لقاء صحفي لصحيفة اللومانيته الفرنسية مع الناشطة النسوية الإيرانية شهلاء شفيق: ترجمة عادل حبه
أضحى موضوع الإسلام والإسلاموية البحث الساخن في أروقة الإعلام الفرنسي في عام 2016. وقد أجرت صحيفة اللومانيته الفرنسية لقاءاً مثيراً مع شهلاء شفيق ننقله للقارئ الكريم.
ماهي وجهة نظركم حول الحجاب الإسلامي؟
– فلسفة الحجاب موجودة في الأديان الثلاث، الدين اليهودي والمسيحي والاسلام، والهدف منه هو حرمان الرجل من النظر إلى المرأة. ولكن البحوث تشير إلى أن حجاب المرأة ما هو إلاّ انعكاس للواقع الاجتماعي والسياسي في المجتمع. ففي اللحظة التي ينتقل المذهب من الميدان المعنوي ويتحول إلى قانون لإدارة الحياة الفردية والمجتمعية للبشر، تبدأ عملية أدلجة الدين. ومن هنا أصبح الحجاب الراية التي يرفعها الأسلاميون ضمن مشروع سياسي. إن انتشار وبسط الإسلام السياسي منذ العقد السابع للقرن الماضي في العديد من دول الشرق الأوسط له علاقة منهجية مباشرة بأدلجة الدين. ونرى ذلك في بعض الدول ومنها مصر وايران والجزائر وتونس والمغرب. لقد دخلت إلى الميدان الأيديولوجية الاسلاموية نتيجة للفراغ الثقافي السياسي جراء سيطرة الأنظمة الديكتاتورية وضعف الحركات التي تضع الإنسان كمحور لها. وكان هدف الاسلامويون هو التأثير على القوانين والمكاسب العلمانية، ثم الاجهاز بشكل كامل على كل ميادين الحياة وفرض نظام اسلامي، سواء طريق الترويج، أو عن طريق الانتخابات أو عن طريق العنف واستخدام السلاح.
ما هي العلاقة بين انتشار الحجاب والحالة الاجتماعية والسياسية في المجتمع؟
– لربما من الأفضل البدء بالسؤال التالي، لمذا فُرض الحجاب المقدس على النساء فقط؟ بهذا السؤال سوف نصل إلى الجانب الجنسي للمسألة. إن القوانين الاسلامية (الشريعة) تراقب مسألة الفصل بين الجنس. ويشير القانون الاسلامي حول المرأة بشكل واضح إلى إن الرجل والزوج هو رأس العائلة، في حين يجب أن تلتزم المرأة والبنت والأخت والزوجة بطاعة الرجل بذريعة الحفظ على مصالح العائلة. وتنص جميع القوانين الدينية على خدمة النظام الأبوي، وهذا ما يتناغم مع النظام التعسفي للحكم الذي يخدم غاياته. ولذا، فعلى الرغم من أن هناك نص في دساتير بعض الدول على المساواة بين الرجل والمرأة، ولكننه يجري الالتفاف على هذا النص عند سن القوانين الخاصة بالعائلة وحقوق المرأة. فعلى سبيل المثال فإن قانون العائلة في الجزائر الذي شُرّع عام 1984 قد صيغ نتيجة للمباحثات مع الاسلامويين. وعمدت الحكومة الجزائرية إلى الخضوع للقيود الأيديولوجية والمذهبية من أجل الحفاظ على مواقعها. ففي الدول المعروفة بالاسلامية، تستخدم الأنظمة الديكتاتورية بمثابة وسيلة من أجل مد الجسور مع الإسلامويين. وهذا يصبح أشبه بالسكين الذي يمكن الإسلامويين من استغلاله من أجل تحكيم وتعزيز مواقعهم في المجتمع، بما في ذلك الإيقاع بهذه الحكومات.
كيف يتحول الحجاب إلى رمز للمشروع السياسي للاسلامويين؟
– يعمد الاسلامويون إلى الدعاية بأن الحجاب هو بمثابة أساس ورمز، وهو يعزز شأن المرأة ومكانتها. وهم يدعون بأن الحجاب يجعل المرأة أكثر عزة وحفظاً ومكملة للرجال. ويؤكد هؤلاء بأن المساواة ” الغربية” لا تتلائم مع “الثقافة الاسلامية”، ولذا يجب التخلي عنها. هذا في حين أن المساواة بين الرجل والمرأة هي قيمة عالمية تشمل كل البشر في شتى بقاع العالم. إن الأسلامويون يفسرون عن عمد حرية المرأة على أنها ضرب من الفحشاء ويعلنون إن النموذج الذي يطرحونه يضمن للعائلة أمن النساء. ويمكن أن يغدو هذا الطرح في ظروف الأزمات الاجتماعية خياراً لبعض النساء الباحثات عن الهوية أو عن مصادر أمنهن. وعندما يطرح الاسلامويون المعايير الجنسية، فإنهم يدّعون الحفاظ على “أمن” و “كرامة” المرأة. إن هذا البديل الأيديولوجي، حيث يوجد فراغ في الثقافة السياسية، يمكن له أن ينتشر في المجتمعات سواء أكانت اسلامية أو في بلد أوربي كفرنسا.
إذن الحجاب هو أكثر من ملبس؟
– يمكن لتحجب النساء أن يكون له دوافع متفاوتة. ولكن على أي حال، فالحجاب هو مؤشر على الجنس وتعبير عن الأنوثة في أعين الرجال، بشكل يحد من جسم المرأة كأداة جنسية. وفي الوقت نفسه، يطرح الاسلامويون حرية المرأة على أنها أمر شيطاني يشكل مصدراً للفساد الاخلاقي وتدهور العائلة. إنهم يصورون حرية المرأة على أنها من واردات “الغرب الكافر”، في حين يصورون الحجاب كخندق للحفاظ على المرأة.
ولكن هناك الكثير من النساء يختارون الحجاب؟
– بالطبع، هل أنه يرجع إلى الانتخاب أم الإجبار؟ ولكن يجب أن لا نتصور بأن كل مرأة محجبة هي اسلاموية. بالعكس، فقد أصبح الانسان يعيش في دائرة ضيقة، ويجب الأخذ بنظر الاعتبار البيئة التي تعيش فيها المرأة وما يحيطها من ظروف اجتماعية وسياسية. إن بعض علماء الاجتماع والمثقفين يتوقفون عن النقاش حول الحجاب عند الحديث عن الانتخاب، في حين أن انتخاب الحجاب لا يشبه بانتخاب لون الماتيك على سبيل المثال. لأن الحجاب أصبح محور للجنس بأسم المقدس الديني وجرى فرضه على النساء. وتبعاً لذلك، أضحى جسد المرأة مصدر للوساوس والاثم. إن هذا الطراز من التفكير يحول الرجل إلى موجود لا يمكن السيطرة على ذكوريته. وعليه تتخذ الرابطة بين المرأة والرجل وجهة “شيطانية”. فماذا يترك هذا النمط من التفكير من تأثيرات ونتائج في إطار حرية المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة؟ هذا سؤال محوري ينبغي تقديم الأجوبة عليه.
لماذا أصبح جسد المرأة يشغل بال الاسلامويين على هذا القدر؟
– في ثنايا كل الثقافة الذكورية، هناك صورة مزدوجة عن المومس والأم. فهم يعتبرون أن الأم في إطار العائلة تحتل مكانة رفيعة. أما المرأة الحرة فإنهم يقارنونها بالمومس، وإن الحرية الجنسية متساوية مع البغاء.
– . وتنظر كل الثقافات الذكورية نظرة سيئة إلى فكرة أن تصبح المرأة صاحبة اختيار بدنها. ويبلغ الاسلامويون بوجهة النظر هذه من أجل فرض نهجهم في اقرار النظم والنظام الرجعي في المجتمع؛ هذه النظم والنظام الذي وضعه القادر لمكانة المرأة والرجل منذ البداية حسب آراء الأصوليين. ويدعو الاسلامويون إلى شيوع هذه النظم والنظام في كل نواحي الحياة من أجل فرض نظام توتاليتاري بأسم الخالق. إن سلسلة المراتب الجنسية قائمة على نظام الطاعة، والاسلاميون يسعون إلى فرض مثل هذا النظام.
هل أن مثل هذا التفكير يسود في ذهن جميع الاصوليين من شتى المذاهب؟
– بالضبط، فالخطوط الاساسية لمثل هذه الأفكار تشمل جميع المتطرفين من شتى المذاهب، ونجد ما يسمى بـ”النظام الأخلاقي” عند المحافظين الساعين إلى بلورة أيديولوجية قائمة على المذهب. فالتمييز الجنسي والخشية من المساواة في الجنس هما مكونان أساسيان لهذه النظرة. والسبب يعود إلى أن النظام الذي يسعىى إليه الرجعيون سينهار في ظل القبول بحرية المرأة والمساواة في حقوقها، ولذلك فهم يعتبرون ذلك أمرأ مرفوضاً. ويعتبر الأصولويون أن جسد الرأة مصدر شر ولا يعطى الحق للمرأة في خيار جسدها. وتشن الآن في بعض البلدان، كمثال بولونيا، حملة ضد اسقاط الجنين. وشهدت فرنسا عبر مسارها التاريخي لإرساء النظام العلماني أحداثاً عاصفة من الصراع مع الكنيسة، هذا النظام العلماني الذي مهد للمساواة بين الرجل والمرأة في العائلة ووفر الرضى لدى الكاثوليكيين أيضاً من النساء والرجال. إن الأصوليون اليهود يعادون بشدة اختلاط الرجل يالمرأة، واستمر الصراع داخل اسرائيل لفترة طويلة حول الاستخدام المشترك لحافلات النقل من قبل الرجال والنساء.
لماذا لا يتحدث الأسلامويون عن الشعب، بل يتمركز حديثهم عن الأمة؟
– لقد حول الاسلاميون المفاهيم الدينية إلى أيديولوجية بما فيها مفهوم “الأمة” الذي أضحى تعبيراً عن جماعة من البشر من لون واحد كبديل لمفهوم ” الشعب”. إنه استحالة لمفوم نابع من أسس النظام السياسي الذي ينشدونه؛ نظام قائم على التعسف والتجبر ويعتبرونه ناشئ من الفرامين الإلهية التي تجبر أفراد ” الأمة” على الطاعة والخضوع. في حين أن المجتمع في النظام الديمقراطي هو حصيلة وحدة الأفراد الذين يتحلون بالاستقلاية، أفراد أحرار ومتساوون. في حين في النظام الإسلاموي، وخاصة حسب رواية الحاكمين باسم الدين فإن وحدة الأمة قائمة على الانتماء الديني وإن الاسلامويون هم ممثلي الله على وجه الأرض.
هل أن النساء هم مستقبل هذه الأمة؟
– كلا! أنهن يُعتبرن كحراس لهذا النظام. فالأنظمة الأبوية، من أجل بقائها واستمرار تقاليدها، تحسب الحساب لدور النساء في العائلة. لأن النساء هن من يتولين تربية الأولاد والعائلة التي تعتبر الخلية الأساسية للأمة. ومن المثير هنا أن معارضة المساواة في الجنس عند تشكيل العائلة، توحد جميع الأصوليين من شتى المذاهب في مواقفه الرافضة.
هل توجد ميول جديدة بين الاسلامويين تجاه النساء؟
– يواجه الاسلاميون في الظروف الراهنة نساءاً حصلوا على حق التعليم والعمل. وقد التفت بعض الاسلامويين إلى هذا الواقع، خاصة وإن التيار الإسلامي يشتمل على فروع مختلفة من ” الليبرالي” إلى ” الراديكالي”. ويعتبر بعض الاسلامويون الحجاب مرادفاً لسجن المرأة في فضاء البيت، ولا يقرون بابعاد المرأة عن النشاط العام في المجتمع ومحيطه العلمي والعملي. ويذهبون إلى أبعد من ذلك ويؤكدون ويطالبون بالسماح للمرأة بعيداً عن الوساوس الدنيئة كي تبني بيت العائلة بشكل مشترك وعلى أساس الأصول والموازين الاسلامية. وفي هذا الإطار يعتبر هؤلاء أن الحجاب الاسلامي هو خندق لمواجهة ” الفوضى الجنسية والأخلاقية” من ناحية، ومن ناحية أخرى وسيلة لاحياء “شأن ونزلة” المرأة وتجنب تحويل المرأة إلى بضاعة. وعلى هذا الأساس يرى هؤلاء أن الحجاب هو شرط لولوج المرأة في المجتمع. وكما يدعي طارق رمضان وأنصاره:”أن الحجاب هو جواز المرأة المسلمة كي تصبح مواطنة”. وهنا يطرح السؤال التالي، لماذا تحتاج المرأة إلى جواز كي تولج في فضاء المواطنة؟ في الواقع أن النساء كسبن بعض الحقوق، ويعمد الاسلامويون إلى تطبيق استراتيجيتهم مع هذا الوضع كي يعملوا على تعبئة النساء صوب تطبيق مشروعهم الاسلامي.
لماذا يعد النضال من أجل حرية المرأة على هذا القدر من الصعوبة؟
– لقد أدركت نشيطات الحركة النسوية أن تحرير المرأة لا يمكن أن يتحقق إلاّ بالربط بين المساواة في الحقوق وبين الحرية. فبدون هذا الربط الوثيق، فإن تحقيق المكاسب القانونية للمرأة سيواجه بموانع اجتماعية وثقافية، لأن تاريخ المرأة هو تابع للمسيرة التاريخية وسلوك البشر. من الصحيح القول أن القوانين يجب أن تتجدد، ولكن يجب تغيير الذهنية كي يصبح من الممكن تحرير المرأة. فعلى سبيل المثال، فإن تحقيق مبدأ خيار المرأة على جسدها وروحها لا يكفي بسن قانون يسمح للمرأة بأسقاط الجنين، بل يجب العمل بشكل دؤوب ومنظم من أجل المساواة بين المرأة والرجل وتأمين الحقوق والحريات الجنسية. وإن تأمين الحريات الفردية هو شرط أساسي لنشر هذه المعارف، خاصة وإنها تلامس القضايا الشخصية للإنسان كالجسد والعلاقات الجنسية والحب والغريزة الجنسية. فهل من الممكن تناول هذه القضايا دون الاعتراف الرسمي بالحرية باعتبارها قيمة مشتركة بين البشر؟ إن وضع المرأة على صلة وثيقة بهذه الحرية، وإن أي نموذج اجتماعي يجب أن يجيب على هذا السؤال. وفي الواقع إن قضية تغيير ظروف المرأة وتحسينها يضع بناء الأنظمة الاجتماعية والسياسية تحت علامة سؤال.