خبايا العهد – 2: عندما هاجم خامنئي الأسد

faqihassadدخل قائد الجيش العماد ميشال سليمان بعد أحداث السابع من أيار بورصة المرشحين للوصول الى قصر بعبدا. علاقته الحسنة بالجميع وإن شابها خلال فترة قيادته المؤسسة العسكرية بعض المطبات بدت متماسكة. في قطر اتفق على اسمه، وفي بيروت التأم المجلس النيابي ليصبح اتفاق الدوحة نافذاً بحضور عربي لافت. أقسم اليمين، وتلا خطاب القسم الذي تضمن جملة ثوابت وطنية رئيسية.في القسم الأول من ولايته بدا سليمان كمن يسير على الجمر، مراعياً كل الأطراف، قبل أن ينقلب البعض على سليمان، في محطات كان لا بد لرأس الدولة من أن يكون حاسماً فيها، من قضية ميشال سماحة، إلى الإعتداءات السورية على بعض القرى الحدودية، وصولاً الى تدخل بعض الأطراف اللبنانية في الصراع السوري، على الرغم من التزام الجميع بـ”إعلان بعبدا”، الذي يعتبره سليمان الى اليوم أحد أبرز إنجازات عهده.العلاقة بين بين سليمان وبشار الأسد وفق ما يقول سليمان لـ”المدن”، وهو يقلب صفحات دفتر المذكرات، قديمة، تعود تحديداً الى إلى ما قبل رئاسة الإثنين. تعارفا في العام 1996، عندما كانا ضابطين، في أوج مرحلة التنسيق بين الجيش اللبناني والجيش والسوري، ومن يومها إلى الآن مرت العلاقة بمراحل متناقضة ومتضاربة.

يكرر سليمان توصيف الأسد بأنه “صديق”، يقول إنه اليوم في وضع لا يحسد عليه، وهو بشخصه جيد، وقابل للتطور وللديمقراطية لكن هناك “ماكنة” تعمل حوله بتصلب. ويأسف لما وصلت إليه الأمور في “الدولة الشقيقة” على الرغم من النصائح التي أسداها من أجل تجنب ما حصل، ومنها منح الديمقراطية للشعب السوري، بعد إنطلاق الحراك في سوريا، كإجراء إنتخابات بلدية، وكان الاسد يوافق على ضرورة منح الشعب الديمقراطية، وكان شديد الإعجاب بتجربة ملك المغرب محمد السادس، وكيف استطاع تلقف التحرك الشعبي، لكنه كان يعتبر في المقابل أن الشعب غير جاهز لذلك، وحجّته كانت معروفة أن هؤلاء هم تكفيريون ومتطرفون، ووجود البعض من هؤلاء أفسد المعارضة السورية.

يعود سليمان في الحديث عن العلاقة مع الأسد إلى الإشكال بينهما، الذي بدأ مع توقيف ميشال سماحة، بتهمة نقل متفجرات، علماً أنه كان مندوباً رسمياً بينهما. حينها إنتظر سليمان اتصالاً من الأسد لتوضيح ما جرى. لم يتهم سليمان سوريا بل فقط سماحة مستخدماً آنذاك تعبير: “الله نجى البلد من مخطط تدميري”، لكن بعد ذلك انهالت المواقف الهجومية والتخوينية عليه، على الرغم من أن سليمان اتصل بالأسد إثر تفجير مبنى الأمن القومي في دمشق، وقدم له التعزية، وكان ينتظر أن يبادره بالمثل لكنه لم يفعل.

كان سليمان يتوقع اتصالاً على الأقل لـ”رفع العتب”، كما اتصل به سليمان إثر صدور الإستنابات القضائية السورية بحق شخصيات لبنان، وحينها قال له: “فخامة الرئيس نحن في مرحلة مصالحة والرئيس سعد الحريري ذهب إلى سوريا، فلماذا هذه الإستنابات الآن”؟، وقتها قال الأسد كلاماً لم يكن مقنعاً، وحاول تمييع الموضوع قائلاً: “انسوا الموضوع واعتبروها غير موجودة”، على الرغم من أن اعتبارها كذلك غير ممكن بما أن هناك أشخاصاً صدرت بحقهم مذكرات توقيف.

حلت القطيعة بعد إشكال سماحة، ولاحقاً بعد مواقف سليمان من قصف بعض القرى الحدودية. وبعد القطيعة يتذكر سليمان اللقاء برئيس الوزراء السوري وائل الحلقي، ووزير الخارجية وليد المعلم، في إحدى المناسبات الدولية، يومها بادر سليمان الى القول: “إذا طالبت بإتصال توضيحي من صديق، هل هكذا تصبح الأمور، تخوين وحملات طعن”، أبدى الثنائي السوري استغرابهما لما حصل، وكان الظاهر في حينها أنهما لا يملكان أي جواب.

الخلاف مع الأسد سرى على “حزب الله”، لم يكن خروج سليمان من بعبدا كما دخوله لجهة العلاقة مع الحزب، خصوصاً أن الخلاف بدأ عند تنصل الحزب من إعلان بعبدا، وتحديداً حين قالوا “انقعوه واشربوا مياهه”، علماً، أنه في جلسة إقرار إعلان بعبدا على طاولة الحوار، كان الإعلان جاهزاً، وجرت مناقشته، وإدخال بعض التعديلات عليه، وحين تمت إضافة كلمة القرار 1701 وكافة مندرجاته، تحفظ رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد رافضاً كلمة مندرجاته، على الرغم من أنهم هم من طالبوا بهذا القرار لوقف الحرب. عاد الحزب ووقع على الإعلان، لكنه لاحقاً “تنصّل وتدخل علناً في سوريا وإستباح الحدود بأرتاله”، وهو الأمر الذي أسهم أكثر في تأجيج الخلاف.

يتمسك سليمان بإعلان بعبدا. يعتبر أنه عاجلاً أم آجلاً سيعود الجميع اليه. لا يعتبر أنه موجه الى طرف واحد. ويقول: “من الأساس كنا ضد التدخل في سوريا، وحين بدأت بعض المجموعات السنية الصغيرة تتدخل كان هناك قرار واضح بتوقيف الجميع، لكن حين دخل الحزب بكامل قوته وعتاده لم يعد باستطاعتنا فعل شيء، ولو اتخذنا أي قرار لكانت حصلت مجازر”، منوهاً بموقف القيادات السنية التي “كانت تؤيد الجيش ووفرت الغطاء له، وكانت ترفض تدخل أي طرف في سوريا”.

رفض سليمان كل الحجج والذرائع التي ساقها “حزب الله” للتدخل في سورريا مثل الدفاع عن مقام السيدة زينب، والقرى الشيعية في القصير. يقول أنه لم يقتنع بها، وسألهم عن تنصّلهم من “إعلان بعبدا”، لكن الجواب لم يكن مقنعاً أو مبرراً، إذ قالوا إنهم ليسوا ضده بل حين أصبح الفريق الآخر يستخدمه ضدهم أصبحوا رافضين له.

بعد كل ما حصل بين سليمان والنظام السوري و”حزب الله”، لا يزال يضع الخلاف في إطاره السياسي، لأنه “يحصل بين الجميع”، على الرغم من رفضه للغة “التخوين والتكفير”. يستشهد للدلالة على صوابية الخلاف في الرأي بزيارة إلى إيران في العام 2009 على رأس وفد وزاري، يومها قال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي كلاماً قاسياً يدين فيه بأشد العبارات النظام السوري وطريقة تصرفه، وتعاطيه المباشر وغير المباشر مع الإسرائيليين، وفي حينها كان هناك سعي سوري عبر الأتراك لإعادة تحريك المفاوضات بين سوريا وإسرائيل.فوجىء الوفد الذي كان يضم وزراء لـ”حزب الله” بتلك اللغة، وبادر بعضهم الى سؤال الزملاء عن هذه المواقف، فكان الرد غامضاً ومفاده: “لا تأخذوا الموضوع هكذا بل بشكل عام”.

على جدار صالون منزل اليرزة، يعلق سليمان صور جمعته بقيادات روحية وسياسية في البلد، ونظرائه في العالم. إنتهى عهد حافل بالأحداث والتطورات، وأضحى جزءاً من الماضي والتاريخ ليحكم عليه سلباً أو ايجاباً، لكن سليمان يبدو مطمئناً لما حقق، ولمواقفه، وللمسؤولية التي حملها في هذه الظروف. بين الصور صورة لافتة تجمعه برئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب وليد جنبلاط لأن “من يرانا بعين نراه بالإثنين”، وفي الجانب الآخر يطل المنزل على جزء من لبنان، فيما يعد سليمان أن يطل “لقاء الجمهورية”، الذي أطلقه قبل أسابيع، على الرغم من تشكيك البعض، على كل لبنان.

المدن / علي علوش

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.