حوار ورد عبد الرحمن شرف النقدي ل ناصر طلال؟ يوجد فرق بين القضايا والابحاث الاجتماعية والأبحاث والتحليل العلمي؟
منشوري هنا تحليل نقدي لرد الأخ ناصر طلال على منشوري السابق.
أخي العزيز ناصر شكراً لتقديمك تحليل لمنشوري السابق واشكرك لهذا الشأن المّهم بالنسبة لي. فالتغيير هو حوار أفكار. وبناء قيم واسس جديدة تٌعلي من شأن الانسان والمجتمعات. وأن هدف اي مفكر وكاتب أن يقدم للناس الجوهر أو توصيلهم لجوهر الاشياء بل هذا واجبه الحقيقي والسامي.
لقد ذكرت في التحليل أنني أنطلق من تصور مسبقٍ. وأنه ليس بحجة يُتخذ بها والبناء عليها. بناء على قراءتك ووجهة نظرك لشخصي والمنشور واعتناقك الإسلام كدين تدين به وتعبر بناءً على ايمانك وجهات نظرك في الحياة والشأن العام.
وهنا أرد بأن وجهة نظري على تصور مسبق ولكن هذا التصور تحكمه أسس موضوعية وعقلانية بالنسبة لي ولا تنفصل أية وجهة نظر لدي عن هذه الموضوعية والعقلانية سواء كان بحياتي الشخصية أو كتاباتي التي انشرها في بعض الجرائد والمواقع والحوارات التي أخوض بها. واقصد هنا بمراعاة العقلانية والموضوعية هو الأخذ بالعديد من النظريات والأبحاث الاجتماعية العصرية حسب درجة اطلعي التي هي تحتاج دائماً للتوسع والتعمق بمسيرة أي إنسان ساعي للمعرفة والتغيير.
أنا هٌنا لا أقدم علم كما يُدرسَ في الفيزياء ومنّهجيَته في أي اختصاص علمّيٍ.
لأن الأبحاث العلمية بأسسها تختلف عن الأبحاث الاجتماعية في النتائج ولو كان يوجد بعض من القواسم المشتركة فيما بينها والمنهجية.
أنا أقدم وجهة نظري بناءً على مشروع فكري وجودي إصلاحي هو ذاتي بنفس الوقت. لمجتمعاتنا الشرقية سواء كان مكون إسلامي مسيحي يهودي …الخ وهذا المشروع لا يبتعد بطرحه عن المشاكل التي ترزخ تحتها وتُعاني منها.
في هذا المشروع اعتبر نفسي جزء من هذه البلاد جزء من المسلم ومن المسيحي واليهودي من كل مكوناتها العرقية. ولا افرق أحد عن أخر لا بالمشاعر ولا الفكر ولا بالتقوى وابداء الرأي بناء على الموضوعية والعقلانية التي دائماً أحاول أن اتقرب بهما من الحقائق والوقائع كما هي ليعرف القارئ مواجهتها والخلل وتقريبه من الحقائق سواء في الحاضر أو التاريخ.
وأريد أن أوضح أمر أخر في هذا السياق بأنني لست مسيحي الديانة وانا لا اعتبر المسيح او عيسى وحتى محمد، لم يأتوا ليؤسسوا اديان كما نعرفها في وقتنا الحالي بل بالعكس الامر لدي مختلف كلياً في هذه النظرة.
وبهذا السياق ايضاً في ظل نشوء وتكون الديانات الابراهيمية التي تنِبع من نفس الألّه. ضمن مشروعي الفكري والاصلاحي والتغييري الذي لا أفرضه على أحد بل هدفي فهم الذات وانوار العقل والحرية بكل ابعادها ليتناسب هذا الطرح مع إقامة دولة تسودها الحرية أي دولة يسودها الفكر الليبرالي.
وبأن هذه الديانات الابراهيمية التي تنبع من نفس الاله. أي لا نحتاج للدين وجوهر الدين بل جوهر الله وكلمته التي هي يسوع المسيح أو عيسى (ص) ابن مريم المذكور في صلب كٌتب هذه الديانات. والنصوص هنا لا تعنيني كثيراً سوى للفهم الذاتي كقراءة تاريخية بكل هذه الكٌتب.
الأمر الأخر لدي ليس هو جلد الإسلام بمقدار ما هو مواجهة الإسلام بمقدسه ومورثه؟
والمواجهة تكون لدي ضمن هذا المشروع الفكري الإصلاحي بالطريقة السلمية هل الإسلام يواجه تحدي مع متغيرات العصر والنظريات العصرية المتفق عليها كعلوم اجتماعية جديرة لرفع من شأن المجتمعات والانسان. هكذا تكون لدي أصول المواجهة وانطلق بها بالشكل الموضوعي والعقلاني
هل الإسلام بتاريخه له خفقات ويجب انَ يُعترف بها هل الإسلام ببعض نصوصه وجوانبه يبعث العنف ويقف ضد حرية الأفراد وتطلعاتهم. هل الإسلام يجب ان ننظر له بنصوصه وبوحيه كما ينظر له الأن في المناهج الفقهية والاعلام الديني. هكذا هو بالنسبة لي انظر للإسلام او تاريخه او أي فكر ودين أخر سواء المسيحية او اليهودية او الهندوسية او الماركسية والاشتراكية وليبرالية واي ايديولوجيا.
وان واقعنا الشرقي الذي يشكل أغلبية إسلامية بالحاضر والماضي أي بتاريخه الذي يسوده الحروب والغزوات لنشر الإسلام هو تاريخ ساقط لان الله لا يحتاج أن ينشر رسالته عن طريق العنف والغزوات التي نعرفها ولو كان يحتاج فهو إله ناقص ولا اعتبر هذا قوة او تاريخ مشرف نفتخر به باسم الله وبالسيف والجلد. بالإضافة للاستبداد الديني الحالي الموجود الذي ساعد بمنهجيته القائمة على زيادة نفوذ الاستبداد السياسي وانشار حركات إرهابية كداعش والنصرة وحزب الله والقاعدة وغيرهما من الحركات سواء من المكون السني أو الشيعي التي تعتمد على الدين والخطاب الديني في نَشَاط السياسي والديني. وهذه الحركات بفكرها والمؤيدين لها ساعدتنا أن نتأخر وتؤيد وتزيد من دعائم المستبد. حتى عند قيامنا بثورتنا ضد الظلم والطغيان ومطلبنا للحرية جاءت هذه الحركات وعرقلة لنا هذا الشأن الذي نحلم به بالعديد من سلوكياتها وذهنيتها ايضاً.
ولسَّتُ هنا أتهافت يمينٍ وشمالاً. بل هذا راهن نعيشه ونتذوق منه الألم في واقع الأمة الإسلامية وفي الشرق عامةٍ ومعظم جوانب تاريخها المتصارع والحافل بالحروب والغزوات. وهذا يجعلني أن امسك قلمي وأخط به وأقول إننا فعلاً من سقاطة الشعوب مقارنة ما وصلت إليه تلك الشعوب وهذا لا يعني أن تلك الشعوب كاملة أو تاريخها جيد. وليس كما ذكرت على تصور مسبق أو أني مسيحي شقيق هذه الديانة. وكنت قد أوردت في نصي الذي علقت عليه أنت مقالة توضيح ايضاً لهذه النظرة التي انطلقت منها في نصي.
Nasser Talal
{ البَـونُ شاسعٌ بين رأيٍ و تحليلٍ علميٍّ }
منشوري مجردُ تحليلٍ للمنشورِ الـمرفقةِ صورة عنه ، و ليس نقداً لكاتبِـهِ كشخصٍ و كاتبٍ .
(1) منشور أخي فلان ليس حجةً يؤخذُ بها ، و إنما هو رأيٌ يتضحُ فيه الـموقفُ الذاتيُّ من حالةٍ كُليَّـةٍ . بمعنى أنَّ الكاتبَ ينطلقُ من تصوُّرٍ مُسبَقٍ و يطرحُـهُ كحقيقةٍ واقعةٍ لابد من البناءِ عليها ، و هذا لا يصلح في دراسة التاريخ و لا في التحليل الاجتماعيِّ ، بل لا يصلح ليكونَ ركيزةً علميةً لبحوث جادة … هو مجرد رأيٍ و موقفٍ ، و هو حرٌّ في إبدائهما و التعبيرِ عنهما كيفما شاءَ ، و لا حقَّ لأحد في شخصنةِ الحوارِ ، أو اتِّهامـهِ بشيءٍ .
(2) يرتكزُ أخي فلان على فرضيةِ أنَّ تاريخَنا ساقطٌ من معظمِ نواحيه ، و لكنه لا يُبَيِّنُ ما يعنيه بلفظةِ : ساقطٍ . ثم ينتقلُ إلى مجالٍ أوسعَ هو الـموروثُ الـمُقَـدَّسُ ، الذي هو القرآنُ الكريمُ و ما بُنِـيَ عليه من فقهٍ و تشريعٍ كما تُبَـيِّنُ عبارتُـهُ : أنتم أفضلُ أمةٍ أُخرجت للعالـمينَ ، و هي مأخوذةٌ من الآيةِ الكريمةِ : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } آل عمران : 11 . فهو ، إذن ، يتحدثُ عن تاريخِ الإسلامِ و الـمسلمينَ ، و يجعلُـهُ تاريخاً منفصلاً عن تاريخ الأممِ و الشعوبِ بصورةٍ تُشْـعِـرُنا بأنَّ الـمسلمينَ كانوا يعيشون في حيٍّ أقلويٍّ ( ghetto ) طوالَ التاريخِ ، يمارسونَ فيه تخلَّفَهم الحضاريَّ ، و لم يكن لهم تأثيرٌ في الحضارةِ الإنسانيةِ الشاملةِ . و هو مخطئٌ لأنَّ الواقعَ التاريخيَّ يقولَ إنَّ الحضارةَ الإسلاميةَ ليست فقط قيامَ الدولةِ الكونية ، أي الخلافة ، ثم انهيارها و تفككها ، بل هي حضارةُ العربِ و الفرسِ و البلوش و الـماليزيين و الإيغور و الأتراك و الأمازيغَ و النوبة و القرغيز و الهنود و الـمغولُ و الباشتون و سواهم من شعوبٍ لها أدوارٌ حضاريةٌ رائعةٌ في أزمنةٍ كان فيها سواهم همجاً رعاعاً .. أقول : سواهم ، بالـمعنى الجغرافيِّ و ليس الدينيَّ البَحْـتِ . و لذلك ، فإنَّ الحديثَ عن الحضارةِ الإسلاميةِ لا يكونُ بالتعبير عن موقفٍ ، و لا بالتعميمِ الغِـيتَـويِّ .
(3) نعم ، نحنُ ، معظمَ الـمسلمينَ ، نعتقدُ بأننا خيرُ أمة أخرجتْ للناس ، ليس بالأفضليةِ الإنسانية و العِـرْقِـيَّـةِ ، و إنما بالإيمانِ بالإسلامِ . و هذا أمرٌ لا يتعلَّقُ بنا فقط ، فالـمؤمنونَ من الـمسيحيين و اليهود و الهندوس و البوذيين يعتقدون إيمانياً أنهم الأفضلُ و أنَّهم أبناءُ الله أو تَجَـسُّداتُهُ أو حلولُـهُ الكونيُّ .. هذا جانبٌ إيمانيٌّ لا ينبغي الجدل بشأنِـهِ ، فمن حقِّ الجميعِ أنْ يؤمنوا بما يشاؤون ، و أنْ يروا في أنفسهم ما يشاؤونَ .
(4) ثم يفاجئُنا أخي فلان بقولِـهِ إنَّنا سقاطة الأمم . فما الـمقصودُ بذلك ؟ و هل الـمسلمونَ في بلدانِهم الكثيرةِ هم كتلةٌ واحدةٌ لا تتمايزُ في درجاتِ تحضُّرِها و تمدُّنها و تقدُّمِها السياسيِّ و الفكريِّ و نتاجها العلميِّ ؟ … هذا قولٌ متهافتٌ غيرُ موضوعيٍّ و لا علميٍّ ، و هو مجردُ جزءٍ من رأيٍ شخصيٍّ فيه تعميمٌ مُعيبٌ .
(5) أما العبارة الختامية حول البناءِ بالسيفِ و الفتوحاتِ و الغزواتِ و الفتوحاتِ ، فقد أُتْـخِـمَ دراساتٍ و تحليلاتٍ موضوعيةً ، و لا أريدُ مناقشتَهُ بهذه الصورةِ .
أخي فلان ،
أنتَ كشقيقٍ مسيحيِّ الديانةِ ، عبَّرتَ مراتٍ في منشوراتٍ في الصفحةِ الـمغلقةِ ، و في تعليقاتك ، عن موقفٍ إيمانيٍّ مسيحيٍّ يتعلقُ بالسيدِ الـمسيحِ ، عيسى بن مريم ، عليهما صلوات الله و سلامه ، و عن كونِـهِ التجلي الأعظمَ للإرادةِ الإلهيةِ ، و هذا حقُّكَ و لا يجادلك أحدٌ بما تؤمنُ به ، و لكنك تجادلُ الآخرينَ في إيمانِهم ، و تفترضُ أنَّـهُ لم يكن بينهم مصلحونَ و رافضونَ للاستبدادِ و خارجونَ على الطغاة الذين حكموا في فتراتٍ تاريخيةٍ كثيرةٍ ، و ترى أنَّ ما يؤمنونَ به هو الـمُعَطِّلُ ، و هو افتراضٌ و رؤيةٌ نتفهَّـمهما ، بل إننا معك بوجوب النقدِ ، و إنما نتساءلُ : كيفَ يكونُ هذا النقدُ ؟ و ما أدواتُـهُ ؟ و ما شروطُـهُ الـمعرفيةُ و العلميةُ ؟ و مَنْ يقومُ به ؟ …. البَونُ شاسعٌ بين الرأيِ الذاتيِّ و التحليلِ العلميِّ الـمعرفيِّ .
(ناصر طلال)