عبد القادر أنيس
مقال اليوم حول كتاب القرضاوي “الإسلام والعلمانية، وجه لوجه” أتناول فيه، في هذه الحلقة السابعة، فصل “تحديد المعايير” ص 69-71.
في هذا الفصل يضع القرضاوي المعايير التي يجب أن يخضع لها المتحاورون لكي يفضي حوارهم إلى نتائج مقبولة من وجهة نظره طبعا، أو بالأحرى الوصول إلى نتائج لا تتعارض مع ما يراه معلوما من الدين لا يقبل الرفض والتجاوز. فيقول: “وأريد بتحديد المعايير: الموازين التي يحتكم إليها الفريقان، عند الخلاف، فإذا لم يكن هناك معيار يرضاه الطرفان، ظل الخلاف قائما، ولم يحسم، بل لم يقبل الحسم، لأن كل طرف يدعي أن معه الحق، الذي لا يشوبه الباطل والصواب الذي لا يتطرق إليه الخطأ”. يقول هذا الكلام وكأنه من المطلوب من كل حوار الوصول إلى نتائج حاسمة ولأنه في عرف الشيخ فإن وجود الاختلاف غير مقبول وكأننا في حرب لا بد من غالب ومغلوب.
بالإضافة إلى هذا فالشيخ لا يَصْدُق عندما يقول “يرضاه الطرفان”، لأن ما سيضعه من شروط، كما سنرى فيما بعد، يفترض تغييب أحد الطرفين إسكاتا أو نفيا أو اغتيالا كما حدث بالفعل مع بعض العلمانيين ممن حاولوا محاورة الإسلاميين أمثال القرضاوي بالنظر إلى أن الطرف الإسلامي الذي يمثله الشيخ لا يقبل إلا المعيار الذي يفرضه هو بناء على قوله: ” أما العلمانية في أوطاننا، فهي ـ بأي معيار ـ مرفوضة، معيار الدين، ومعيار العقل، ومعيار العلم، ومعيار المصلحة، إنها ضد الدين، وضد الدستور، وضد حقوق الإنسان، وضد مصلحة الأمة، وأصالتها”.
وهو ما يضع أي محاور لا يسلم للشيخ بهذه الشروط في خانة ما يمكن أن نسميه بالخيانة العظمى لدينه ولوطنه وللإنسانية جمعاء.
طبعا من حق كل متحاور أن يدعي لنفسه الحق، كل الحق، وأن يصف ما عند الطرف الآخر بالباطل، كل الباطل بل حقه التام أن يرفضه ويدعو الناس إلى ذلك، لكن القرضاوي لا يتوقف عند هذا الحد بدليل قوله الذي سبق أن استشهدنا به: “” العلماني الذي يرفض “مبدأ” تحكيم الشريعة من الأساس، ليس له من الإسلام إلا اسمه، وهو مرتد عن الإسلام بيقين، يجب أن يستتاب، وتزاح عنه الشبهة، وتقام عليه الحجة، وإلا حكم القضاء عليه بالردة، وجرد من انتمائه إلى الإسلام، أو سحبت منه “الجنسية الإسلامية” وفرق بينه وبين زوجه وولده، وجرت عليه أحكام المرتدين المارقين، في الحياة وبعد الوفاة”.
هل بقي أمام هذه الفتوى الصارمة مدعاة لأي حوار حضاري؟ هنا القرضاوي وضع كل ما يمكن التحاور حوله في مقام المقدس المتعالي على النقد والشك. فعنده، ليس الدين وحده ضد العلمانية، بل حتى الدستور وميثاق حقوق الإنسان ومصلحة الأمة وأصالتها غير قابلة للنقاش بعد أن أسبغ عليها جميعا قداسة في مستوى قداسة الأديان.
ومع ذلك فسوف نبين تهافت هذه الفتوى عندما نناقش معه هذه الأمور في حينها. على أن نحصر النقاش في هذه المقالة في الحديث عن المعايير التي لا يجب أن تخرج عما رسمه لها القرضاوي حسب معلومه من الدين .
ما يؤيد هذا المذهب الإقصائي عنده قوله أيضا : “وقد زعم الناس في وقت من الأوقات، أن المنطق القياسي الصوري الأرسطي، يمكن أن يكون معيارا صادقا، وعرفوه بأنه آلة قانونية، تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر. ولكن المنطق يعتمد على القضايا المسلمة عند الخصم، وإن لم تكن حقا في ذاتها، ولهذا ظل الناس مختلفين أشد الاختلاف في عصر سيادة المنطق، ولم يغن عنهم منطقهم شيئا”.
وهو زعم غير صحيح. فالمنطق الصوري، ورغم أن الفكر الإنساني الحديث قد تجاوزه وتوسع فيه، قد أدى دورا عظيما في مسيرة الفكر البشري ما كان يمكن بدونه الخروج من قرون الظلام الديني ولهذا حاربته كل المؤسسات الدينية أو شوهت استخدامه وخاصة الإسلام فقال فقهاؤه: من “تمنطق تزندق” وقالوا “المنطق مدخل الفلسفة ومدخل الشر شر”.
ثم يواصل القرضاوي تسفيه أسس التفكير السليم التي أثبتت جدارتها فيقول: “قد يقال: إن هناك معايير إنسانية عامة، يرجع إليها الناس في كل زمان ومكان، مثل: العقل، والعلم، والمصلحة. ولكن مشكلة هذه المعايير، أن كل الناس يدّعونها، وبينهم من التباين والتناقض ما بين الشرق والغرب، أو ما بين السماء والأرض. فاللبرالي يزعم أن مذهبه يمثل قمة العقل والعلم، ويرعى مصالح الناس، والاشتراكي ينقض عليه دعواه، ويزعم أنه ـ وحده ـ ممثل العقل والعلم والمصلحة الحقيقية، وثالث لا يقر لهذا ولا لذاك”.
هل يعني كلام القرضاوي أنه لا يوجد تفكير علمي له أسس ومبادئ يمكن الركون إليها؟ واضح من خلال كلامه أنه لا يعترف بوجود التفكير العلمي ولا بجدواه لأن عقل الإنسان ببساطة عاجز عن الوصول إلى الحقيقة بدون الوحي، أو بالأحرى بدون وكيل هذا الوحي في الأرض بعد النبي، وهو عالم الدين، أي القرضاوي ومن على شاكلته.
لهذا يتعمد القرضاوي هنا تجاهل فارق مهم جدا وهو أن أهل العقل والعلم والمصلحة، كما وصفهم، لا يدعون لأفكارهم القداسة مثلما يدعيها مؤسسو الأديان والمؤمنون بها. ولهذا سهل نقض كل الأفكار التي اصطبغت بصبغة بشرية أو تلك التي كانت مقدسة قبل أن تحتل بيئتها أديان أخرى وتجردها من قداستها مثلما نتعامل اليوم مع آلهة اليونان وكان الشك فيها في عصرنا يفضي إلى القتل مثلما جرى لسقراط، عكس الأديان التي ماتزال مهيمنة رغم أنها هي الأخرى صنيعة بشرية. كما أمكن تعديل الأفكار البشرية وإصلاحها وبعضها تم تجاوزه بسهولة نسبية مقارنة بمحنة مناقضة الأفكار الدينية المقدسة والتي مازال القرضاوي يكفر الناس بناء عليها ويحكم أن “العلماني الذي يرفض “مبدأ” تحكيم الشريعة من الأساس، ليس له من الإسلام إلا اسمه، وهو مرتد عن الإسلام بيقين، يجب أن يستتاب، وتزاح عنه الشبهة، وتقام عليه الحجة، وإلا حكم القضاء عليه بالردة، وجرد من انتمائه إلى الإسلام، أو سحبت منه “الجنسية الإسلامية” وفرق بينه وبين زوجه وولده، وجرت عليه أحكام المرتدين المارقين، في الحياة وبعد الوفاة”.
أين نحن من هذا الكلام المنسوب إلى فولتير والذي هو دين أهل العقل والعمل: “قد أختلف معك ولكني مستعد للتضحية بنفسي من أجل أن تعبر عن رأيك”؟ بينما ملخص رأي القرضاوي كما يمكن أن صياغته هو “أنا على صواب لأنني مسلم وأنا أختلف لأنك لست مسلما كونك على خطأ وتختلف معي وليس لك الحق في أن تختلف معي لأنك إذا أختلفت معي فأنت اختلفت مع الله ومع نبي الله ومع دين الله ويجب أن أطبق عليك شرع الله إذا لم تتوقف عن التعبير عن رأيك وعليك أن تتوب وتؤمن بما أومن وإلا فمصيرك القتل”.
أهم إبداع توصلت إليه الحداثة على مستوى الأفكار هو نسبية هذه الأفكار بما تعنيه من جواز الصواب والخطأ عليها كأفكار قابلة للتطور والتعديل والتجاوز . لهذا لا حوار متمدنا ولا ممكنا إذا لم نتبن هذا السلوك الذي صار من المسلمات لدى الشعوب الراقية. لكن الأفكار المقدسة لا تنتمي إلى عالم النسبية لأنها تزعم لنفسها الحقيقة المطلقة أو حسب تعبيرهم صالحة لكل زمان ومكان مادامت صادرة عن كائن مطلق كلي العلم والقدرة والتواجد وهو الأدرى بما ينفع الناس وما يضرهم. وكم جنت على الإنسانية هذه الأفكار التي ادعت الحقيقة المطلقة بغير حق. وهنا قد يحتج علينا أصولي معترض بقوله إن منظوماتكم الفكرية الوضعية الحديثة التي تحولت إلى أيديولوجيات مقدسة لا تختلف عن الأديان بل حتى زعماؤها تحولوا إلى ما يشبه الأنبياء المعصومين قد تؤدي مناقضتهم إلى السجن أو الموت أو النفي. وهذا صحيح نسبيا فقط، لأن البشرية تمكنت من تجاوز هذه الأيديولوجيات فعدلت منها وغيرتها وألغتها في زمن قياسي وفي أغلب بلاد العالم مقارنة بالأيديولوجيات الدينية وخاصة الإسلامية التي استعصت على الإصلاح رغم كل المحاولات التي بذلت من أجل ذلك منذ قرنين.
حاليا صار التعامل في مجالات الأفكار أكثر تعقلا وتواضعا وإنسانية وقبولا للحوار المتمدن إذا استثنينا عالمنا الإسلامي حيث تهيمن أفكار أمثال القرضاوي باحتكارها للحقيقة باسم المعلوم من الدين فتحاكم وترهب وتحرض على الاغتيال.
وبالتالي فإن قوله: “وإذا نظرنا إلى مذاهب المفكرين والفلاسفة قديما وحديثا، نجد منهم من شرق، ومنهم من غرب، منهم المثبتون، ومنهم النافون، ومنهم الشاكون، الذين لا يثبتون ولا ينفون، منهم المؤهلون، ومنهم الملاحدة المنكرون، منهم المثاليون، ومنهم الماديون الواقعيون”، قول مردود عليه من كل الجوانب. فمذاهب المفكرين والفلاسفة التي يسفهها حققت للبشرية إنجازات عظيمة في مجال الحكم الراشد والعدالة الاجتماعية والحريات لم تتمكن الأديان من تحقيق جزء يسير منها. ورغم الاختلافات الموجودة بين هذه المذاهب فقط أمكن التحاور فيما بينها كما تمكنت البشرية بفضلها، من تشكيل أدوات عالمية ساهمت في توطيد السلم والتفاهم والتبادل. لقد تمكنت شعوب العالم من وضع قوانين ومواثيق عالمية شملت حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والعامل وأسرى الحروب والمعاقين وحتى حقوق الحيوان والنبات. وهي قوانين تسمو في إنسانيتها عن تلك الشرائع الدينية التي ادعت الوحي الإلهي رغم أنها لا تزال في بداية الطريق ومازال يعترض طريقها الكثير من المطبات والمعارضات. ولا مجال لمقارنة ما أبدعه العلم والعقل والمنطق بقانون الغاب الذي تعامل به مؤسسو الإسلام مع المرأة والأسير والأسيرة والمختلفين دينا بل وحتى مع المختلفين مذهبا داخل هذا الدين نفسه. ولا يستطيع لا القرضاوي ولا غيره نفي نظام الرق والسبي والنهب والاحتلال الذي عمل به المسلمون بهدي من تعاليم ربهم ونبيهم.
وعليه فلا عيب في هذا الاختلاف وحتى التناقض بين قوانين ومذاهب البشر مادامت المعارك بين المختلفين تجري اليوم على الورق أو على شاشات التلفزة أو في مواقع الإنترنت أو حتى في مخابر ومصانع البحث والخلق والإبداع، سلاحهم الوحيد الكلمة وليس رصاصات الغدر والخناجر كما هو سلاح الإرهابيين الإسلاميين دون أن ننسى طبعا بعض بؤر التوتر هنا وهناك خاصة في البلاد المتخلفة.
كل هذه الإنجازات البشرية العظيمة يسفهها الشيخ ويحكم عليها بالقصور فيقول: “ولهذا كانت هناك حاجة ماسة، إلى نور آخر، بجوار نور العقل، يسدده ويرشده، فيكون له نور على نور، وذلك النور هو الوحي الإلهي، كما بين ذلك الإمام محمد عبده في “رسالة التوحيد”. الوحي الذي لا يلغي دور العقل، ولكن يأخذ بيده في المتاهات، ويهديه في مفارق الطرق، ومواضع الالتباس التي يكثر فيها الخلط، أو يحكم فيها الظن، أو يغلب فيها الهوى والتخبط، بحكم الضعف البشري”.
وهو يتعمد المغالطة إلى أبعد حدودها، لأننا نعلم علم اليقين أن هذا الوحي لم يعصم المسلمين لا قديما ولا حديثا ولا حتى عصم أقرب الناس إلى مصدر الوحي في فجر الإسلام من الوقوع في متاهات وانزلاقات همجية ضد بعضهم وضد غيرهم. ونعرف الجرائم الوحشية التي ارتكبت عندما أطلق محمد يد أصحابه وتابعيهم وتابعي تابعيهم ضد بعضهم وضد غيرهم من الشعوب والقبائل لدواع مادية أنانية تسلطية اعتبروها ترخيصا لهم من ربهم مثل الرق والسبي والاحتلال وأخيرا استقرت السلطة بين أيدي حكام وملوك مستبدين لا زالوا جاثمين على صدور شعوبهم بمباركة كل القرضاويين. أما التفكير في مقارنة هذا التاريخ الديني السياسي بما تحقق اليوم سياسيا واجتماعيا وفكريا وحقوقيا فهو من قبيل الوقاحة والتنطع.
ولهذا فعندما يقول القرضاواي: “من هنا يجب أن يكون وحي الله ـ أي الإسلام ـ هو المرجع عند التنازع، كما بيناه من قبل” فمعنى هذا أن القرضاوي لا يريد أن يتحاور إلا مع من يسلم له ولأمثاله مكتوف اليدين بأحقية امتلاك الحقيقة المطلقة التي جاء بها الوحي الإسلامي حصرا، وهذا ما نفهمه من قوله: ” والوحي الإلهي، يتمثل ـ الآن ـ في “الإسلام”، الذي ختم الله به رسالات السماء، وختم بكتابه “القرآن” كتب السماء”.
وبما أن القرضاوي قد حكم بالإعدام كما رأينا في قوله السابق على كل من لم يسلم له بمعياره الرباني فمعنى هذا أنه لا يريد أن يتحاور إلا مع صداه أو مع من يسلم له أمره بوصفه الفاهم الحقيقي للإسلام والوكيل على معلومه من الدين. أليست هذه هي نتيجة هذا لفكر الذي أفضى إلى كل هذا الإرهاب الذي يجتاح العالم؟
ثم يقول: “ولكنا ـ مع هذا ـ نرحب بالاحتكام إلى العقل والعلم والمصلحة، حينما يكون العقل عقلا صرفا، لا يشوبه ظن ولا خرص، وينطلق من مقدمات يقينية، ليصل إلى نتائج يقينية. وحينما يكون العلم علما محققا ثابتا، لا مجرد افتراضات أو نظريات تخمينية، يناقض بعضها بعضا، كما في كثير من حصاد “العلوم الإنسانية”. وحينما تكون المصلحة مصلحة حقيقية لا موهومة، مصلحة ترعى الجوانب الفردية والاجتماعية، المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية”.
وهو كلام سخيف لا يستقيم منطقيا وعقليا مادام مفهوم القرضاوي للعقل وللعلم وللمصلحة لا قيمة له إلا بخضوعه للوحي الإسلامي كما يفهمه رجال الدين الذين نصبوا أنفسهم وكلاء في الأرض أو نواب عن مصدر هذا الوحي.
ثم يقول مع ذلك وبكل صلافة: “نحن المسلمين، لا نخشى من تحكيم العقل، ولا من تحكيم العلم، ولا من تحكيم المصلحة، فهي ـ دائما ـ في جانبنا، ونحن أسعد الناس بها”.
فماذا لو حكمنا العقل والعلم والمصلحة؟
لقد تمكن العلم اليوم من تفسير الكثير من الظواهر الطبيعية والآفات والأمراض وغير ذلك مما كان يفسره الدين على أنه من تصريف وتدبير الله: لم يعد نزول المطر والجفاف وثوران البراكين والزلازل وكل المصائب عبارة عن حكمة لا يعلمها إلا الله عند البعض عندما يعجزون عن تفسيرها وعليهم تعطيل عقولهم والتسليم بها أو هو رحمة أو انتقام أو امتحان من الله أو عقاب على معصية يتوجب على المؤمنين مزيدا من التوبة والخضوع والتسليم لقضاء الله وقدره. في هذه الحالات، هل نقبل بتفسير العلم أم بتفسير الوحي؟ كذلك يستطيع العلم إثبات حمل المرأة مثلا أو عدمه في الأيام الأولى بينما الوحي حدد ثلاثة أشهر للمطلقة وأربعة للأرملة للتأكد منه بلا سبب ظاهر والتمكن من الزواج مرة أخرى. هل نعمل بالعلم أم بالوحي؟ اليوم العقل والتجربة والخبرة لم تثبت أن المرأة ناقصة عقل بدليل أنها عندما أتيحت لها الفرص لتدرس مع الرجل راحت تستوعب كل المقررات في أعقد التخصصات شأنها شأن الرجل وتتحمل أرقى وأعقد وأهم المسؤوليات رغم حداثة تحررها في البلاد المتقدمة بعد قرون طويلة من الظلم والغبن والتشكيك في عقلها وإنسانيتها، فهل نواصل العمل بحديث “النساء ناقصات عقل ودين” أم نعمل بما أثبت العلم والخبرة والتجربة صحته. وهل يجب أن نلغي آية الشهادة بحجة أن كون المرأة ضعيفة الذاكرة لم يعد صحيحا؟ وهل مازالت خرافة خلق المرأة من ضلع أعوج مقبولة علميا؟ أين صواب معيار الوحي هنا؟
هل مصلحة المسلمين اليوم تتحقق بالاستفادة من تجارب غيرنهم شرقا وغربا في شتى الميادين السياسية والاجتماعية والتربوية التي أنتجها العقل والعلم والتي أثبتت نجاعتها مثل الحكم الديمقراطي وحرية الرأي والاعتقاد والتعبير والإبداع وكل التجارب الناجحة التي أثمرت أينما زُرعت بما في ذلك في بيئات غير أوربية مثل الهند والصين واليابان، أو نواصل الادعاء بأن لنا في تراثنا الديني ما يكفي وزيادة رغم تهافتنا المرضي على منتجات هذه الحضارة وفي كل المجالات؟
يحدد القرضاوي مجموعة من المعايير ويدعونا للاحتكام إليها. وهي كما يقول: “لدينا: المعيار الرباني، وهو الوحي. ولدينا: المعيار الإنساني، وهو العقل. ولدينا: المعيار الاجتماعي، وهو المصلحة. ولدينا: المعيار السياسي، وهو الدستور.ولدينا: المعيار القومي، وهو الأصالة. ولدينا: المعيار الدولي، وهو وثيقة حقوق الإنسان. ولدينا: المعيار الديمقراطي، وهو احترام إرادة الأغلبية. فماذا تقول هذه المعايير، إذا احتكمنا إليها في الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين؟”
وهو يقرر مسبقا: “أما العلمانية في أوطاننا، فهي ـ بأي معيار ـ مرفوضة، بمعيار الدين، ومعيار العقل، ومعيار العلم، ومعيار المصلحة، إنها ضد الدين، وضد الدستور، وضد حقوق الإنسان، وضد مصلحة الأمة، وأصالتها”.
هذا ما سنراه في الحلقات اللاحقة.