حوارٌ مع صديقي السلفي : أسئلة محرجة وأجوبة أكثر إحراجاً : ـ
الحرية مطلقة للإنسان و لا تقف عند أيّ قيمة أخلاقية إلاّ إيزاء الآخرين ، وأيّ فعل لا يتأذى به الآخرون فيقع على صاحبه لوحده تحديد ما إذا كان هذا الفعل أخلاقي أم لا ، إنطلاقاً من هاتين القاعدتين ( الحرية مطلقة ) و( الأخلاق مطلقة النسبية ) وعلى ضوئهما سأناقش بعض الاسئلة التي تبدوا لدى البعض محرجة لا سيّما الملحدين والحقوقيين العاملين في مجال قضايا المرأة والمثلية الجنسية وأضيف من عندي ما يُسمى ب ( زنا المحارم ) ، تلك الأسئلة التي لا تُطرح من قِبل الخطاب السلفي ببواعث الرغبة المعرفية بقدر ما تُطرح بدوافع سجالية تكتيكية كما سنرى ذلك لاحقاً ، ورغم ذلك سنحاول الإجابة عنها على المستوى الأول وعلى المستوى الثاني سنحاول تعرية دوافعها الحقيقية والكشف عن منطقها الداخلي المهترئ ومدى خطأ صياغتها من الأساس .
وفي البداية لا بدّ من التوضيح بأنّ الدفاع عن الحق بممارسة سلوك معين لا يعني الترويج لهذا السلوك أو قسر الآخرين عليه ، ولكنه فقط دفاعٌ عن الحرية وعن الإنسان وإرادته وحقوقه وفرديته وإستقلاليته وحقه في تحقيق اللذة لذاته ، وكذلك لا بدّ من توضيح أنّ المثلية أو مضاجعة الأقارب ( زنا المحارم ) أو ممارسة الجنس ( الزنا ) لا نعني بها التحرش أو الإغتصاب ، وهذا الخلط ـ المُتعمد في أحيان كثيرة ـ كثيرٌ ما يقع فيه السلفيون عند مناقشتهم لظاهرة المثلية الجنسية أو ممارسة الجنس مع الأقارب أو غير ذلك ، فتجدهم يقولون لكّ : ليس من حقك أن تجعل من أطفالنا شواذاً . أو ليس من حقك إجبار الآخرين على ممارسة زنا المحارم الذي يشمئزون منه . والحقيقة فلا أحد يتحدث عن إجبار الآخرين على المثلية ، ولكن الحديث منصبٌ حول حقوق من هم مثليين أصلاً في ممارسة الجنس المثلي ، ولا أحد يتحدث عن الإغتصاب ولكن الحديث جُلّهُ حول ممارسة تتم برضا الطرفين وموافقتهما الكاملة .
فكما قلنا الحرية مطلقة و لا تقف عند أيّ قيمة أخلاقية إلاّ تلك التي يُحدِّدها الفرد ما لم تتداخل تلك الحرية مع الآخرين ، وهذا ما لا يحدث عند ممارسة الجنس ـ أيّاً كان نوعه ـ فالجنس حوجة ورغبة متبادلة بين إثنيين وإرادة مشتركة بينهما في إشباع تلك الرغبة ، الأمر الذي ينفي إمكانية وجود ضرّر قد يترتب على الآخرين من جراء تلك الممارسة ، والغريب في الأمر أنّ الخطاب السلفي للرد على تلك النقطة فإنه يزعم بوجود ضرّر إجتماعي كان هو السبب الرئيسي لتحريم الزنا حسب قولهم ، وهو الخوف من إختلاط الأنساب ، وهذه الحُجّة بالطبع مردودٌ عليها بواسطة العلم الحديث الذي عن طريقه نستطيع معرفة والد الجنين ، و هذا الرد يفتح تساؤل آخر يُطرح في وجه السلفيين وهو : لماذا إذاً تُجرِّمون المثلية الجنسية التي من البديهي أنها لا تتسبب في إختلاط الأنساب طالما أنّ التجريم عندكم للجنس يستمد أسبابه من المصلحة العامة ؟ ما الضرّر المترتب على الآخرين جراء ممارسة الجنس المثلي أو حتى غير المثلي بإستثناء تلك الحُجّة الساذجة ( إختلاط الأنساب ) ؟ إذاً علّة التجريم علّة ميتافيزيقية وليست إجتماعية ، وبالتالي فهي غير مُلزِمة إلاّ لصاحبها فقط و لا يحق لأيٍّ من كان أن يُلزم بها الآخرين .
بعد ذلك يلجأ السلفي إلى حُجّة لا تقل تفاهةً وتهافتاً عن سابقاتها ، ولكنها هذه المرة تتمسح بالديموقراطية فيقول لكّ : طالما أنّ الأغلبية الساحقة في المجتمع ترى تجريم الزنا والمثلية و( زنا المحارم ) فإنّه يحق تجريم ذلك السلوك قانونياً وإدانته أخلاقياً . والحقيقة أنّ الإسلام نفسه في بداية عهده قد حورب من ( الغالبية الساحقة ) حيث رأت تلك الغالبية أن يتم طرد نبي الإسلام محمد وإخراجه هو وأتباعه من مكة ، فهل هذا فعل أخلاقي أو قانوني ؟ ألم يتوجب على النبي محمد حينها أن يلتزم بهذا الحكم المُجمع عليه من أهل مكة بطرده وعدم ترصده وتحرشه بقوافل أهلها بل وغزوه لمكة ؟
ولا يُحتج هنا بأنّ أهل مكة ظلموا النبي محمد بطرده وإلاّ إحتججنا بدورنا بأنّ إدانة المثلية هي ظلم للمثليين وفي الحالتين ـ المثلية وطرد محمد من مكة ـ فإنّ مصدر الظلم كان إجماعاً إجتماعياً . مما يعني أنّ التجريم والإدانة القانونية لا تتم وفقاً لأهواء الناس أو غالبيتهم ، ولكن حدود التجريم هي حدود إيذاء الآخرين ، لذلك فطرد محمد من مكة كان ـ رغم موافقة الغالبية عليه ـ أمراً غير أخلاقي ، وكذلك تجريم المثلية أمر غير أخلاقي حتى ولو رأى غالبية الناس ذلك .
لذلك فالدساتير الضابطة للقوانيين لاتتم صياغتها عبر الغالبية المنتخبة كما فعل الإسلاميون بمصر في عهد المخلوع مرسي ، وذلك تجنباً لهدر حقوق الأقليات والفئات الإجتماعية التي لا تجد من يمثل حقوقها ويُجسد رغباتها بالدستور عبر الإنتخاب وذلك لقلة عددها ، وإنّما الدساتير تُصاغ بناءً على عنصرين مهمين : الأول هو التوافق ، والثاني هو مرجعية حقوق الإنسان أوالإعلان العالمي لحقوق الإنسان . وعلى ضوء تلك الدساتير التوافقية الحقوقية يتم صياغة القوانيين من قِبل النواب المنتخبين والذين لو أصدروا قانوناً مخالفاً لذلك الدستور ذو المرجعية التوافقية و الحقوقية فإنّ المحكمة الدستورية تُلغيه فوراً حتى وإن صدر من نواب منتخبين . وعلى هذا الأساس نرى أنّ إنتهاك حرية المثليين أو غيرهم بدعوى أنّ ممارساتهم لا تجد قبولاً عند الغالبية بالمجتمع هو أمر منافي تماماً للديموقراطية ولحقوق الإنسان التي يتمسح بها السلفي في تجريمه لبعض الممارسات .
بعد أن تتقطع السُبل على السلفي ولا يجد كلاماً معقولاً يرد به على تلك النقاط فإنّه يلجأ إلى شخصنة الحوار واللعب على وتر العاطفة التقليدية التي يُراهن هذا السلفي على وجودها في وجدان الملحد أو الحقوقي الذي يتبنى قضية الدفاع عن المثلية وعن الحق في ممارسة الجنس متى ما توافق الطرفين على ممارسته ، فيسأل السلفي هذا الحقوقي ويقول له : هل تسمح لأُختك بممارسة الجنس ؟ . وما دفعني لتصنيف هذا السؤال في خانة ( اللعب على وتر العاطفة ) وتجريده من الموضوعية بل ودمغه بالخبث هو أنّ الحقوقي قد أجاب عنه مسبقاً على نحو ضمني عندما قال : إنّ من حق أيّ إنسان أن يفعل ما يحلو له طالما لم يتأذى من فعله هذا آخرون سواءً مارس الجنس أو غنّى بصوته الخشن بالحمّام ، وأُخت هذا الحقوقي تُصنَف ضمن سلالة الإنسان لا ضمن سلالة الفضائيين ، وبالتالي يصدق عليها ما يُدافع الحقوقي عنه كما يصدق على أُخت السلفي الذي سأله كما يصدق على أيّ إنسان في الوجود . وبما أنّ السؤال قد تمت الإجابة عنه مسبقاً فعملية إعادة تكراره بتلك الصياغة من قِبل السلفي هي عملية لا علاقة لها بالفكري أو بالرغبة المعرفية ، ولكن الغرض هو الإغتيال المعنوي والإحراج الذي توهمه السلفي كما نرى من صياغة السؤال نفسه .
فصياغة السؤال ( هل تسمح لأُختك بممارسة الجنس ؟ ) أصلاً صياغة خاطئة ، فالحقوقي لم يقل : أنا أسمح بممارسة الجنس أو المثلية ، وإنّما قال من حق الإنسان أن يُمارس الجنس والمثلية ، فالحقوقي ليس إرهابياً أو وصياً يجعل من نفسه سلطة تسمح ولا تسمح ، وإنّما هو يُدافع عن قيمة الحرية ، ولا يُروِّج أو يَسمح أو لا يسمح بسلوك معين ، فهذا ضد تصور الحقوقي نفسه للحرية المطلقة وللأخلاق مطلقة النسبية . طبعاً السلفي في هذا التساؤل ينطلق من مبدأ يعتقد أنّه مُسلَّمٌ به لدى الجميع ، وهو مبدأ وصائية الرجل على المرأة ، الزوج على زوجته ، الأخ على أخته ، لذلك يبدأ سؤاله ب ( هل تسمح لأختك ب… ؟ ) وعندما يتحاور مع حقوقية فهو لا يسألها ( هل تسمحين لأخيك بممارسة الجنس … ) بل يلجأ إلى أساليب أكثر قذارة ويسألها ( هل تمارسين الجنس خارج إطار الزوجية ؟ ) فعنده المرأة لا يُمكن أن تكون وصية على الرجل والعكس ممكن ، أي أن يكون الرجل وصياً عليها .
وحتى لو أجاب الحقوقي على سؤال السلفي ب: لا ، لا أسمح و لا أوافق على أن تُمارس أختي الجنس خارج إطار الزواج . فهل هذا إثبات لخطأ المبدأ الذي لم يستطع السلفي مسبقاً منطقياً أوعقلياً إثبات خطأه وأعني مبدأ ( عدم قسر الآخرين على ترك ممارسات لا تؤذي أحداً وتُحقق لهم المتعة ) ، فمثلاً لو قال أحدهم : أنا أرضى أن أقتل فلان ، فهل هذا يعني أخلاقية الفعل فقط لأنّ أحدهم رضي به ؟ تماماً كما لو قال الحقوقي أنا لا أرضى ولا أسمح بممارسة أختي للجنس فهل هذا يعني عقلانية رفضه أو أخلاقيته ؟ إذاً السؤال في جوهره عبثي ولا قيمة له وتمت الإجابة على الجانب المهم منه مسبقاً .
ختاماً فإنّ كاتب هذه السطور ليس مثلياً ولا يُمارس الجنس مع الأقارب ( زنا المحارم ) ، لا أقول هذا نفياً لتهمة ، فهذه الممارسات ليست تهماً ، ولكني أقول هذا في سياق الرد على الخلط بين الدفاع عن شئ وتبنيه أو الدعوة إليه ، أريد أن أُثبت عبر هذا التصريح قاعدة أؤمن بها تماماً وهي : قد نكره طعم الحنظل ، لكن ليس من حقنا أن نُجبر الاخرين الذين يستسيغونه على كراهيته ، وأقصى ما نستطيع أن نفعله لهم هو تجنيبهم أيّ أضرار قد تلحق بهم جراء أكلهم لذلك الحنظل ، لذلك فأقصى ما نستطيع أن نفعله لمن أراد الجنس هو تقديم الثقافة الجنسية وتعليمه كيفية تجنب الأمراض التي قد تنجم عن تعدُّد العلاقات الجنسية ، وفي حالة أخ أراد ممارسة الجنس مع أخته وأرادت أخته المثل ( توافقاً وتراضياً بينهما) فنحن لا نملك أن نكون أوصياء عليهما ، وأقصى ما نستطيع فعله لهم أو حتى نجبرهم عليه قانونياً هو عدم إنجابهم لأطفال لعلمنا بالأضرار التي قد تلحق بالجنيين جراء مضاجعة الأقارب ( زنا المحارم ) . وكما يختم الإسلاميون مقالاتهم بعبارة ( و الله من وراء القصد ) أختم أنا مقالتي هذه بعبارة ( والإنسان من وراء القصد ) أيّاً كان نوعه أو عرقه أو جنسه أو لونه أو ميوله الجنسية أو ممارساته الشخصية .