رجال الدولة و التنافس على مص دماء الشعب!

lhassanelkiriمن المؤسف أن يتنافس رجال الدولة و موظفوها السامون بل حتى المتوسطون منهم على مص دماء المواطنين بطرق تحايلية متنوعة و تحت مسميات عدة تتلون تلون الحرباء. و من تلك الطرق اقتناء السيارات الفاخرة على حساب الإدارة أو المرفق العمومي الذي يدبرون بلا عقلانية تذكر. و لعل الفضيحة المدوية التي فجرها الحبيب الشوباني الوزير الملتحي الأسبق و العاشق المتدين الورع و الزاهد خير مثال على ذلك. إذ اشترى موكبا من السيارات الفخمة على حساب مالية جهة درعة – تافيلالت التي كانت من نصيبه أثناء توزيع خيرات الوطن و مناصب المسؤولية في الحديقة الخلفية بناء على التملق و امتلاك الجبين الصلبة و الكفاءة في المراوغة و التضليل غداة التقسيم الترابي الجديد الذي عرفته البلاد.
لقد فعل هذا الطماع المتدين كل ذلك رغم أنه يجب أن يسير هذه الجهة بالكفاف و العفاف ما دامت تعتبر من أفقر جهات المغرب. و من الغريب و من المخجل، في الحقيقة، تصريح سعادة الوزير الذي مفاده أن سبب اقتناء هذه السيارات يعود إلى طبيعة تضاريس هذه المنطقة الوعرة. و رغم أن العلماء الجيولوجيين و علماء الآثار على علو مكانتهم العلمية يمتطون الحمير و البغال لإنجاز مهمات علمية جليلة للإنسانية في مناطق أوعر من هذه فإن وزيرنا السابق و رئيس هذه الجهة (رئيس ممنوح) أراد سيارات رباعية الدفع لكي يتنفع بها في قضاء حوائجه و يتكبر بها على الناس ضاربا لهم مثالا مفاده أننا نترقى بالكذب و السياسة السياسوية الفارغة تحت شعار من (الحمارة (الأتان) إلى الطيارة) كما يقول المثل المغربي!
كان على هذا المتدين المتنفع أن يضع في الحسبان حال تلاميذ أبناء الفقراء و حال الأساتذة الذين يفطرون و يتعشون بعشرة كيلومترات مشيا على الأقدام يوميا للوصول إلى المدرسة التي أقبرها بنكيران بمدارسه الخاصة. كان عليه لو كان كما يدعي هو و جماعة الذئاب الملتحية التي ينتمي إليها أن يقتني حافلات مدرسية و يبني سكنيات وظيفية للمدرسين و يقدم لهم تحفيزات مالية و مساعدات من أجل أن يتفانوا في بناء الإنسان، إنسان المستقبل المغربي الذي حولته السياسة المقيتة إلى إمعة أو ريشة في مهب الريح. يا له من طمع و جشع و تملق و نفاق و مباهاة و تكبر و غطرسة و عنجهية تلك التي ما فتئ يبديها مسؤولونا الحكوميون خاصة البنكيرانيين الجوعى قلبا و الفقراء عقلا!
إن السياسي ذي المرجعية الدينية يجب أن يعيش وفق مرجعيته و إلا فلينقذف هو و مرجعيته إلى مزبلة التاريخ و كفاه بيعا للوهم إلى البسطاء.
في الحقيقة هذا نموذج أول، أما النموذج الثاني الذي نحب أن نسوقه مثالا على فساد رجال الدولة المعلن و الخفي فهو المتعلق برؤساء الجماعات القروية و الحضارية، بحيث إن أول ما يفعله الرئيس الجديد هو اقتناء سيارة فخمة على حساب نفقات الجماعة أي المال العام رغم أنه لا يتوفر حتى على شهادة الدروس الابتدائية. يا له من تخلف!
نركز هنا على سيارات الدولة لأنه يبدو موضوعا عرضيا على مستوى السطح لكنه جوهري على مستوى العمق؛ فالمغرب يحطم الرقم القياسي من حيث عدد سيارات الدولة بالمقارنة مع دول متقدمة علينا بمئات السنين كالصين و فرنسا.
و كثيرا ما نشاهد هؤلاء السياسيين المتنفعين و المحظوظين يقضون أغراضهم الشخصية و خارج أوقات الخدمة بهذه السيارات التي يؤدي ثمنها و وقودها المواطن الضعيف، أغراض من قبيل السفر في العطلة الصيفية و المشاركة في مواكب الأعراس و غيرها.
إذا كانت هذه علامة من علامات تخلف مدبري الشأن السياسي في مغربنا، بل حتى في الدول العربية، فهي في نفس الوقت علامة على تخلف المجتمع ككل؛ نقصد المواطن الذي يتواطأ مع الفساد بشتى الطرق، و من حيث يدري و لا يدري. فهو لا ينهى عن المنكر ويسارع إلى تقديم صوته – الذي يصبح غاليا فقط أيام الانتخابات – إلى السياسيين الفاسدين معتقدا أن في القنافذ أملس.
إن سياسيينا يتنافسون فيما بينهم حول تلميع المظهر و صناعة الهيبة الزائفة بشراء تلك السيارات الفخمة و الساعات الفاخرة و الفيلات المنمقة متناسين أنهم يساهمون في إضاعة الزمن الحضاري على أبناء وطنهم. إذا كان رئيس الوزراء البريطاني يركب الحافلة و يستقل القطار مثله مثل الناس العاديين، و إذا كان رئيس وزراء هولندا يذهب إلى مقر عمله بالدراجة الهوائية، و إذا كانت حكومات غربية لا يتجاوز عدد وزرائها العشرة ، و إذا كان مواطنو سويسرا، رضي الله عنها، يرفضون زيادة ألف درهم في أجورهم مجانا، فإن هذا يعني أوتوماتيكيا أننا أمام شعوب متحضرة و ديمقراطية و عقلانية و مسؤولة و تحترم نفسها و تعطي لكل ذي حق حقه، و ليست شعوبا متخلفة تؤمن بالزخارف و تأخذ بالقشور و الروح جاهلية. شعوب لا زالت تقدس البشر و تؤمن بالخرافة في زمن السماوات المفتوحة، شعوب يخاف مسؤولوها من الاختلاط بمواطنيهم، بالناس العاديين لأنهم غير منتخبين عن جدارة و استحقاق بل ازدادوا و في أفواههم ملعقة من ذهب؛ و بالتالي فهم خائفون دوما خوفا مرضيا من أن يزيحهم غضب الشارع الذي فلحوا مؤقتا في أن يحولوه إلى فرح زائف. و إياك نعني و افهمي يا جارة، إننا قادمون لا محالة؛ فنحن نمرض و لا نموت!
*كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء – المغرب.

About لحسن الكيري

** كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء – المغرب
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.