محاضرة بعنوان ‘دبلوماسية العموم بعيداً عن نظرية المؤامرة’ ألقيتها أمس في الجامعة الأميريكية في بيروت، وقد تضمنت المحاضرة عدداً من الأمثلة التي أعتز بها.
دبلوماسية العموم بعيداً عن نظرية المؤامرة.
سامي الخيمي Sami Khiyami
بعد أن أتقدم بالشكر لزميلي جرجي بشير والسيدة مايا أبي شاهين على التكرم بدعوتي لهذا اللقاء مع ال
AUB Seniors.
أود أن أبدأ كلامي بتقدير خاص لهذه الجامعة العظيمة التي كان لها فضل على عائلتي ففيها درس والدي الطب بعد أن دخل إليها عام ١٩٢٨ وفيها درست الهندسة ثم درست فيها بنات أخي الثلاث.
تعلمت منها أربعة أمور ساعدتني في حياتي المهنية والعامة:
الثقة بالنفس
حب العمل والتفاني فيه
حب الإنتماء إلى مجتمع متنوع وقبول الآخر
التعلق بالديمقراطية رغم حبي لوطني وحرصي على الدفاع عنه.
نظرية المؤامرة:
نلاحظ أن هذه النظرية تستحكم بجل فكرنا السياسي والديني والإجتماعي.
وغالباً ما نعزي معظم مصائبنا وشعورنا بالمظلومية إلى التآمر الخارجي علينا دون أن نواجه تقصيرنا الذاتي في بناء مستقبلنا.
وتكون هذه النظرية ملازمة عادة لردود أفعال المجتمعات الضعيفة أو التي لم تُمارس عملية بناء الإنسان الصحيحة أو تطوير مفهوم المجتمع السياسي فيها.
وقد أصابتنا نظرية المؤامرة بسلبياتها من جهة عندما نشأت اسرائيل وبدأت عملها التخريبي في المنطقة ومن جهة أخرى بسبب إصرارنا على إضفاء الصفات التي إذا ما إجتمعت (وأكرر إجتمعت) في شعب فستؤدي إلى تشجيع معاداة الأمم المتقدمة له. على الأقل، هذا ما تؤمن به كثرة من شعوبنا. هذه الصفات هي:
– شعور مبالغ به بمظلومية هويتنا القومية يجعلنا نميل إلى تطرف قومي غير مدعم فكرياً (أزمة الهوية).
– تأثر دين الأغلبية لدينا ببعض الأفكار السلفية التي تعطي الإنطباع بأن هذا الدين لا تقوده مجتمعات متقدمة.
– إنتماؤنا العرقي الإجمالي إلى الشعوب السمراء رغم تنوع ألواننا في بعض الحالات.
ولذلك نرى بأن كثيراً من السياسيين وفقهاء التحليل والنَّاس الآخرين يميلون إلى إعتبار المؤامرة سبباً رئيساً في كل ما يحدث لنا، ويتباهون بأنهم ضالعون في فهم هذه المؤامرة ويقترحون طرقاً إفتراضية للتصدي لها. وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى إرتكاب أخطاء كبيرة في إتخاذ الإجراءات التي يمكن أن تنقل شعبنا رغم الصعوبات إلى مصاف الأمم المتحضرة.
وهنا يجب أن نشير إلى أنّ الأمم كلما كَبُرَت وزاد نفوذها، كلما شعرت بأنها تتحكم بالآخرين دون الحاجة إلى الكثير من التخطيط. وهذا لا يعني أنّ مراكز بحوثها لا تقوم بدراسات مستفيضة عن خطط وسيناريوهات محتملة لمواجهة الخصوم المحتملين أو المنافسين الطامحين، لكنها لا تعتمد على مثل هذه الخطط إلا إذا دعت الضرورة لذلك.
لنأتي الآن إلى مزايانا وعيوبنا:
– تمتلك شعوب بلاد الشام مقدرة تجارية وحنكة إجتماعية متميزة.
– الذكاء الفردي في بلادنا مرتفع لا يضاهيه سوى قلة تنظيمنا وانحسار ذكائنا الجماعي.
– نحن لا نبذل جهوداً حقيقية في سبيل بناء الإنسان (ثقة بالنفس، مواطنة، العمل الجماعي، مساواة الجنسين).
– نحن شعوب تستهلك أكثر مما تنتج، ولا تستفيد من فترات الهدوء التكنولوجي من أجل التخفيف من الفارق التكنولوجي والإنساني الذي يفصلنا عن الأمم التي تسبقنا.
– نحن نحتاج الى التشميل
Inclusivity
في النظام العالمي وأن لا نصنف ضمن أمم القاع الواقعة بين الغرب المتقدم والشرق الآخذ بالتطور الجدي.
ولذلك يجب أن نؤمن بأنّ المؤامرة موجودة لأننا من جهة نرفض هيمنة إسرائيل على منطقتنا ومن جهة أخرى نُظهر للعالم صفات يؤدي إجتماعها إلى إستبعادنا من ركب الحضارة الذي يدير العالم.
وبينما يجب أن تعمل شعوبنا على إستدراك نواقصها ومعالجة أمراضها ، فإن اللجوء إلى دبلوماسية العموم تسمح للدبلوماسيين بأداء دور هام في توجه هذه الشعوب عند تمثيلهم لبلادهم في الدول المتقدمة، عوضاً عن التباكي باستمرار على حظهم العاثر نتيجة إحتدام المؤامرة على بلادهم.
دبلوماسية العموم.
Public Diplomacy
هي الديبلوماسية التي تستخدمها الدول لإكتساب القوى المجتمعية والرأي العام في الدول الأخرى لصالح مواقفها وسياساتها.
تعتمد دبلوماسية العموم على الإعلام وتقانات التواصل الإلكترونية وعلى الإتصال المباشر مع الهيئات غير الحكومية والأحزاب واتحادات العمال والمؤسسات الثقافية والإقتصادية والدينية والعرقية وعلى الأفراد والشخصيات الفاعلة لإحداث تأثير غير مباشر على سياسات الدول الأخرى. تعتبر هذه الدبلوماسية إحدى أنجع الوسائل للوصول الى الأبعد
outreach
والإقناع وتغيير المفاهيم.
الدبلوماسي الناجح اليوم هو الذي يركز معظم إهتمامه على مجالات دبلوماسية العموم.
وقد تضمنت تجربتي الشخصية المجالات التالية:
• الإعلام: محاورة الإعلاميين، إكتساب صداقتهم، إجراء أكبر عدد من المقابلات الإعلامية والمحاضرات.
• حضور مؤتمرات الأحزاب السياسية والمشاركة في ندواتها الحوارية ودعوة ممثليها الى المناسبات الوطنية.
• المشاركة في اجتماعات الفعاليات الإقتصادية وإقامة ندوات خاصة بالإستثمار والتسويق.
• السعي إلى إقامة ندوات في البرلمان الوطني أو المشاركة فيها.
• إقامة فعاليات ثقافية تتضمن حفلات مسرحية وحفلات موسيقية وندوات شعرية وحوارات مع الهيئات الثقافية ولقاءات مع المثقفين المعروفين.
• التواصل مع الجامعات ومراكز البحوث والقاء محاضرات فيها.
• بناء قاعدة بيانات هامة لكل من يتعامل مع سفارة الوطن ودعوتهم إلى المناسبات الوطنية والإقتصادية والثقافية والدينية والسياحية.
• إقامة علاقات مميزة مع الهيئات الروحية والكنائس والجمعيات الدينية.
• الإكثار من الجولات في المناطق وإلقاء محاضرات التعريف بالوطن وزيارة طلابه ومساعدتهم.
• استخدام وسائل التواصل الإلكتروني في حملات وطنية سياسية وسياحية وأحياناً ثقافية.
• العناية بالجالية وتنظيمها والمساعدة على تأسيس جمعياتها المهنية والعامة وتقديم الخدمات لها لكي تزيد مشاركاتها في العمل العام في بلادها.
• إقامة علاقات متكررة مع المتاحف وإقامة نشاطات مشتركة معها.
• الحرص على تسريع العمل في القسم القنصلي لرفع سوية الخدمات للجالية ولسواح البلد المضيف للسفارة.
• متابعة التطورات السياسية والإقتصادية والإجتماعية في البلد المضيف والمشاركة في إبداء الرأي حولها.
• الإكثار من الدعوات إلى عشاء ونقاش لأغراض التواصل الإعلامي والثقافي والسياحي والفكري.
• محاولة تحقيق بعض النجاحات في دبلوماسية العموم. أمثلة: شافع أبو ريشة والمأساة الأرمنية، مشكلة ال%99، حملة الجولان الإعلامية، الحاخام والنساء، المفتي والكاردينال، باعة متجولون …
خاتمة:
نظراً لإزدياد التواصل المباشر بين الدول وتطور تكنولوجيا الإتصالات، أصبحت دبلوماسية العموم تستحوذ على الحيّز الأكبر من العمل الدبلوماسي في الدول المتقدمة.
ومن المفيد في هذا المجال تجنب إظهار أي شعور بالمظلومية المفرطة وتقديم صورة عن وطن يسعى للخروج إلى النور مع تجاهل عقدة المؤامرة إلا عند الضرورة القصوى.