عبد القادر أنيس
يقول الدكتور القرضاوي: ((والعلمانية قد لا ترفض الإسلام، باعتباره عبادة وشعائر، يتقرب بها الإنسان إلى ربه، بناء على أن ذلك جزء من الحرية الدينية ولكنها لا تجعل لهذه العبادة أهميتها، باعتبارها غاية الحياة، والمهمة الأولى للإنسان (وما خلقت الجن والإنس، إلا ليعبدون) (سورة الذاريات: 56). ولا تقيم نظامها التربوي والثقافي والإعلامي على غرس هذا المعنى، وتثبيته، وتعهده، حتى يؤتي أكله)).
طبعا بغض النظر عن جدوى هذه ((المهمة الأولى للإنسان (وما خلقت الجن والإنس، إلا ليعبدون))، التي لا يستسيغها المنطق العقلي السليم وهو يتساءل: ما فائدة عمل نقوم به تجاه كائن آخر لا يحتاجه؟ بينما يتفق الفقهاء أن هذا الكائن لا ينفعه إيماننا ولا يضرّه كفرنا وهو غني عن العالمين. بغض النظر عن هذا فإن قول القرضاوي ((العلمانية قد لا ترفض الإسلام)) فيه تضليل لا يسنده دليل. لماذا قد؟ رغم أن “قد” حرف تقليل كما يقول النحاة أي فيه تشكيك. مع أن العلمانية كما تمارسها البلدان التي استقرت فيها مع الديمقراطية كأسلوب حياة لا ترفض أي دين يعتنقه المؤمن إذا كان لا يلحق ضررا بغيره بل وحتى بنفسه. ذلك أن سلامة الفرد خاصة القاصر في مجتمع عصري علماني من مسؤولية الدولة العلمانية لأنها هي التي تسهر على صحته وأمنه بما تنفقه عليه من أموال الشعب. لهذا يحق لنا أن نتساءل حول مشروعية ومعقولية بعض الطرق التعبدية عندنا من وجهة نظر حقوق الإنسان:
ما هو الموقف السليم من أب يجبر طفله، وهو في سن مبكرة، على صوم رمضان مع العلم أن الصوم في مثل هذه السن مضر بصحته وعلى مرافقته لصلاة الفجر في عز الشتاء وعلى إسماعه آيات العنف والقتل والغزو والتكفير وعلى حضور مشاهد الذبح أيام الحفلات والأعياد؟ ما هو الموقف السليم من مشاهد الجلد التي تقوم بها بعض طوائف الشيعة أمام الملأ؟ ثم نتساءل: متى أتت العبادة في مجتمعاتنا الإسلامية بأُكْلِها كما يرى الشيخ؟ هل نستطيع أن نجزم أن العبادات عندنا لها إيجابيات على حياتنا الاقتصادية مثلا؟ لقد تداول على المسلمين عصور من الازدهار وعصور من الانحطاط، وعصور من الاستبداد، فهل كان لعبادة المتعبدين دور فيها سلبا أم إيجابا؟)
ثم يقول الشيخ ((ولا تنظم (أي العلمانية) الحياة الاجتماعية والاقتصادية تنظيما، ييسر على المسلم أداء عبادته، بغير عوائق، ولا ضغوط، بحيث لا تتعارض أنظمة العمل والدراسة وغيرها، ومواقيتها مع مواقيت العبادة المفروضة)).
صحيح أن العلمانية كسياسة دولة لا يجب أن تُعْنَى بعبادات الناس إلا من حيث توفير الحريات والأمن للناس ليمارسوا حياتهم الروحية والثقافية بغير عوائق خارج أوقات العمل حتى يتساوى الجميع بمختلف أديانهم أمام قانون واحد: مؤمنين وغير مؤمنين. فلا يعقل مثلا أن تتعدد العطل في مؤسسة واحدة أخذا بعين الاعتبار بدين كل واحد. أما عندما تتدخل الدولة وشرطتها لملاحقة الناس بسبب المعتقد في العبادة واللباس والقول والفعل فهذه هي الفاشية. وهذا أيضا مطلب مضر عندما يتحول الدين إلى سياسة دولة رغم أن المسلمين ظلوا طوال قرون يؤدون شعائرهم الدينية دون الحاجة إلى تدخل الدولة لتنظيم هذه العبادات بل حتى في الفترات التي غابت فيها الدولة وحلت محلها الجماعات المحلية الطائفية أو القبلية حافظ الناس على هذا الدين. فكيف نصدق الشيخ وهو يقول بأن العلمانية تهدد الدين؟ الراجح أنها تهدد نفوذ رجال الدين الذين تماهوا مع الدين وحتى مع الله، حتى تحولت معارضتهم إلى معارضة الدين والله بعد أن نصبوا أنفسهم بغير وجه حق وكلاء على مصير الأمة.
أما عندما تدخلت الدولة الهجينة عندنا، وفي غالب الأحيان تقوم بذلك كنوع من المنافسة مع رجال الدين حول من هو الأكثر تدينا بهدف تملق العامة واستغفالها فقد أدى ذلك إلى خسائر جسيمة. لنأخذ مثال الجزائر في مسألة بسيطة مثل يومي العطلة الأسبوعية:
لقد احتدم صراع دونكيشوتي حولها: هل يجب أن تكون هذه العطلة يومي الخميس والجمعة أم يومي الجمعة والسبت أم يومي السبت والأحد. وجهات نظر الخصوم الجزائريين من سياسيين واقتصاديين وإداريين بلغت حدودا مهولة مضحكة خاصة من طرف الإسلاميين الذين نظروا إليها نظرة دينية فتحول خصومهم إلى أعداء للدين والأصالة بين عشية وضحاها.
لنتعرف أولا على رأي المطالبين بجعل العطلة الأسبوعية يومي السبت والأحد تماشيا مع أغلب بلدان العالم. هؤلاء لاحظوا أن الجزائر تتوقف في تعاملها مع العالم، خاصة في مجالات المصارف والتأمينات والتجارة ونشاط الموانئ لمدة أربعة أيام في الأسبوع. فالجزائر تتوقف عن العمل يومي الخميس والجمعة، ثم يتوقف العالم خاصة المؤسسات الاقتصادية والمالية يومي السبت والأحد.
يقول بهذا الصدد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات ((إن الخسائر السنوية التي يتحملها الاقتصاد الجزائري بسبب عدم تطبيق نظام العطلة الأسبوعية العالمية (السبت والأحد) تفوق 750 مليون دولار، وهو ما يعادل مجموع الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، مشيراً إلى أن شرائح المجتمع كافة ينبغي عليها مناقشة العطلة الأسبوعية بطريقة جادة لوضع حد للانعكاسات السلبية لتغيير عطلة نهاية الأسبوع منذ سنة 1976 لأسباب غير اقتصادية)).
http://www.alrroya.com/node/24201
((وبررت الحكومة، القرار (أي قرار تحويل العطلة الأسبوعية من الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت) بضرورة الاندماج في المحيط الاقتصادي العالمي وشروط الانفتاح، المفروضة على الجزائر، في إشارة إلى اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وسعي الجزائر للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، فضلاً عن الخسائر المترتبة عن تعطيل قطاعات حساسة مثل البنوك وشركات التأمينات وقطاع الجمارك والموانئ، لمدة نصف أسبوع منذ سنة 1976)) .
((وأشار تقرير للبنك العالمي وفرعها مؤسسة التمويل الدولية، إلى أن الجزائر ستربح ما بين 1 إلى 3 بالمئة من الناتج الداخلي سنوياً في حال العودة إلى وضع ما قبل 1976)).
ولهذا كانت بعض الشركات الأجنبية قد بادرت ((إلى العمل بعطلة الجمعة والسبت، من أجل مطابقة عملياتها بنظام العمل الدولي والحد من الخسائر الناجمة عن عدم انسجام الجزائر وبقية العالم)). بدل يومي الخميس والجمعة.
رغم ترك يوم الجمعة عطلة فقد ثارت ثائرة الإسلاميين تجاه مطلب اتخاذ يومي السبت والأحد كعطلة أسبوعية:
(( أكد نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني عن حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي) أن الأمر خطير ويعد تجاوزا للقانون، حيث يفترض في الشركات الخاصة والأجنبية الخضوع لدفتر أعباء يتلاءم والتشريع الجزائري، كما اعتبره تجاوزا للأعراف الجزائرية التي تجعل من يوم الجمعة يوما مقدسا يخصص للعبادة والراحة، حتى أن الله، حسب تصريحه، لم يشرع العمل فيه إلا بعد صلاة الجمعة)).
هل هذا رأي معقول؟ هل يوم الجمعة يوم مقدس؟ ألم يقل القرآن ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(9)فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)). وهو ما يعني أن المسلمين الأوائل لم يكونوا يعرفون العطلة الأسبوعية ولا العطلة السنوية ولا نظام التقاعد، وهي كلها بدع حديثة غربية كان على الإسلاميين المطالبة بالتخلي عنها لو كانوا صادقي النية مع دينهم ولو لم تكن سياستهم كلها قائمة على شعبوية مقيتة هدفها جر الناس وراء مشاريعهم. دينيا طولب الناس بترك العمل في وقت أداء صلاة الجمعة، ساعة أو ساعتين على الأكثر. فلماذا صارت المطالبة بالعمل يوم الجمعة خطيرة، ولماذا يكذب هذا النائب على ربه وهو يقول ((حتى أن الله لم يشرع العمل فيه إلا بعد صلاة الجمعة)). بينما الآية واضحة (ذروا البيع) وهو ما يعني أن الناس كانوا يبيعون قبل الصلاة وبعد الصلاة (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ).
ويقول هذا النائب الإسلامي أيضا ((وإذا ثبت اختراق بعض الشركات للعطلة الرسمية، فسيقوم البرلمان بمساءلة الحكومة، خاصة الوزراء المشرفون (المشرفين) على قطاعات العمل والشؤون الاجتماعية)).
ويعني بذلك اضطرار بعض الشركات للعمل يوم الجمعة بحثا عن النجاعة الاقتصادية. فهل يحتاج هذا إلى مساءلة الحكومة؟ لعلم قراء الموقع فقط: يبلغ أجر النائب حسب بعض التقديرات ما يعادل 30 مرة الأجر القاعدي. وكان الأجدر بهذا النائب أن يطالب بتخفيض أجور النواب، خاصة أن غيابهم عن الجلسات أكثر من حضورهم. أما جدوى وجودهم ففيها نظر.
((وفي نفس السياق ذهب الأمين العام لحركة النهضة (حزب إسلامي هو الآخر)، الذي اعتبر ذلك تعديا للقانون وفوضى تبثها الشركات الخاصة، مثلما تعمل في مجال الأسعار، بل أكد أن العطلة الرسمية هي من القضايا الوطنية الحساسة، مضيفا ((نخشى من أن يكون من ورائها نية أخرى للقضاء على شعيرة صلاة الجمعة))، لكنه بالمقابل لم ير مانعا من اختيار أي يوم آخر من أيام الأسبوع دون الجمعة)).
وهذا تهويل آخر: (تعديا على القانون، فوضى، وراءها نية أخرى للقضاء على شعيرة صلاة الجمعة..). هل يعقل أن يصدر كلام كهذا من رئيس حزب؟
ليكن في علم القرضاوي أنه من المحزن والمضحك في الأمر أن الناس عندنا يكادون يتفقون على أن الإقبال على العبادات وارتياد المساجد في هذه السنين الأخيرة، ليس له نظير. حتى إن وزارة الشؤون الدينية قدرت عدد المصلين يوم الجمعة بـحوالي 16 مليون (أي الأغلبية الساحقة). ولعلم القراء يقدر عدد مساجد الجزائر اليوم 16000 مسجدا ومع ذلك يتهمها الإسلاميون بتعطيل بنائها. كان عددها 150 سنة 1830، عشية الغزو الفرنسي، وعددها غداة الاستقلال 2000 مسجدا. فهل عدد المساجد والإقبال عليها له علاقة بتدين الناس؟ كيف نفسر إذن وقوف الجزائريين في وجه الغزو الفرنسي تحت راية الدين؟
ومع ذلك، وهو المحزن والمبكي، فالكل عندنا اليوم يشتكون من انحطاط الأخلاق والمعاملات في جميع المجالات، ويتذكر كبار السن بحسرة زمانا (حتى في عهد الاستعمار) كان المصلون أقلية بينما المتخلقون كانوا أغلبية. ألا تكفي ساعتان بين منتصف النهار والساعة الثانية زوالا (وقت أداء صلاة الجمعة عندنا) لأداء هذه الشعيرة؟
ولا داعي للاستمرار في سرد هذه المهاترات الموجهة أصلا لاستغفال الناس والظهور بمظهر من يدافع عن مصالح الشعب وعن مقدساتهم. بينما كان الأولى المطالبة بتحقيقات جدية حول ما يراه الاقتصاديون من أضرار تصيب اقتصادنا النامي.
هل صحيح أم خطأ ما يقوله أرباب العمل من أن ((سبب اتخاذهم مثل هذا القرار (يعود) إلى الخسائر التي يتكبدونها جراء غياب تنسيق مع المتعاملين معهم في الخارج، حيث يستدل هؤلاء بتقرير أعدته المؤسسة المصرفية العالمية التابعة للبنك الدولي، حيث أشارت إلى أن الجزائر تخسر سنويا ما مقداره مليار دولار جراء التباين بين عطلتي نهاية الأسبوع في الجزائر وباقي دول العالم))؟
هل كل المتعاملين الاقتصاديين الذين يؤكدون جدوى العمل بعطلة أسبوعية تساير نظيرتها في البلدان الغربية التي نتعامل معها بنسبة 90 في المائة يريدون بالإسلام شرا؟
مع ذلك فلن أتجاوز هذه النقطة دون أن أقدم رأيا مختلفا ومكملا في نفس الوقت: ((من جانب آخر، أصرت بعض المصادر البنكية والمصرفية على ألا تعطي أهمية كبيرة لتغيير عطلة الأسبوع، مشيرة إلى أن عدم نجاعة الاقتصاد الوطني يعود إلى غياب مؤسسات وطنية تنافسية مقارنة بنظيراتها الأجنبية. وحسب نفس المسؤولين، فإن أكبر المؤسسات الوطنية وهي سوناطراك تقوم ببيع بترولها وغازها في البورصات العالمية دون الأخذ بعين الاعتبار أيام العطل الوطني)) !!
لاحظوا ((عدم نجاعة الاقتصاد الوطني يعود إلى غياب مؤسسات وطنية تنافسية مقارنة بنظيراتها الأجنبية)). وطبعا من مسؤولية نوابنا التفكير في سبب غياب هذه النجاعة وتقديم الأجوبة الشافية. إلا إذا كانوا يرون أن الشعب قد انتخبهم للتفكير في آخرتهم لا في دنياهم.
بالإضافة إلى هذا فإن نسبة صادرات الجزائر خارج المحروقات تقدر فقط بـ 4 في المائة. وهو ما يعني أن البلاد كلها تعيش على ريع البترول وهو ثروة غير متجددة كما نعرف، وهو ما كان يجب أن يدعونا جميعا، خاصة نوابنا، بوصفهم ممثلين للشعب، إلى التفكير في مصير الأجيال القادمة عندما تنضب آبار البترول.
لكن على من تقرأ زابورك يا داوود !
هل ابتعدنا عن الشيخ القرضاوي في خضم هذه المهازل؟ كلا، فهذه المهازل ما كان لها أن تحدث لو أن بلادنا تحيا حياة ديمقراطية علمانية لا مقدس فيها إلا الذكاء والجهد والعمل والإخلاص وحقوق الإنسان. وهي عملات لا يمكن تقديرها حق قدرها في مجتمع ريعي يعيش الناس فيه اقتصاديا على ريع باطن الأرض ولا يتوقفون عن التكاثر المخيف فوقها، وبلداننا جميعا تشتهر بتصدير الإرهاب في المقال الأول قبل أي منتج مفيد عدا البترول طبعا، وهو في الحقيقة يتم بجهد الغربيين وابتكاراتهم. هل يعقل أن نواصل العيش فكريا على تراث أنتجه الأسلاف بناء على مطالب فرضتها عليهم ظروفهم ومستوى المعرفة المتراكمة يومئذ؟ إنه لمن السخف أن نبحث عندهم عن حلول لمشاكلنا والإجابة عن أسئلة تطرحها علينا حياتنا المعاصرة، ونحن أولى وأجدر بالإجابة عنها لأننا أعلم بها من سلفنا وأكثر تحصيلا من حيث الخبرة والتجربة والعلم والتكنولوجيا.
يعادي القرضاوي العلمانية لأنها حسب قوله ((لا تجعل للالتزام بفرائض العبادات، أو إهمالها، مكانا في تقديم الناس وتأخيرهم، وخصوصا عند الترشيح لمناصب القيادة، وجلائل الأعمال، على أساس مقولة خاطئة: هي التفرقة بين السلوك الشخصي والسلوك الاجتماعي للإنسان، وهو ما لا يقول به الإسلام)).
فهل يجهل شيخنا أنه من السهل الضحك على الناس واستغفالهم بالعبادات، وهذا ما يفعله أغلب سياسيينا؟ أما أن نطالب الشيخ بالاعتراف بحق الناس في حرية الاعتقاد فهذا طلب تعجيزي خاصة وأنه يعرف أن سيادة الحريات الدينية بدون قمع سوف يدفع الكثير من الناس إلى التوقف عن الالتزام بكثير من العبادات لولا الخوف والتقية والنفاق الاجتماعي والانتهازية السياسية.
معاداة القرضاوي للعلمانية تتصاعد حتى تبلغ ما يمكن اعتباره فاشية حقيقية عندما يقول: (( وهي ـ كذلك ـ لا ترى المجاهرة بترك العبادات، التي هي أركان الإسلام العملية، شيئا يوجب المحاسبة أو المؤاخذة، بله العقوبة، التي أجمع عليها فقهاء الإسلام، فيمن يصر على ترك الصلاة أو منع الزكاة، أو إفطار رمضان، حتى أنهم اتفقوا على تكفير من ترك شيئا منها، استخفافا بحرمتها، أو إنكارا لفرضيتها، لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة)).
أليس من الفاشية أن يدعو الشيخ إلى ملاحقة الناس وتقتيلهم إذا لم يلتزموا بالعبادات ، وقد جرى فعلا ملاحقة مواطنين عندنا ألقي عليهم القبض متلبسين (بجريمة) أكل رمضان كما نقول هنا؟ وحوكموا ولولا وقوف الناس معهم وتكفل محامين قديرين بالدفاع عنهم لما كانت النهايات سعيدة، ولن تكون أسعد خاصة بالنسبة لأولئك المواطنين الذين تحلوا بقدر كبير من نبل النفس والشجاعة والصدق مع الذات فعبروا عن قناعاتهم الروحية الحقيقية أمام الملأ؟ أليس هذا دافعا حقيقيا لقيام مجتمع منافق بأتم معنى الكلمة؟ ألا نعتبر رجال الدين أعوانا على إشاعة هذا النفاق الاجتماعي على نطاق واسع في العالم الإسلامي؟