رؤية جديدة لسفر نشيد الانشاد

1 ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم دوائر فخذيك مثل الحلي صنعته يد صناع.
7: 2 صُرّتك كأسٌ مدورةٌ لا يعوزها شراب ممزوج بطنك بصبره حنطة مسيجة بالسوسن.
7: 3 ثدياك كخشفتين توامي ظبية.
7: 4 عنقك كبرج من عاج عيناك كالبرك في حشبون عند باب بث ربيم انفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق.
7: 5 رأسك عليك مثل الكرمل و شعر رأسك كأرجوان ملك قد اسر بالخصل
7: 6 ما أجملك و ما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات !!
7: 7 قامتك هذه شبيهة بالنخلة و ثدياك بالعناقيد
7: 8 قلت إني اصعد إلى النخلة و أمسك بعذوقها و تكون ثدياك كعناقيد الكرم و رائحة انفك كالتفاح
7: 9 و حنكك كأجود الخمر لحبيبي السائغة المترقرقة السائحة على شفاه النائمين
7: 10 أنا لحبيبي و إلي اشتياقه
7: 11 تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل و لنبت في القرى
7: 12 لنبكرن إلى الكروم لننظر هل أزهر الكرم هل تفتح القعال هل نور الرمان هنالك أعطيك حبي.
7: 13 اللفاح يفوح رائحة و عند أبوابنا كل النفائس من جديدة و قديمة ذخرتها لك يا حبيبي ,
كل علماء الفقه والشريعة الإسلامية يستنكرون أن يكون هذا الكلام من كلام الله أو من كلام سليمان نفسه, وهم أيضا الذين استنكروا بعض المقاطع القرآنية من سورة يوسف(وهمت به وهم بها) وهنالك من ينكر من علماء الإسلام أو من الفِرقْ الاسلامية سورة يوسف بأكملها ولكن هل تعرفون السبب؟ أنا أقول لكم رأيي: هنالك فرق بين ما تؤمن به شريعة البدو وبين ما تؤمن به شريعة الفلاحين, وهذا يشبه إلى حد قريب اختلاف العادات والتقاليد من شريحة اجتماعية إلى شريحة اجتماعية أخرى تتحكم بها طبيعة أنماط الحياة والانتاج ولاحظوا كيف تختلف عادات ومعتقدات بعض الشرائح الاجتماعية مثل الذين يسكنون في أحياء سكنية من الصعب على الفقراء أن يسكنوها,ولاحظوا اختلاف العادات والتقاليد بين القرية وبين المدينة,وفي داخل المدينة اختلاف في العادات والتقاليد من منطقة إلى منطقة, فنشيد الإنشاد كُتب أثناء استقرار العبرانيين في دولة المدينة ولم يكتب وهم في خيام يعيشون فيها على الكفاف وعلى تكفف الناس ومن المستحيل أن يتقبل البدو وهم في الخيام هذا السِفر أو هذا النشيد ,كُتب نشيد الانشاد بعد أن انتقلوا من الخيام التي عاشوا فيها حياة قاسية وهم يتنقلون من مكانٍ إلى مكان بحثا عن المراعي والمياه وكانوا يتصادمون قبل مع البدو من أمثالهم ومع الفلاحين المستقرين حين يغيرون على مزروعات البدو بحثا عن الطعام وإلا هلكوا من الجوع فكانوا يحاربون من أجل أن يأكلوا ويشربوا وتوقفوا عن القتال حين استقروا كما يستقر الفلاحون وأحسوا بعد ذلك بحلاوة الجو وبطراوته وظهر الملك داوود كأول ملك لهم ومن بعده ابنه سليمان الذي نشأ وترعرع في أحضان الملك على حب اللهو وعلى حياة النعيم والترف ومن الطبيعي أن يعيش ابن الملك مترفاً,لقد قاتل الجيل الماضي من أجل أن ينعم الجيل اللاحق لهم بحياة الترف والنعيم وهذه الحياة ظهرت علاماتها في (نشيد الإنشاد)..وفي الفترة التي أصبحت لهم فيها دولة وبالذات أيام سليمان أو الملك سليمان ابن الملك (داوود) لذلك تغيرت عادات وتقاليد العبرانيين وتم مزجها في المجتمعات الزراعية المستقرة,وتبدلت طبيعة مزاج الإسرائيليين حين أكلوا وشبعوا وحين رووا ظمأهم بما لذ لهم وطاب من أنواع الأطعمة والمشروبات, أما الدين الإسلامي فقد جاء من مجتمع بدوي جاف لا يرى قبولا ولا يقبل بأن يتقبل مثل هذا الإنشاد فجاءت آيات القرآن مطابقة لعقلية البدوي الجاف في الصحراء الجافة, ويقال علميا وهذا صحيح 100% أن عقلية سكان الجبال جبلية صعبة وعقلية الفلاحين الذين يعيشون في السهول وعلى ضفاف الأنهار عقلية محبة للنعيم وللرفاهية لذلك شريعة الفلاحين شريعة فيها كل أصناف الرفاهية وعقلية البدو المتنقلين في الصحراء عقلية لا تقبل الرفاهية لأنها أصلا جافة مثل المكان الذي تقطن به.وأنا هنا لا أريد انتقاد ما يقوله المسلمون وما يقوله المسيحيون بل أريد أن أكتب وجهة نظري حول الموضوع والذي أرى أنه من الطبيعي جدا أن يكتب سليمان هذا النشيد(نشيد الإنشاد) ومن الطبيعي أن يعبر الأدب الديني عن حالة الترف التي وصل إليها ولو لم يكن سليمان ملكا ولو كان يسكن في خيمة لا يوجد من حوله ولا من وراءه ولا من أمامه نساء جميلات ومناظر خلابة لَما كتب أصلا نشيد الإنشاد ودعوني أوضح لكم المسألة بعمق أكبر: تخيلوا كاتبا حياته كئيبة ولا يملك مليماً أحمر في جيبه –مثل حالاتي-ولا يقدر على شراء الخبز فهل من المعقول أن تجتمع من حوله المعجبات والمحضيات؟ طبعا مستحيل فالنساء الجميلات أغلبيتهن يبحثن عن المادة(المصاري) ويقدمن أنفسهن للملك لينعمن بمزيدٍ من الرفاهية وهذا ما حدث مع سليمان فعاش حياة مترفة ظهرت هذه الحياة بكل تجلياتها في الأدب الديني,لذلك وصف المرأة في نشيد الإنشاد؟طبعا لا,من المستحيل أن يظهر هذا النوع من الأدب حين يكون سليمان جائعا يتكفف الناس ليساعدوه ولو لم يكن سليمان ملكا لَما جاء نشيد الانشاد بهذه الصورة وهذا النشيد لا يمكن أن يصدر إلا من شخص مُترف ومتهيئة لديه كل سُبل الحياة,ولو كان سليمان في خيمة وسط الصحراء تحيط به الذئابُ والكلابُ من كل ناحية لما شعر بالأفخاذ وبالنهود,كالكاتب المُعدم –مثل حالاتي- تكون كتاباته كلها اكتئاب وتدمع العينين لها ولا تفرح القلب ولا تُدخل إلى داخله السرور والسعادة لذلك لا يوجد غرابة أن يظهر الترف فيما كتبه سليمان من نشيد الإنشاد وهو ملك دولة قوية تحيط به 500امرأة من كافة الألوان كرئيس دولة مثل دولة إسرائيل في ذلك الوقت,وبصراحة؟نشيد الإنشاد أصدق نص ديني يعبر عن الحياة العامة وليس فيه أي كذب, فهو كتب روح العصر الذي ولد به وما مارسه سليمان وما كتبه كان بالفعل صادقاً بكل حرف كتبه وهذا أكبر دليل يجعلني مؤمنا بالعهد القديم وبالعهد الجديد لأن كل ما قرأته بالعهدين تعبيراً صادقا عن الحياة العامة.
أنا لست أدري كيف بعلماء مسلمين يدعون أنهم علماء وينتقدون نصوص دينية أدبية أو أدبية خالصة دون أن يقرؤوا روح العصر الذي كتبت به, فأنا حينما أريد قراءة أديب ومفكر أو فيلسوف أول شيء أعمل عليه هو قراءة الواقع السياسي الذي عاش به ومن ثم قراءة ودراسة الحياة العامة وتحليلها (ابستيمولوجيا) أي معرفيا تلك الحياة التي تحيط بالمكتوب عنه من كل الجوانب وهذا قبل أن أكتب كلمة واحدة عن الشخصية التي أنوي دراستها ومن هنا ومن هذا المنطلق نستطيع أن نعتبر إنكار نشيد الإنشاد إنكارا غير علمي لأنه أولا وأخيرا لم يأخذ النقاد بقراءة روح العصر الذي عاش فيه سليمان, وحتى القرآن نفسه نقل عن العهد القديم وعن العهد الجديد بصورة مختلفة فأضاف إلى الملك سليمان شخصية أخرى مناسبة لروح العصر التي كُتب فيها القرآن فقام بتصوير كل الأنبياء تصويرا ملائما لواقع الحال في مكة والحجاز وتهامة وهذه اللعبة حتى يتقبل العرب الشخصية المكتوب عنها, وعلى فكرة كل المجتمعات لها أخلاق خاصة فيها وما أراه أنا عيبا لا تراه أنت عيبا, وما أراه أنا فضيلة من المحتمل أن تراه أنت رذيلة,لذلك لم يعترض العصر الذي عاش فيه سليمان على نشيد الإنشاد بل رآه شيئا طبيعيا لملك تحيط به الحسناوات من كل النواح ومن شتى الاتجاهات وهذا البذخ والترف الذي يظهر في الإصحاح السابع من نشيد الإنشاد ما هو إلا تعبيرٌ حقيقيٌ عن روح العصر الذي عاش فيه سليمان, وبالمناسبة هل يعرف أي أحدٍ منكم أن يحدد لي ما هي الفضيلة وما هي الرذيلة؟ فهل أعمالي أنا مثلا غير أخلاقية؟وهل كتاباتي حمقاء وهل أخلاقي سيئة؟ ربما يراها كل شخص بمنظاره الخاص وأنا كذلك أراها بمنظاري الخاص.
ولقد أفتى الفيلسوف الوثني أفلاطون عليه رحمة الله في هذه المسألة عندما كتب نظريته عن المُثل حين قال:إننا لا نستطيع أن نصف أي عمل بأنه عمل خير إلا إذا عرفنا أولا ما هو الخير ولا نستطيع أن نحكم على أي عمل بأنه عمل شر إلا إذا قمنا أولا وأخيرا بتعريف الشر وتحديد هويته وما هيته.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.