طالعت كتاب (( ذكريات الهند )) . لمؤلفته الليدي باميلا ماونتباتن , تتحدث فيه عن العلاقة العاطفية التي ربطت بين والدتها الليدي أدفينا زوجة نائب الملك البريطاني على الهند وفيما بعد حاكمها العام , مع رئيس وزراء الهند السابق جواهرلال نهرو .
ذكرني هذا الكتاب بكتاب ثاني كنت قد قرأته قبل حوالي أربع سنوات يتحدث عن كيف تنشر فرنسا نفوذها حول العالم , فبالإضافة الى وسائل المال , والسلاح , والسياسة , ومنظومة الفرانكوفونية المنتشرة حول العالم والتي تضم جميع الأقطار المتحدثة باللغة الفرنسية , تقوم فرنسا بإستعمال النساء وسيلة لنشر نفوذها حول العالم .
فكل رئيس دولة , لفرنسا مصلحة معه أو بقربه يجب أن يتعرف على سيدة فرنسية لتكون صديقة له أو عشيقة , لفترة محدودة أو دائمة , ومن خلال هذه العلاقة يتم التحكم بهذا الشخص وقراراته .
وعادة النساء اللواتي يقمن بهذه المهمة يكن من قريبات المسؤولين الفرنسيين الكبار رؤساء أو رؤساء وزارات أو وزراء معروفين , ليشعر الشخص الذي تربطه العلاقة بتلك المرأة أنه ( نسيب ) الحكومة الفرنسية , ولذلك يصير أطوع للتجاوب مع سياساتها .
وبعض رؤساء العالم تجرى دراسة مسبقة عنهم لمعرفة ميولهم النسائية بالتحديد الدقيق _ حتى ( تفصل ) لكل واحد منهم ( المرأة _ الحلم ) بمساعدة حي الدعارة الفرنسي المعروف بإسم البيغال , إبتداءا من الطول واللون والمظهر الخارجي , وصولا الى طبيعة الثقافة , إنتهاءا بالاسم الذي يمنح لتلك المرأة , ولا بأس بعد ذلك من تزويدها ببعض الوثائق والصور المزورة التي تثبت أنها أخت أو بنت المارشال فلان أو علان , ثم تعريفها ( عن طريق الصدفة ) على المومأ إليه , لتبدأ حكاية غرام من ناحية , وحكاية تأثير وجمع معلومات من ناحية ثانية .
وقد إستخدمت فرنسا هذه الآلية خلال الحربين العالميتين لتمد نفوذها حول العالم من كاليدونيا الفرنسية في أقصى المحيط الهادي الى قلب أفريقيا ,أما كيف تستخدم فرنسا هذه الآلية في الوقت الحاضر فالله أعلم .
حكايتنا عن البندت جواهرلال نهرو كرجل عاشق , لن تخرج عن هذا السياق , مع فارق بسيط أنها طبخت في مطبخ السياسة البريطاني وليس الفرنسي , ثم جاء كتاب ( ذكريات الهند ) لليدي باميلا ماونتباتن , بتقرير أن العلاقة كانت ( أفلاطونية ) ليجعل الحكاية , تشبه شوربة لحم بقر بريطانية مقرفة ككل الأكل الإنكليزي مضاف لها أكثر مما يجب من الكاري والتوابل الهندية .
مؤلفة الكتاب الليدي باميلا ولدت يوم 19 نيسان 1929 لعائلة أرستقراطية بريطانية مسجلة في سلسلة من لهم الحق بوراثة العرش البريطاني .
باميلا هي الإبنة الصغرى للإيرل لويس ماونتباتن من زوجته أدوينا آشلي , وقد صاحبت والديها الى الهند وبقيت معهما خلال تواجد والدها كنائب للملك البريطاني في فترة ماقبل إستقلال الهند , ثم حاكماً عاماً على الهند عند تقسيمها عام 47 – 1948 .
كتاب باميلا هو ذكريات أيامها في دلهي الذي ذكرت فيه أن والدتها أدوينا كانت على علاقة حب عميقة مع رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو , لكن تلك العلاقة كانت حباً من النوع ( الأفلاطوني ) . سنتحث قليلا عن الهند كدولة ونهرو كأول رئيس وزراء لها , لأن ذلك يعطي خلفية مبررة للشكوك ( بأهداف سياسية محبوكة ) خلف هذه العلاقة العاطفية .
ولد نهرو يوم 14 نوفمبر 1889 , ومنح إسم ( جواهرلال ) ومعناه : جواهر ثمينة , لأن العائلة كانت فرحة جداً لمقدمه بعد ولدين فقدا أثناء الولادة .
عائلته من الهندوس الأثرياء ينتمون الى الطائفة الإبراهيمية , نشأ في بيت يكاد يكون بلاط ملك إسمه ( أناند بهوان ) ومعناها : قصر السعادة , في إحدى المقاطعات التي يحكمها البريطانيون .
تم تعليمه داخل البيت حتى صار عمره 15 سنة , ثم ذهب الى لندن وإلتحق بمدرسة هارو , وهي أحسن مدرسة للأولاد في كل إنكلترا وإجتاز إمتحاناته فيها بمرتبة شرف , ثم دخل جامعة كمبريدج لدراسة القانون .
عاد جواهرلال وكان قد أصبح ثوريا بشهادة القانون الى الهند وصار يعمل مع حزب ( البرلمان الوطني الهندي ) لتحرير الهند , الحزب كان سياسياً , لكنه لم يكن حزباً حاكماً , لأن كل السلطات السياسية كانت بيد بريطانيا التي أسست في الهند منذ القرن 18 ( مجالس إقليمية ) تضم هنودا مشاورين للبريطانيين .
عدد محدود جداً من الهنود إنتسبوا الى الحكومة , ومن أجل أن يدير الهنود أنفسهم بأيديهم قام بعض الهنود بتأسيس حزب البرلمان الوطني الهندي عام 1885 .
وخلال 35 سنة كان الحزب يتولى سياسة التسامح والتعاون مع البريطانيين , لكن الحزب غير هذه السياسة تماما حين عاد غاندي من أفريقيا عام 1915 بعد أن أنهى فيها إحتجاجاً سلمياً ضد إضطهاد الجالية الهندية في أفريقيا البريطانيه , وأصبح شخصية مشهورة ستساعد الأمريكان على تقاسم الهند مع البريطانيين عند تقسيم الهند الى : هند+ باكستان + بنغال بحجة الصراع الهندوسي الإسلامي .. في حين والى حد اليوم يعيش مئات الملايين من المسلمين في الهند , بينما يعيش مئا الملايين من الهندوس في كل من الباكستن وبنغلاديش .
عام 1916 تزوج جواهرلال بطريقة تقليدية جدا بواسطة الأهل , وسرعان ما أنجبت زوجته إبنتهما أنديرا التي أصبحت فيما بعد رئيسة وزراء الهند .
الهندوس يشكلون 83 % من السكان , والمسلمين 11 % بينما تشكل كل الديانات الأخرى 6% المتبقي . إلا أن المسلمين في الهند يشكلون أكبر مجموعة مسلمة تعيش في دولة واحدة في العالم حيث كان يبلغ تعدادهم وقتها ما يقرب 100 مليون مسلم .
عام 1921 زار البريطاني الأمير أدوارد الهند فلم يجد الحشود في إستقباله عند الشوارع , فقام البريطانيون بإعتقال الذين هيأوا الناس لمقاطعة الإستقبال وبضمنهم جواهرلال ورفيقه غاندي . وحين أطلق سراحه من السجن واصل جواهرلال العمل من أجل الإستقلال , لكنه عانى مرات من سجن البريطانيين له , وتغريمه المال , وإلحاق الأذى به .
عندما أصيبت زوجة جواهرلال ( كمالا ) بالسل الرئوي , قامت العائلة بالسفر الى أوربا عام 1926 , وجدها نهرو فرصة للإتصال بمقر ( جمعية الأمم ) في سويسرا , والمؤتمر المناهض للإضطهاد الإستعماري والإمبريالي في بلجيكا عام 1927 .
حين عاد الى الهند عمل مجددا من أجل إستقلال الهند , وإنتخب زعيما لحزبه سنة 1929 , وأخذ على عاتقه مسؤولية إستقلال الهند , فعارضه البريطانيون .
في العام 1928 كان غاندي قد نادى بالهند كدولة محمية تحت التاج البريطاني , حيث ترتبط الهند ببريطانيا سياسيا وإقتصاديا . وخلال عام واحد عاد الى الإحتجاج السلمي مطالبا بإستقلال كامل للهند وحدد له يوم 26 يناير 1930 , لكن أربعة أيام إنقضت بعد ذلك التاريخ ولا من مستجيب , لهذا سار غاندي وأنصاره 200 ميل حول السواحل الهندية محتجين على إهمال مطالبهم , ولمساندة غاندي , أعلن نهرو مسيرات إحتجاج يقوم بها حزبه في جميع أرجاء الهند .
عندها تم إعتقال غاندي ونهرو وإلقائهما في السجن , حين حل يوم عيد ميلاد نهرو وهو في السجن , أصر والده أن يقيم له إحتفال عيد ميلاد ( وطني عام ) في كل أرجاء الهند , حصل من خلاله نهرو على دعم كل الساعين الى الإستقلال . وبموت ( موتيلال ) السياسي الهندي المعروف عام 1931 , صار نهرو من أشهر الشخصيات السياسية في الهند بعد غاندي .
تنازع غاندي ونهرو خلال الثلاثينات على التكتيكات التي يجب إتباعها لتحرير الهند , وبينما كان غاندي يسعى الى الإحتجاج لرفع الظلم عن الهنود قال نهرو (( أفضل الحرية التي يصاحبها العنف على العبودية واللاعنف )) , ثم حمل معه شعار حرية الهند الى تشيكوسلوفاكيا وأثيوبيا وإسبانيا والصين , حيث زار هذه البلدان وتحدث ضد الإمبريالية والفاشية وطالب بإستقلال بلاده .
عام 1939 أعلنت بريطانيا مشاركة الهند في الحرب العالمية الثانية دون سؤال الهنود عن رأيهم , وكان نهرو ضد هتلر , لكنه أعلن من خلال حزبه أن الهنود لن يعينوا بريطانيا في الحرب مالم تعد بإعلان إستقلالهم بعد الحرب . وقام بالتحالف مع غاندي برفع شعار ( غادروا الهند ) عام 1942 , ثم باشر غاندي حملة عصيان مدني سلمية . علق نهرو على ذلك قائلا (( كل ما أريد قوله لهؤلاء البريطانيين والأمريكان الذين يعتقدون أن لا حق للهنود بتقرير مصيرهم , إنكم لم تذوقوا معنى الإستعباد )) .
رئيس الوزراء البريطاني تشرتشل لم يكن راغبا في إستقلال الهند لأنه قال عام 1945 (( أنا لم أصبح رئيس وزراء جلالتها لأشرف على تبديد الإمبراطورية البريطانية )) . لكن الضغط المتزايد من قبل مسلمي الهند الذين يدعمهم الأمريكان جعل مفهوم إستقلال الهند , يعني أنها ستستقل الى دولتين منفصلتين . بينما واقع الحال صار فيما بعد ثلاثة دول هي : الهند , الباكستان , وبنغلاديش .
حين قاربت الحرب العالمية الثانية نهايتها كان على البريطانيين التصرف بحكمة فالهند ( درة التاج البريطاني ) ستطير اذا لم يفعلوا شيئا لحمايتها .
المسلمون موزعون في الهند بين شمال شرق الهند وشمال غرب الهند , ولهذا تأسست لهم دولتان ففي يوم 14 آب 1947 تم تأسيس باكستان الغربية , وتعرف اليوم بإسم ( الباكستان ) وعاصمتها إسلام آباد , وباكستان الشرقية التي تعرف اليوم بإسم بنغلاديش , وعاصمتها دكا . والهند وعاصمتها نيودلهي .
ما هي إعتبارات حصول نهرو على منصب رئيس وزراء , حرم منه غاندي الأكثر شهرة عالمية من نهرو ؟ الإعتبار الأول هو أن نهرو كان من طبقة الأثرياء بينما غاندي من عامة الشعب , والبريطانيون رغبوا أن يكون تحالفهم مع أثرياء الهنود لا فقرائهم لتسليمهم الحكم حتى يحافظوا على الوضع القائم ولا يقلبونه الى شيء آخر ..
الأعتبار الثاني هو أن وصول قيادات ذات أصول فقيرة قد يجعل التنسيق مع الجار الشيوعي ممكناً , ولهذا فبعد أربعة أشهر ونصف من الإستقلال تمت تصفية غاندي جسدياً , أطلق عليه النار متطرف هندوسي خمس طلقات أصابته 2 في بطنه و3 في صدره يوم 30 يناير عام 1948 فأردي قتيلا بحجة تسامحه مع المتطرفين المسلمين .
على حدود الهند مع باكستان وبنغلاديش تقع حوالي 500 إمارة صغيرة مستقلة يحكمها أمراء أو ( مهراجا ) ويدعمها البريطانيون وكان على هذه الإمارات أن تختار الإنضمام الى الهند أو الباكستان , أغلبها إختار الهند , والحكومة الهندية تدفع لأمارائها رواتب عالية طيلة فترة حياتهم , لكن إمارتين ذات أغلبية مسلمة إدعت الحكومة الهندية الحق بهما , رفضتا الإنضمام الى الهند وهما ( كشمير وحيدر آباد ) فأرسل نهرو قوات الجيش لإجبارهما على ذلك , والنزاع الكشميري مستمر حتى اليوم .
وقّع نهرو عن الهند أتفاقيات مع بريطانيا والولايات المتحدة ثم أعلن خطة خمسية لتطوير بلاده , وفي هذه الفترة أطلق عليه لقب ( بندت ) كلمة هندية معناها ( الحكيم ) .
ونأتي الآن الى حكاية نهرو العاشق حيث بدأت فصول الحكاية يوم 22 آذار 1947 عندما وصلت أدفينا مع زوجها لويس ماونتباتن الى سنغافورة في طريقها الى دلهي .
كانت يومها في 44 من العمر وقد تركت سنوات الحرب آثارها عليها لذلك كانت تعقد الآمال على رحلتها إلى الشرق لنسيان التعب المضني الذي تحملته طوال فترة الحرب العالمية الثانية في بريطانيا .
يومها كان نهرو في الثامنة والخمسين من العمر . أرمل فقد زوجته التي أنجبت له ابنته أنديرا , ويشعر بالوحدة رغم كل مجهود العمل السياسي . وكان نهرو مكلفاً استقبال الثنائي الملكي عند وصولهما إلى سنغافورة ، وإصطحابهما الى دلهي . وفي ذلك اللقاء الأول أدى نهرو مهمته على خير وجه بحيث أن السيدة ماونتباتن أعربت عن إعجابها بأدبه الجم وثقافته الرفيعة .
حين استقر الزوجان في مقرهما في دلهي دخل لويس ماونتباتن في دوامة الإستقبالات والإجتماعات مع التيارات السياسية المختلفة ، في حين انصرفت زوجته إلى زيارة القرى الهندية والترحيب بوفود النساء وإقامة حفلات الاستقبال , وكان نهرو ضيفها الأول في تلك الحفلات جميعها .
نعرف ذلك من اليوميات التي كانت إدفينا تحرص على تدوينها ، طوال فترة إقامتها في الهند ، ومن الرسائل التي كتبتها إلى أبنائها الثلاثة في بريطانيا .
وقد عرفت أدوينا أنها ( تحب ) نهرو بعد ( أسبوعين فقط ) من الإستقلال ، في سبتمبر 1947 إندلعت اضطرابات عنيفة في الشارع وأحاط رجال مسلحون بالسكاكين والخناجر ببيت نهرو وهددوه بالقتل . لكنه نزل إلى الشارع واستطاع التفاهم مع المهاجمين ورد اعتداءاتهم ، وقد تأثرت إدوينا بهذا التصرف الشجاع إلى حد أنها انهارت في نوبة من البكاء ، وكتبت في يومياتها : (( يا إلهي إنه سالم وقد نجا من الاعتداء)) .
مؤلفة كتاب ( ذكريات الهند ) الليدي باميلا كانت تنادي نهرو بمحبة بكلمة ( مامو ) بمعنى أنه قريب لها عن طريق والدتها .
وفي فصل كتابها الذي منحته عنوانا جانبيا هو (( علاقة خاصة )) تقول باميلا : كان لوالدتي الكثير من العشاق , وكان أبي معتادا على ذلك . في البداية كان الأمر يكسر قلبه , ولكن لا أدري لماذا كان الأمر مختلفا مع نهرو !! .
ثم تقتطع المؤلفة مقطعا من رسالة كتبها والدها الى شقيقتها الكبرى في حزيران 1948 يحدثها فيها عن علاقة والدتها أدوينا مع نهرو قائلا (( هي وجواهرلال لائقان جدا على بعضهما , وإعتادا على بعضهما بألطف ما يكون , أنا وأختك باميلا نقوم بكل شيء نقدر عليه بلباقة ومساعدة , مؤخراً ماما صارت حلوة بشكل لايصدق , وأصبحنا عائلة سعيدة جدا )) .
كما أوردت باميلا مقطعا من رسالة كتبها نهرو الى والدتها يقول فيها (( فجأة لاحظت – بالطبع أنت أيضا – أن هناك أتصال عميق بيننا . نوع من قوة غير مسيطر عليها أخشاها بشكل غامض , هي التي تقود واحدنا نحو الآخر , كنت مأخوذاً وفي نفس الوقت مبتهجاً بهذا الإكتشاف الجديد . نتكلم بحميمية كما لو أن غشاوة قد إنقشعت , وننظر في عيون بعضنا دون خوف أو حيرة )) .
كانت أدوينا كما تصفها إبنتها باميلا إنسانة منطوية , لكنها تقول إن والديها عملا معا كفريق (( والدي وثق بقراراتها بشكل مطلق , وبالطبع , في أن علاقتها الخاصة مع البندت نهرو كانت مفيدة جدا لوالدي كبرغماتي – فقد كانت هناك لحظات صعبة جدا خلال نهاية تواجدنا في الهند حين وصلت أزمة كشمير الى أقصى مداها ….. البندت نهرو شخصيا كان من أهالي كشمير , لذلك كان يعامل القضية بشكل عاطفي , حين تصل الأمور الى نقاط محددة غامضة , فإن أبي يقول لأمي : حاولي أن تجعلي جواهرلال ينظر الى هذه الناحية البالغة الأهمية …. )) .
طبقا لما تقوله باميلا فإن الإنجذاب المباشر بين والدتها ونهرو تحول الى حب عميق , (( عندما تكون في قمة السلطة وأنت وحيد .. وتشعر بتلك الوحدة , كانت أمي واثقة من ذلك . لكن علاقتهما كانت أفلاطونية وليست جسدية , فهي لم تعقد من أجل ذلك . ولذلك دامت حتى موتهما )) .
حتى حين عادت العائلة الى لندن فإن أدوينا ونهرو كانا يلتقيان على الأقل مرتين في السنة , كما أن أدوينا يمكن أن تزور الهند بشكل خاطف أثناء رحلاتها حول العالم .
أما نهرو فمن الممكن أن يأتي الى لندن لمقابلة رئيس الوزراء والبقاء مع آل ماونتباتن لقضاء أسبوع . وخلال الفترة الممتدة بين عامي 1950 و1957 قام نهرو بثماني زيارات للندن تضمنت كلها سفرات إلى قصر ماونتباتن في ( برودلاند) .
وفي إحدى تلك الزيارات وكان الوقت ليلة صيف ، شوهد نهرو وأدوينا يتعانقان في حقل بعيد . ورغم ما يبعثه الحب من إنتعاش للنفس ، كان الزمن يترك بصماته على صحة إدوينا وتقهقرت حيويتها وإبيض شعرها .
في ربيع 1955 قام أحد المتطرفين بمهاجمة نهرو وطعنه بخنجر. وظنت أدوينا أن نهرو قد فارق الحياة لكنه اتصل بها مؤكدا نجاته من عملية الإغتيال .
وبعد ذلك بسنوات قلائل بدأ نهرو يطرح على بساط البحث مسألة اعتزاله السياسة . فكتبت له أدوينا تقترح عليه إجازة يمضيها في مرتفعات ( كولو) مع إبنته أنديرا .
وكانت تلك الإجازة فرصة لمراجعة النفس ، ولم تنقطع خلالها مراسلاته مع أدوينا ، بل إنه كان يتراسل مع زوجها لويس أيضا . لكنها كانت رسائل مجاملات بين رجلين .
نهرو الذي كتب لأدوينا لمدة مايزيد على 12 سنة كان يكتب رسائله بعد الثانية صباحا حين يتم أعماله , يبدأ رسائله بمقدمة إعجاب أخاذ وشخصي وينهيها بتولع .
وكانت الرسائل يوميات لكل شيء قام به , والناس الذين قابلهم , آماله ومخاوفه , خصوماته وأوهامه , حبه لها كان يعمل مثل ( مخبر سري ) ينقل كل أخبار رئيس الوزراء وبخط يده من الهند الى لندن .
حين دارت أحاديث الناس حول هذه العلاقة كان على الزوج التصرف بحكمة وبشكل لا يسئ إلى التقاليد . تباحث مع زوجته في أمر الطلاق وترك لها حرية القرار . أما خصومها فقد تراهنوا على أنها لن تطلق زوجها اللورد ولن تضحي بالحياة الملكية .
عندما وصلتها عدوى الإصابة بالحصبة من أحد احفادها ، وكانت شديدة الهزال ، سارع اللورد ماونتباتن إلى إرسالها في شتاء 1959 إلى الهند للنقاهة .
تبين في الهند معاناتها من مشاكل صحية كثيرة . رغم هذا وجدت الشجاعة للتوقف في مركز للتدريب العسكري في ماليزيا وزارت الجنود , ووزعت الأوسمة , وصافحت مئات الأيدي قبل أن تستقر في مقر قائد البعثة البريطانية في ( بورنيو) .
صباح الأحد الحادي والعشرين من فبراير 1959 دقت مساعدتها باب غرفتها فلم تسمع رداً حيث عثر على أدوينا ميتة في فراشها .
تقول الليدي باميلا في كتابها : (( وجدنا بجانب سريرها علبة رسائل نهرو . وبكل رغبتها , أوصت أمي بإهداء كل رسائل نهرو الى أبي , الرسائل ملأت حقيبة سفر كاملة , وكان والدي متأكدا أن ليس في تلك الرسائل ما يضايقه , لزيادة التأكد , طلب مني قراءة الرسائل قبل تسليمها له , وقد كانت رسائل مميزة ولا تحوي شيئا يؤذي الوالد .
جاء في التقرير الطبي أن الليدي ماونتباتن قد فارقت الحياة إثر سكتة قلبية فنقل جثمانها إلى إنجلترا ملفوفا بالعلم البريطاني .
في 25 فبراير أي بعد 4 أيام ، وبينما كانت الفرقاطة ( ويكفول ) تنقل جثمان أدوينا ماونتباتن تمهيدا لإلقائه في بحر الشمال حسب وصيتها ، إعترضتها سفينة هندية تحمل على متنها رئيس الوزراء الهندي جواهرلال نهرو الذي ألقى من سفينته ، باقة من أزهار الربيع بإتجاه الموضع الذي غاب فيه رفات حبيبته الإفلاطونية .. ثم مات بعدها بأربع سنوات أي في العام 1964 .
ما هو سر الكشف عن علاقة ربطت شخصين بعد نصف قرن من موتهما ؟ لماذا السكوت طيلة تلك المدة ؟ ولماذا الكلام الآن ؟ من يدري ؟ لسنا متشككين الى حد كبير , ربما محاولة فردية من مؤلفة الكتاب التي تبلغ الآن 79 من العمر لأرشفة حياة والدتها , أو ربما تكون حكاية الغرام هذه بداية براقة للكشف عن ملابسات تم التغاضي عنها أثناء تقسيم الهند قبل 60 سنة .. يراد الآن فتحها من جديد .
ما يعزز الإعتقاد الثاني أكثر هو أن بريطانيا أرسلت الى سفارتها في باريس .. تاج الليدي أدوينا ليعرض على رأس 3500 قطعة مجوهرات بريطانية سيتم عرضها في فرنسا … فيا لمحاسن الصدف .
تابعوا معي بعضا ً من صور الليدي أدوينا وزوجها لويس على هذا الرابط :ميسون البياتي – مفكر حر؟