ما كان من أمره وأمر خديجة وتزوُّجه إياها، للسبب الذي تعرفه. فلمّا قوَّته بمالها نازعته نفسـه إلى أن يدَّعي الملك والترؤس على عشيرته وأهل بلده، فلم يتبعه عليه إلاَّ قليلٌ من الناس. فعندما يئِسَ مما سوَّلت له نفسه ادَّعى النبوَّة، وأنه رسولٌ مبعوثٌ من رب العالمين، فدخل عليهم من باب لطيف لا يعرفون عاقبته ما هي، ولا يفهمون كيف امتحان مثله، ولا ما يعود عليهم من ضرر منه، وإنما هم قوم عرب أصحاب بدوٍ لم يفهموا شروط الرسالة، ولم يعرفوا علامات النبوَّة، لأنه لم يُبْعَث فيهم نبي قط. وكان ذلك من تعليم الرجل الملقِّن له الذي سنذكر اسمه وقصته في غير هذا الموضع من كتابنا، وكيف كان سببه. ثم إنه استصحب قوماً أصحاب غارات ممن يصيب الطريق على سُنَّة البلد وعادة أهله الجارية عندهم إلى هذه الغاية، فانضمَّ إليه هذا النوع، وأقبل يبثث الطلائع ويدسس العيون ويبعث، إلى المواضع التي ترِد القـوافل إليها من الشام، بالتجارات فيصيبونها قبل وصولها، فيُغِيرون عليها ويأخذون العِير والتجارات ويقتلون الرجال. والدليل على ذلك أنه خرج في بعض أيامه فرأى جمالاً مقبلة من المدينة إلى مكة، لأبي جهل بن هشام، ويُسمي أعراب البادية ذلك غزواً إذا خرجت للغارة على السابلة وإصابة الطريق. وكان أوّل خروجه من مكة إلى المدينة بهذا السبب، وهو حينئذ ابن 53 سنة، بعد أن ادَّعى ما ادَّعاه من النبوة بمكة 13 سنة، ومعه من أصحابه 40 رجلاً. وقد لقي كل أذى من أهل مكة لأنهم كانوا به عارفين، فأظهروا أن طرده لادِّعائه النبوَّة وعقد باطنهم لما صح عندهم من إصابته الطريق. فسار مع أصحابه إلى المدينة وهي يومئذ خراب يَبَابٌ ليس فيها إلاَّ قوم ضعفاء أكثرهم يهودٌ لا حِراك بهم. فكان أول ما افتتح به أمره فيها من العدل وإظهار نَصَفَة النبوة وعلامتها، أنه أخذ المِرْبَد الذي للغلامين اليتيمين من بني النجار وجعله مسجداً. ثم أنه بعث أول بعثة حمزة بن عبد المطلب في 30 راكباً إلى العيص من بلد جهينة يعترض عِير قريش وقد جاءت من الشام، فلقي أبا جهل بن هشام في 300 رجل من أهل مكة ، فافترقوا لأن حمزة كان في 30، فخاف لقاء أبي جهل وفزع منه، فلم يكن بينهم قتال .. فأين شروط النبوَّة في هذا الموضع من قول الله في التوراة، المنزلة من عنده لموسى، حيث وعده أن يُدخل بني إسـرائيل، الذين أخرجهم من مصر، إلى أرض الجبابرة المسمَّاة “أرض الميعاد”، وهي أرض فلسطين: أنَّ الواحد يهزِّم ألفاً، والاثنين يُهَزِمان رَبْوَةً؟. وكذلك كان فعله على يدي يشوع بن نون، المتولّي إدخال بني إسرائيل أرض الميعاد ومحاربة أهل فلسطين. فهذا حد ما يطالب به نبيّك في هذا الموضع من علامات النبوَّة والرسالة.
فلنرجع الآن، إذ ليس عندك في هذا جواب، وكنت صفراً مفلجاً أنتَ وجميع من يعتقد مثل مقالتك، فنقول: إمَّا أن يكون حمزة هذا رسول نبيٍّ مبعوث، وهو ابن عمه، خرج ومعه ثلاثون راكباً، فانحاز فَرْقَاً (خاف) من أبي جهل الكافر المشرك ومعه ثلثمائة رجل كفار مشركين عباد أوثان ، ولم يحاربه بل سالمه، أو أن يكون هذا خلاف ما تدعيه أنت أنه نبيّ مرسَل، وأن الملائكة تؤَيّده وتقاتل دونه، كما كانت تقاتل مع يشوع بن نون. فإنه رأى ملاكاً في زي فارس، فلم يعرفه يشوع فسأله: أمِن أصحابنا أنت أم من أعدائِنا؟ فقال له الملاك: أنا رئيس جيوش الرب، والآن أقبلتُ. فخرَّ يشوع بوجهه على الأرض ساجداً وقال: “بماذا يأمر السيدُ عبده؟” فقال رئيس جيوش الرب: “انزع خُفَّيْكَ من قدمَيْك لأن المكان الذي أنت فيه مكان مقدَّس” (يشوع 5: 13–15) ففعل يشوع ذلك. وفي هذا القول من الملاك ليشوع سرٌ ليس هذا موضعه، وكان يشوع وقتها يحاصر أريحا، فلما أتى على ذلك سبعة أيام فتحها على غير عقد ولا عهد، فقتل كل من كان فيها من ذكر وأنثى.
ولنذكر أيضاً غزوة نبيّك الثانية لعلَّه يكون لك فيها أدنى جواب. وفيها بعث عُبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين راكباً ليكون ضعف العدة الأولى، فيقوّي قلوبهم إلى بطن رابغ بين الأبواءِ والجحفة، فلقي أبا سفيان بن حرب، وأبو سفيان في 200 راكب، فكان بينهم من الدماءِ ما قد علمت، ثم رُدعوا، فما رأيتُ أحداً من الملائكة أعانهم على أمرهم بشيء، وقد شهدتَ أنتَ أنَّ جبرائيل كان في صورة رجل راكب رَمَكَةً شَهْبَاء عليه ثياب خضر. وقد ركب فرعون بجنوده على400 ألف حصان في طلب بني إسرائيل. فلما توسط بنو إسرائيل البحر قحم جبرائيل على الرمكة في أثرهم قائلاً: “قدم خير”. فتبعته الخيل التي كان عليها فرعون وأصحابه، فنجا بنو إسرائيل وغرق فرعون وأصحابه! هذه شهادتك وإقرارك ببعض علامات موسى النبي التي أتى بني إسرائيل، وصاحبك خلوٌ من هذا كله!
ولا بدَّ لنا أن نأتيك بالثالثة لما بعث سعد بن أبي وَقَّاص إلى الخَرَّار خارج الجحفة في عشرين رجلاً، فورد الموضع وقد سبقته العِير قبل ذلك بيوم، ففاته أمله ورجع خائباً من رجائه! فهذه خلاف آيات النبوة وعكس ما فعله نبي اللـه صموئيل بشـاول. ولا أشكّ في أنك تعرف القصة،
فلننظر الآن بعد الغزوات الثلاث التي خرج فيها هؤلاءِ النفر ومن خرج معهم بأمر صاحبك فانصرفوا فُرُغاً في الغزوات التي خرج هو بنفسه فيها مع أصحابه. فخرج أولاً يريد عيراً لقريش، فانتهى إلى ودَّان(قرية من قرى الحجاز) فوافاه مَجْشيُّ بن عمر الضمري فلم يَنَلْ منه شيئاً ورجع صفراً، ثم خـرج ثانية إلى بواط، وهي في طريق الشام، في طلب عِيرٍ لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي، ورجـع ولم يصنع شيئاً. ثم خرج ثالثة إلى أن وصل إلى يَنْبُع في طلب عِيرٍ لقريش أيضاً يريد الشام، وهي العِير التي كان القتال ببدْرٍ بسببها في رجعتها، فرجع صفراً ولم يصنع شيئاً. فأنْصِف، وأنت أهلٌ لذلك، إن كان صاحبك نبياً كما تدَّعي! فما للأنبياء وشنّ الغارات والخروج لإصابة الطرق والتعرُّض لأخذ أمتعة الناس ! وما الذي ترك صاحبك هذا للُّصُوص وقُطَّاع الطريق؟ وما الفرق بينه وبين أتابك الخزمي الذي تناهى إلى سيدنا أمير المؤمنين وإلينا خبره بما عمل وارتكب من ظلم الناس؟ فأجِبْنا إنْ يكن عندك في هذا جواب واضح. وإني لأعْلَم أنه لا جواب عندك ولا عند غيرك ممن اعتقدَ مثل اعتقادِكَ، كما لم يكن عندك في غيره مما سلف .
ثم لم يزل كذلك إلى أن وجد القوم الذين خرج في طلبهم في ضعف، فاسْتاق عِيرهم، وأخذ تجارتهم، وقتل من أمكنه قتله من رجالهم، وإن وافاهم وهم في مَنَعَةً وقوُّةٍ انحاز عنهم وولى هارباً إلى أن مات. فكانت مغازيه بنفسه 26 غزوة، غير السرايا التي كانت تخرج في الليل، والسواري الخارجة نهاراً، والبعوث قاتل منها في تسع غزوات، والباقية كان يبعث فيها أصحابه. ثم أعجب من هذا في قُبْح الأحدوثة، والشناعة في الفعل والفظاظة، توجيهه إلى واحدٍ، واحداً يقتله بالغِيلة، كتوجيهه عبد الله بن رواحة لقتل أسير بن دارم اليهودي بخيبر فقتله غيلةً، وكبعثه سالم بن عمير العمري وحده إلى أبي عفك اليهودي، وهو شيخ كبير ما به حراك، فقتله بالغيلة ليلاً وهو نائم على فراشه آمناً مطمئناً، واحتجَّ بأنَّه كان يهجوه. ففي أيِّ كتابٍ قرأَ هذا، وأيِّ وحيٍ نزل عليه به، ومن أي حُكْمٍ حَكَمَ على مَن أعاب أن يُقتل؟ فقد كان في تأديب هذا الشيخ على ذنبه شيء دون القتل وخاصةً ليلاً وهو نائم مطمئن آمن على فراشه. فإن كان هجاه بما كان فيه، فقد صَدَق ولا يجب على من صدق قَتْل. وإن كان كذب عليه في قوله ، فلا يجب على من كذب القتل، بل يُؤدَّب لئلا يعود. فأين قولك أنَّه بعث بالرحمة والرأفة للناس كافةً؟
وأما بَعْثه لعبد اللـه بن جحش الأسدي إلى نخلة (وهو بستان أبن عامر) في 12 رجلاً من أصحابه ليأتيه بأخبار قريش، فلقوا بها عمرو بن الحضرمي في عِير قريش وتجارة قد أقبل بها من اليمن، فقتلوا عمراً واستاقوا العِير إلى المدينة. ولما وردوا أخرج عبد الله بن جحش مما أغار عليه هو وأصحابه الخُمس فدفعه لمحمد. فهذا لا أقول أنه حلال أو حرام، حتى يحكم فيه العادل!
وكذلك ما فعل في يهود قينقاع حيث صار إليهم بغير ذنب ولا علَّة إلاَّ الرغبة في أموالهم، فحاصرهم حتى نزلوا على حكمه واستوهبهم منه عبد اللـه بن أُبَيّ بن سلول فوهبهم له، وأخرجهم إلى أذرعات بعد أن أخذ أموالهم فقسمها بين أصحابه، وأخذ هو الخمس قائلا: “هذا ما أَفَاه الله على نبيَّه”. فكيف طاب له هذا، وبماذا استحلّ أن يأخذ أموال قوم لم يؤذوه ولم يكن بينه وبينهم غل، وإنما استضعفهم وكانوا كثيري الأموال! فما هكذا تفعل الأنبياءٌ ولا مَنْ يؤمن باللـه واليوم الآخر!
فأما غزوة أُحد وما أصيب فيها من كسر رباعيته السفل اليمنى وشق شفته وثلم وجنته وجبهته، الذي ناله من عتبة بن أبي وقاص، وما علاه به ابن قَمِيئَةَ الليثي بالسيف على شقه الأيمن، حتى وقاه طلحة بن عبيد اللـه التيمي بيده فقُطِعَتْ أصبعه. فهذا خلاف الفعل الذي فعله الرب مخلص العالم، وقد سلَّ رجل (بطرس) بحضرته على رجل سيفاً فضربه به على أذنه فاقتلعها. فرد المسيح مخلصنا الأذن إلى موضعها فعادت صحيحة كالأخرى. والاَّ حيث أصاب يد طلحة ما أصابها (وقد وقاه بنفسه) فلماذا لم يَدْعُ محمد ربه ليرد يد طلحة إلى ما كانت عليه؟ وأين كانت الملائكة عن معونته ووقايته من كسر ثنيته وشق شفته ودمي وجهه (وهو نبي من الأنبياء وصفيٌّ من الأصفياء ورسول اللـه)، كما كانت الأنبياء تقي من قبله، كتوقية إيليا النبي من أصحاب أخآب الملك، ودانيال من أسد داريوس، وحنانيا وإخوته من نار بختنصر، وغيرهم من الأنبياءِ وأولياء اللـه؟ سيما ولم يخلق اللـه آدم إلاَّ لأجل محمد وقد كتب اسمه على سرادق العرش كما تدعون!
وأفعال صاحبك هذا خلاف قولك أنَّه بعث بالرحمة والرأفة إلى الناس كافةً، لأنه كان الرجل الذي لم يكن له فكر واهتمام إلا في امرأة حسنة يتزوجها، أو قوم يُغير عليهم يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم وينكح نساءَهم، ويشهد على نفسه أنه حبب إليه الطيب والنساء، وأنه من علامات نبوَّته أنه جعل في ظهره من القوة على النكاح مقدار قوة أربعين رجلاً. فهل هذا بعض آيات الأنبياء التي لا تكون إلاَّ في مثله؟
فأما ما كان بينه وبين زينب بنت جحش امرأة زيد، فإني أكره ذكر شيءٌ منها إجلالاً لقدر كتابي هذا عن ذكرها، غير أني آتي بشيء مما حكاه في كتابه الذي يقول أنَّه نزل عليه من السماء إذ يقول: “وإذْ تقول للذي أنعم الله عليه، وأنعمت عليه: أمْسِك عليك زوجك واتَّق الله، وتخفي في نفسك ما الله مُبْديه، وتخشى الناس والله أحقُّ أن تخشاه. فلما قضى زيدٌ منها وطراً زوَّجناكها لكيلا يكون على المؤْمنين حَرَجٌ في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهُنَّ وطراً، وكان أمر الله مفعولا”. ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له، سُنَّة الله في الذين خلوا من قبل، وكان أمر الله قدراً ومقدوراً” (أحزاب 37، 38) .
وكذلك هنَّاته مع عائشة وما كان من أمرها مع صفوان بن المعَطَّل السلَميّ، في رجوعهم من غزوة المصطلق، بتخلُّفها عن العسكر معه وقدومه بها من الغد نَحْرَ (نحو) الظهيرة راكبةً على راحلته يقودها، وما قَذَفَها به عبدٌ الله بين أُبيّ بن سلول وحسَّانُ بن ثابت ومَسْطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر وزيدُ بن رفاعة وحمنة بنت جحش أخت زينب، وتبليغ علي بن أبي طالب إليه كلام المتكلمين وعيب العائبين، قائلا”: “يا رسول الله،لم يُضَيِّقْ الله عليك ، والنساء سواها كثيرة”. فلم يلتفت صاحبك إلى ذلك كله لشدة إعجابه بها، لأنه لم يَكنْ في من نكح من نسائه بِكْرٌ غيرها ولا أحدث سناً منها، فكان لها من قلبه مكان. وكانت خلاّبة فرضي بما كان من ذلك الأمر كله، وهذا كان سبب انعقاد تلك العداوة بين عائشة وبين علي إلى آخر حياتهما. ثم قال صاحبك بنزول براءتها في سورة النور من قوله: “إنَّ الذين جاءوا بالإفْكِ عُصْبَة منكم … الخ”.
وكانت نساؤه فيما يظهر خمس عشرة حرة، وأَمَتينْ. أولاهُنَّ خديجة بنت خويلد، ثم عائشة بنت أبي بكر، وهو عبد اللـه المعروف بعتيق بن أبي قحافة. وسودة بنت زمعة. وحفصة بنت عمر، وهي التي كان بينها وبين عائشة تلك الهنَّات العجيبة. وأم سلَمة واسمها هند بنت أبي أمية، وهي المخدوعة أم الأطفال، التي زعم أنه يُذهب عنها الغيرة عندما امتنعت عليه واحتجَّت بأنها امرأة غَيْرَى، وأنَّه يعول صبيَّتها لما اعتذرت أنها ذات صبية، وأنها تخاف ألا يرضاه أهلها فضمن لها أن يكفيها ذلك، حتى قبلت. ثم لم يفِ لها من ذلك الضمان بحرف واحد، وهي التي نحلها جرَّتين ورحى ووسادة من أدم حَشْوها ليف، فحصلت منه على الدنيا والآخرة. وزينب بنت جحش، امرأة زيد التي بعث إليها نصيبها من اللحم ثلاث مرات، فردَّته في وجهه فهجرها وهجر نساءه بسببها وحلف أنه لا يدخل عليهن شهراً، فلم يصبر فدخل لتسعة وعشرين يوماً! وزينب بنت خزيمة الهلالية. وأم حبيبة، واسمها رملة بنت أبي سفيان أخت معاوية. وميمونة بنت الحارث الهلالية . وجويرية بنت الحارث المصطلقية. وصفية اليهودية بنت حيي بن أخطب التي علَّمها أن تفخر على نسائه عند تعييرهن إياها وتقول: “وأنا التي هارون أبي، وموسى عمي، ومحمد زوجي”. والكلابية وهي فاطمة بنت الضحَّاك وقيل أنها بنت يزيد عمرة الكلابية. وحنة بنت ذي اللحية. وبنت النعمان الكِنْدية التي أنفت منه حين قال لها: “هبي لي نفسك” فقالت: “وهل تهب المليكة نفسها للسوقة؟” ومليكة بنت كعب الليثية ذات الأقاصيص . ومارية أم إبراهيم ابنه. وريحانة بنت شمعون القريظية اليهودية. فهؤلاء نساؤه اللواتي كنَّ له، وأمَتَان!
. فإذا كان صعباً على الرجل أن يخدم امرأة واحدة ويرضيها ولا يُسخِط خالقه، فكيف يكون حال من يريد أن يصـرف عنايته إلى رضى خمس عشرة امرأة وأمَتين، مع ما أنت عارف من شغله من تدبير الحروب وتوجيه الطلائع لشنّ الغارات؟ فمتى يتفرغ للصوم والصلاة والعبادة وجمع الفكر وصرفه إلى أمور الآخرة، وما شاكل ذلك من أعمال الأنبياء؟ ولست أشك في أنَّه لا نبي قبله ابتدع مثل هذا!
(يتبع الى الجزء الثاني)