بقلم : عادل السويدي
لقد تم التأكد ايضا من صدق ودقة المشروع/المفهوم الأحوازي عند البحث المعمّق عن هذه الاشكالات، والمطلوب منا تثبيتها كونها عدة حقائق عينية وملموسة مرتبطة بذات الأرض، ومنها منطقة الحويزة وهي تصغير للمفهوم “الأحواز”، فمتعارف جدا أنه في اللغة العربية في القواعد والنحو هنالك قاعدة التصغير للكلمات، مثل كلمة : الكوكب التي يصبح تصغيرها: كويكب، وتصغير كلمة الكوت = الكويت، وتصغير الكلمات التالية التي تزاد في آخرها تاءُ حين التصغير، مثل : شمس = شُمَيْسة، وأَرض = أُرَيْضة، ودعد فنقول دعيْدة، وهكذا فإن تصغير كلمة : الأحواز هو الحويزة، وهي التي كانت عاصمة الدولة المشعشعية ذات السيادة والأمراء المعروفيْن (1424 ـ 1736م)، وأتمنى أن لا يصل الأمر بأصحاب مجموعة التسمية “الأهواز” أن يحرفوا ايضا تسمية هذه المدينة العربية العريقة الى “الهويزة” كما يسميها الفرس اليوم في دعايتهم الرسمية بـ “هويزة”، إذ أن الفرس يسمون الإسم/المفهوم العربي : الأحواز، يسمونها “الأهواز”، وعليه في هذه الحالة ستكون التسمية “هويزة” هي التسمية الفارسية المفروضة على الحويزة، فما هو قول أصحاب تسمية “الأهواز”؟ أليس أنهم يرددون ـ شعوريا او لا شعورياً ـ ما دأبت عليه الدعاية الفارسية؟.
من البديهي أن أي فكرة او مشروع مهما كان متأخرا او متخلفا او عقيماً او مخطئاً أو حتى ضاراً لن ينقرض تماماً بنسبة المائة بالمائة، فمثل هذا التفكير قد ولى وبين عقمه في التفكير والاستنتاج، ولكنه سيبقى له بعض التأثير والبقاء مهما تقادم الزمن، وهذا ينطبق ايضا على الأديان والأيدلوجيات، فالفكر الشيوعي على سبيل المثال لا الحصر لم ينقرض في روسيا او في بقية بقاع العالم بتلك النسبة المطلقة، بل بقي في اغلبها عبارة عن مشروع الأقلية والشواذ في القاعدة، وبكل تأكيد هذا أيضا ينطبق على اصحاب مجموعة المنادين بالتسمية الفارسية “الأهواز”، ونحن لا نطمح بأن ينقرض اصحاب هذا الرأي او القناعة، أو أن نحاول نفيهم من بين صفوف شعبنا لا سامح الله، ولكننا نعتقد أنهم مخدوعين بثقافة من خارج واقع التناقضات التي تسود بين شعبهم والمحتلين، ويكفي بأن الجماهير في الوطن وفي منفاه اعتنق هذا المفهوم/المشروع : الأحواز كأغلبية وكقاعدة عامة، وهنالك مقولة معروفة تقول : بأن لكل قاعدة شواذ.
ان مفهوم/مشروع : الأحواز يرتبط اصحابه وفريقه بالمشروع التحرري الحازم والتخلص من اي تأثير للإحتلال الفارسي المجرم ومفاهيمه السياسية والفكرية والثقافية، ومهما ادعى الشواذ من ذلك القوم في أنهم يطرحون مبدأ (الديموقراطية) فإنهم سيتم مواجهتهم بالرفض الشامل والسخرية من هذا الفريق الأحوازي بناء على تراكم التجارب الوطنية الأحوازية الملموسة طوال القرون القديمة والمعرفة التاريخية والتجارب المريرة العسيرة التي كسبها العرب الأحوازيون في العصر الحديث من العلاقة المضطربة مع هذا الجار/العدو المغتصب، لذلك فإن اصحاب هذا الفريق : الأحوازي تجدهم، اراديا ولا ارادي، ينتفضون ضد الآخر الفارسي في اي مناسبة، فتجد على سبيل الزواج والمصاهرة، يجدون بأن هذا الزواج مع الآخر الفارسي هو عار مخجل وعمل شاذ بغيض، ويتم طرد ونفي اي شخص يقوم بالزواج من الفارسية او زواج عربية من الفارسي، فهي ثقافة متجذرة وتدل على تأصيل وتجذير ثقافة الرفض للآخر الفارسي العنصري مهما كان، حتى لو كان ((ديموقراطيا)) او ((مسلماً)) أو ((شيوعيا))، فالمعيار هو التعامل القومي والتفكير والسلوك القومي الذي سيبقى الى ما شاء الله هو مقياس التعامل مع الفرس الى ان يحين وقت التحرر الشامل من هذا العدوان التاريخي الذي يتكرر حينا ويندحر حينا آخر بفعل الجغرافيا التي كانت السبب الأكبر في فداحة الظلم والاضطهاد وعدم الاستقرار طويل الأمد نسبيا التي لاقاها ويلاقيها العربي الأحوازي.
ياقوت الحموي هو الكاتب الطليعي العربي الوحيد الذي تطرق بوعي لـ(معنى) التسمية العربية : الأحواز من بين الكتاب والمثقفين والمؤرخين العرب المسلمين القدماء وغير العرب!!
ان كتاباً ومثقفين عرباً وذوو اصول فارسية أو مسلمين كثر كانوا قد تطرقوا وزاروا وكتبوا عن هذا القطر في العصور القديمة، وبالخصوص في العصر الاسلامي الأول وما تبعه، فلو أخذنا بعين الإعتبار الفترة ما بين صعود العهد الإسلامي ايام الرسول العربي الكريم محمد بن عبدالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولغاية العصر الأول لصعود نجم محمد بن فلاح مؤسس الإمارة/الدولة المشعشعية (1424 ـ 1736م)، سنجد اسماءً لكتاب ومؤرخين عرب ومسلمين كثر كانوا قد تطرقوا لماهية المنطقة من حيث البنية الإجتماعية والتركيبة العشائرية، وكان من بين هؤلاء : ابن كثير وابن اثير وياقوت الحموي والطبري واسماء أخرى، كانوا قد تطرقوا فقط ـ وفق معايير ووعي واستيعاب تلك الحقبة الزمنيةـ الى التسمية المتداولة : “الأهواز” وفق الكم من العهود التي رزحت هذه المنطقة العربية للإحتلال الفارسي الساساني قبل ان يتم تحريرها الشامل والناجز في عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وعلى يد القائد العربي المسلم ابو موسى الأشعري، وعوداً لهؤلاء الكتاب فهنالك عدة اسباب لعدم تطرق هؤلاء المختصين وولوجهم في عمق تكوين تاريخ المنطقة الأحوازية وحجم التأثير الفارسي والإحتلال الذي عاناه القطر قبل الاسلام، ولأن معلوماتهم كانت مستمدة من النقل الشفاهي عن الفارسي غالب، وتأثير كل ذلك على اسماء المدن والقطر والانهر والاستيطان وغيرها من الأمور التي سبق للفرس كإمبراطورية “عسكرية” توسعية ـ وفق الدراسات العميقة والكتب الهائلة التي الفها الكاتب الايراني المعروف ناصر بور بيرار ـ كانت قد سبقت العرب قبل الاسلام في فهمها وتطبيقه، ما اثر ذلك على الوضعين العربيْين : الأحوازي ـ الذي تأثر بالتدمير الأكبر والأوسع ـ والعراقي الذي تأثر ايضا ايما تأثير، وجاء بعد ذلك العهد الاسلامي وبدأ عصرٌ آخر يشمل هذه المناطق التي خرجت تواً بعد معاناة قرون من الاحتلال الوحشي الفارسي وبدأتا تتعافان رويدا رويدا من تلك التأثيرات الإحتلالية التي اصابت كل مفاصل الحياة المتعلقة بالانسان والمكان والأصعدة ذات الشأن وفق مفاهيم جديدة سادت تلك الحقبة الزمنية والمكانية.
فياقوت الحموي يعتبر هو المثقف العربي الإسلامي الأكثر فهما ووعيا في التطرق الى معنى: الأهواز وارجاعها الى اصولها العربية، وذلك بسبب تخصصه في هذا المجال، فهو كان متخصصاً في النحو وقرأ الصرف وسائر قواعد اللغة العربية، واستخدمه مولاه في الأسفار التجارية، ثم أعتقه، عندئذ راح ياقوت يكدّ ويكسب العيش عن طريق نسخ الكتب، وقد استفاد من هذا العمل فطالع العديد من الكتب واتسع أفقه العلمي، وبعد مدة عاد ياقوت إلى مولاه الذي وكّل إليه عمله وعطف عليه، وطلب منه السهر على أسفاره للتجارة، فأفاد ياقوت من رحلاته المتعددة فجمع المعلومات الجغرافية الفريدة، ثم سافر إلى حلب، مستغلاً تنقله لجمع المعلومات، ومن حلب انتقل إلى خوارزم فاستقر فيها إلى أن أغار جنكيزخان المغولي عليها عام 616 هـ أي (1218م)، ففرّ ياقوت معدماً إلى الموصل في العراق، مخلفاً وراءه كل ما يملك.
أهم مؤلفات ياقوت الحموي كتابه المعروف (مُعجم البلدان) الذي ترجم وطبع عدة مرات، ويعالج المؤلف في كتابه هذا مواضيع رئيسية أهمها:
ذكر صورة الأرض، وما قاله المتقدمون في هيئته، والمتأخرون في صورته.
معنى الأقليم وكيفيته.
الفرسخ، الميل، الكورة، وهي ألفاظ يكثر تكراره.
حكم الأرضين والبلاد المفتتحة في الإسلام.
وقد تطرق ياقوت الحموي في كتابه المعروف (معجم البلدان) اثناء تجواله وزيارته للقطر الأحوازي، كاتبا وموضحا التالي :
((“الأهواز: آخره زاي وهي جمع هوز وأصله حوز فلما كثر استعمال الفرس لهذه اللفظة غيرتها حتى أذهبت أصلها جملة لأنه ليس في كلام الفرس حاء مهملة وإذا تكلموا بكلمة فيها حاء قلبوها هاء فقالوا في حسن هسن وفي محمد مهمد ثم تلقفها منهم العرب فقلبت بحكم الكثرة في الاستعمال وعلى هذا يكون الأهواز اسما عربيا سمي به في الإسلام وكان اسمها في أيام الفرس خوزستان وفي خوزستان مواضع يقال لكل واحد منها خوز كذا منها خوز بني أسد وغيره، فالأهواز اسم للكورة بأسرها وأما البلد الذي يغلب عليه هذا الاسم عند العامة اليوم فإنما هو سوق الأهواز. وأصل الحوز في كلام العرب مصدر حاز الرجل الشيء يحوزه حوزا إذا حصله وملكه. قال أبو منصور الأزهري الحوز في الأرضين أن يتخذها رجل ويبين حدودها فيستحقها فلا يكون لأحد فيها حق فذلك الحوز هذا لفظه حكاه شمر بن حمدويه، وقرأت بعد ما أثبته عن التوزي أنه قال الأهواز تسمى بالفارسية هرمشير وإنما كان اسمها الأخواز فعربها الناس فقالوا الأهواز”)