إنعام كجه جي
هناك بطاقات يسعدك أن تجدها في بريدك، ومنها الدعوة الأنيقة لحضور معرض عن أدوات الكتابة تنظمه الملحقية الثقافية السعودية في باريس حاليا. وتحمل البطاقة صورة قارورتين للحبر تعودان للقرن الثامن عشر وقصبتين للخط من ريش الإوز. أي أنامل مباركة صاغت هاتين الدواتين أو أطبقت على الريشتين؟ وماذا كتبت بهما؟
جميل أن هناك من ما زال يهتم بالكتابة اليدوية في هذا العصر الإلكتروني، ويقيم عنها المعارض والندوات التي تجمع أهل الشرق والغرب.
لقد فقد ساعي البريد جاذبيته ولم يعد يحمل، غالبا، سوى الفواتير وقوائم الضرائب وغرامات السيارات، بعد أن كان «البوسطجي» بشيرا للعائلات، ينتظرون مروره ويتلهفون لما سيحمله إليهم من خط عزيز مسافر أو مهاجر.
في السابق، كنت تتعرف إلى الكاتب، أو «المُحبِّر» حسب الأستاذ سمير عطا الله، من ذلك النتوء اللحمي في طرف الإصبع الوسطى والناشئ من شدة الضغط على القلم. كما كان المثل يضرب بحسن خط فلان أو بتميز لون حبر فلانة. أما اليوم فقد ساوى الحاسوب بين الخطوط وداوى النتوءات في أصابع المحبرين والمحبرات.
في خطوة متوقعة منه، طلب الأرشيف الوطني الفرنسي من مكتب الرئاسة الاحتفاظ بكل ورقة أو مسوَّدة خطاب بخط الرئيس هولاند، حتى تلك التي خربش عليها ملاحظات أو هوامش أثناء حملته الانتخابية. وهي عادة قديمة في بلدان تحتفي بالكتابة ولها أسواق ومتاحف ومزادات دورية للرسائل والمدونات والمخطوطات.
وقد اقتنت المكتبة الوطنية الفرنسية، قبل أيام، مفكرة نادرة تعود للكاتب مارسيل بروست، صاحب «في البحث عن الزمن المفقود» لم يسبق لمحتوياتها أن نشرت من قبل. ولم تكن المكتبة تملك ثمن المفكرة فخاطبت المحسنين الذين تطوعوا وأهدوها لها. وهناك عشاء سنوي يقام لهؤلاء، يحضره القائمون على المشاريع الثقافية والباحثون عن تمويل لها. وينتهي الحفل بأن يخرج المدعوون دفاتر صكوكهم ويقدموا المنح لهذا المتحف أو تلك المكتبة. وبالمناسبة، يطلق على المحسن في اللغة الفرنسية لفظ «ميسين» الذي يشي بأصله العربي.
إن للمخطوطات عشاقها وجامعيها. وبينهم من يستعد، منذ الآن، لمزاد يقام أواخر العام في مدينة فونتنبلو الملكية، قرب باريس، حيث ستباع رسالة مشفرة مؤرخة في العشرين من أكتوبر (تشرين الأول) 1812 وموقعة بإمضاء نابليون الأول.
وتكمن قيمة هذه الوثيقة في أن الإمبراطور الفرنسي يهدد فيها بقصف موسكو بالمدفعية وقلب عاليها سافلها. وقد مضت 200 سنة على حملة نابليون على روسيا وانكفائه عن موسكو، لكن رسالته ما زالت تثير الدهشة والشغف.
وفيما يخص العرب، فإن أهم ما سيعرض في مزاد فونتنبلو خطاب مكتوب بيد الجنرال ديغول، ألقاه في جامعة دمشق في التاسع والعشرين من يوليو (تموز) 1941، وأعلن فيه للسوريين واللبنانيين أن فرنسا ستفي بالتزامها وتنهي انتدابها على سوريا.
وبعد سنة من ذلك التاريخ وجه ديغول نداء من الإذاعة اللبنانية أكد فيه للسوريين واللبنانيين أن الوجود الفرنسي هو الضمانة الوحيدة لحصولهم على الاستقلال المقبل، أي عند انتصار بلده وبقية الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
منقول عن الشرق الاوسط