برحيل محمد سرور زين العابدين، تطوى صفحة من تاريخ الإسلام السياسي في الخليج. الشيخ السوري، ابن حوران تحدث عن ذكرياته ضمن حوار تلفزيوني مطوّل. الرحلة بدأت من الانتماء التقليدي لجماعة الإخوان المسلمين، غير أن الهزات التي أصابت الجماعة في سوريا، حتّمت عليه الخروج نحو مساحة أخرى من مساحات النظرية الأصولية. تنقّل من سوريا، إلى بريطانيا، ثم الكويت وصولاً إلى السعودية، حيث درّس في المعاهد العلمية بعدة مناطق، وكانت محطّته في بريدة لافتة، إذ أثّر على طلاب له أصبحوا فيما بعد رموزًا للصحوة الإسلامية.
كانت مجلته التي أسسها في برمنغهام، «السنة»، هي التأسيس الرئيسي للنظرية السياسية السرورية، وفي حواراته يعتبر الشيخ تياره حاملاً لرؤية «سياسية»، ولعل مشواره الطويل كان حافلاً بالدعوة إلى الاحتواء وتجنيد الأتباع، وشحن الجحافل، من أجل الوصول إلى الدولة الإسلامية.
من المراحل اللافتة لـ«السنة»، أنها كفّرت صراحة، خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله في أوائل التسعينات! وهو مؤشر على أن الاشتغال السروري بالسياسة، لا يقف عند الاهتمام بها، بل ينتقل لاتخاذ مواقف دينية، يمكن أن تؤسس لأعمال عنف، بطبيعة الحال، فالتكفير إحدى أهم مراحل العنف!
السرورية وليد إخواني، لكنها عدّلت على ما رأته نواقص في ذلك التيار، وخصوصًا لجهة العقيدة، إذ تبنّت السرورية السلفية عقائديًا، مع تركيز شديد على قضية الحاكمية، خلافًا لانتشار التفاسير الأشعرية لدى الإخوان المسلمين فترة التأسيس.
السرورية مزيج من بنطال سيد قطب وعمامة ابن تيمية، بمعنى آخر، هي سلفيّة إخوانية، حركيّة وقطبية في العمل السياسي، لكن اللافت هو تركيزها، في بعد سياسي محض على موضوع الحاكمية من موضوعات العقيدة، وإغفال قصص التوحيد الأخرى، مما جعل أتباعها يرددون: «شرك القصور أولى من شرك القبور»!
ورغم كون سرور مدرس رياضيات، فإنه ينصح طلابه في حصص الدرس بكتب دينية وسياسية، ولا غرو فقد كان كائنًا سياسيًا.
عبد العزيز اليحيى، وهو شيخ ومعاصر لمراحل محمد سرور، ذكر في حوار مع الصحافية هدى الصالح، أنه «كان يأتي إليه مع الشباب في شقته، ويلتقي بهم في المعهد وأماكن أخرى، وإنما ليس بشكل علني، فلم يكن يعطي دروسًا بالمساجد، فكان عمله بالظل، حتى ذهب إلى الأحساء وكانت لديه حرية أكبر وأصبح أكثر نشاطًا، ومكث بها عامًا ونصف العام، كان يسبّ مناع القطان سبًا عظيمًا لأنه تولى منصبًا، حيث كان مديرًا للمعهد العالي للقضاء في السعودية، وكذلك محمد محمود الصواف أحد الدعاة العراقيين، وكان مستشارًا لدى الملك فيصل، والشيخ علي الطنطاوي درس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجميعهم تولوا مناصب، وكان يرى أن هؤلاء خضعوا للدولة وكل من كان يجلس معه يقوم بالتحذير منهم»!
تلك كانت نواة التأثير السروري في الشارع السعودي، وكان يستقطب الشباب الصغار لتأسيسهم من الصفر، وقد تخرّج على يديه عدة رموز أصبحوا فيما بعد من المناوئين للسياسة السعودية، والمدافعين عن النظرية الكليّة السرورية، المستندة إلى الولاء التام للزعيم الملهم، والداعين إلى الأمة بديلاً عن الوطن، بغية الوصول إلى الخلافة الإسلامية بكل تفاصيلها.
السرورية نتاج عوامل كثيرة، فهي هجين من التأسيس الإخواني المصري، والظهور الإسلامي الخليجي، مما أسس أصولية ضمن مقاسات الخليج، واقتاتت على مشكلاته، انتعشت مع الحرب العراقية – الإيرانية، وحرب الخليج، وتغذت على المشكلات الاجتماعية الداخلية، ولا عجب أن يوجه محمد سرور عبر مجلته «السنة» مقالات وكتابات تتعلق بشؤون السعودية أو الكويت، وذلك لمخاطبة أنصاره وأتباعه، إذ أخذ ينسج خيوط تنظيمه بهدوء كما يعبر، ذلك أن دراسة المرحلة، وفحص المكان، وتكوين الخلية المحيطة، كل ذلك يحتاج إلى غموض وهدوء.
سرور غاب عن حلقات التدريس التقليدية، فهو لم يرَ في الأحكام الفقهية، أو شروحات الحديث بالشكل المتداول ما هو مفيد على المستوى النظري السياسي، وأراد لرؤيته أن تكون المشروع السياسي الكبير في منطقة الخليج.
برحيل سرور تطوى صفحته هو، غير أن النظرية لا تزال قائمة وفرّخت الأتباع، وتحتفظ حتى الآن بجماهيريتها.
من المفيد أن ندرك مستوى التحدي الكبير مع الأفكار الأصولية الكارثية مبكرًا قبل أن نصحو وقد دمّرت كل شيء.
محمد سرور أرادها نظرية قطبية.. كانت جملته المفضلة بالعمل السياسي عبارة يرددها محمد قطب كثيرًا: إن تأثير الأفكار قد يكون بطيئًا، لكنه أكيد المفعول.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”