حكومة خبراء لا حكومة محاصصة فاشلة*

iraqdevidedبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد احتلال الدول الحليفة لكل من المانيا وايطاليا واليابان، لم يكن أمام الدول التي انهزمت في هذه الحرب، وبعد الدمار الرهيب الذي لحق بها جراء مغامرات حكامها، إلا أن تضع مصلحة البلاد العليا فوق المصالح الفئوية والحزبية، وأن تستجمع قواها وتعيد بناء البلاد بعيداً عن هوس الحروب التي كانت تدور في عقول الجبابرة من حكامها السابقين. ولم تعمد الأحزاب السياسية في هذه البلدان إلى جمع السلاح وتشكيل جيوش وميليشيات مسلحة بذرائع مواجهة المحتلين من دول الحلفاء، بل إنها طرقت سبيل العقل والحكمة والقراءة السياسية المتفحصة للواقع حفاظاً على شعوبها وبلدانها التي انهكت أشد الانهاك جراء أفضع حرب شهدتها البشرية في كل تاريخها. فقد حوّلت هذه الحرب الضروس تلك البلدان الى قاع صفصف وبضحايا قدرت بخمسين مليون نسمة. نعم اختارت الحركات السياسية وشعوب تلك البلدان التي خسرت الحرب نهجاً وطريقاً في البحث عن أنجع السبل السليمة والسلمية لإخراج بلدانها من جحيم الحرب والدمار وعواقبها على الفرد في كل بلد من هذه البلدان. فراح الناس يجمعون ركام المصانع والمؤسسات الاقتصادية والتعليمية كي يعيدوا بناءها، ولم ينهبوها كما جرى عندنا بعد سقوط النظام السابق في 2003. واتجه الحكماء في هذه البلدان الى جمع خيرة العقول العلمية والاقتصادية والادارية النزيهة كي يعيدوا بناء الدولة، لا أن يتجهوا نحو تصفية خيرة هؤلاء الناس أو تجاهلهم في اعادة بناء المجتمع وإحياء البلاد. وكان أهم ما تم القيام به هو تشكيل حكومات وبناء أجهزة إدارية محلية تضم ألمع الخبراء، بل ومن نخبة الخبراء في كل مجالات إحياء هذه البلدان لكي تقف على قدميها. وقد ضمت هذه النخب اقتصاديين ومهنيين واخصائيين وإداريين، بغض النظر عن هوياتهم السياسية والاجتماعية، وبمن فيهم ممن خدم في أجهزة الأنظمة الفاشية والنازية والعسكرية السابقة من ذوي الأيادي البيضاء. كما لم يجر التردد في الاستفادة من أحدث خبرات ومساعدات جيوش الحلفاء المحتلة وبلدانها. هذا النهج نقل هذه البلدان من الركام المريع الذي طغى على ألمانيا واليابان وإيطاليا إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً وسياسياً في خلال فترة قياسية لا تتجاوز عقد من الزمن.
ورغم التباين في المكان والزمان بين مثال تلك البلدان وبين حال العراق في الوقت الراهن، إلاّ أن هناك الكثير من أوجه التشابه، إضافة الى وجود عناصر دولية راهنة تصب لصالح العراق. وينبغي على العراقيين الاستفادة من خبرة تلك البلدان في تحررها من إرثها الاستبدادي والانهيار الذي لحق بها والخراب الذي أحاط بها خلال الحرب العالمية الثانية.
لقد زج العراق وشعبه من قبل حكامه السابقين في حروب مهلكة خارجية وداخلية، وعاش العراقيون في ظل واحد من أبشع الأنظمة الإستبدادية في العالم- دولة صدام حسين، وقدم العراقيون الآلاف المؤلفة من الضحايا البريئة، وحلّ التشويه الفكري والاجتماعي والاقتصادي في كل مرافق المجتمع، بحيث تحول المجتمع العراقي إلى مجتمع مريض في كل مفاصله جراء سياسة النظام السابق. ويضاف إلى ذلك ما لحق بالبلاد من هدم وتشويه على يد التيارات الدينية والتكفيرية المتطرفة بعد سقوط دولة البعث البائسة.
وفي مواجهة هذه الأهوال، لم يكن أمام أية سلطة جديدة إلاّ أن تلجأ إلى علاج واحد ووحيد يكمن في الاستفادة من تجارب شعوب سبقتنا في معالجة هذا الدمار المادي والروحي، إضافة إلى الاستفادة في هذا المجال من العامل الدولي الذي أصبح واقع حال بعد غزو الائتلاف الدولي بزعامة الولايات المتحدة العراق في عام 2003. وكان لابد أن يندرج في قمة المهام المطروحة أمام العراقيين وأية سلطة جديدة بعد سقوط دولة الجبابرة مهمة تشكيل إدارة مركزية وادارات محلية تضم نخبة العلماء والمفكرين والإداريين والاقتصاديين لمعالجة الخراب الذي لحق ببلادنا المنكوبة، وعدم تكرار تجربة الحكم السابقة الفاشلة عندما كان يقوم بتعيين مسؤولي الدولة لا على أساس الكفاءة والخبرة والعلم والفهم، بل على أساس الولاء للديكتاتور بغض النظر عن أميّة هذا المسؤول أو ذاك. ففي ذلك العهد الغريب على سبيل المثال تم استيزار طه ياسين رمضان، ضابط صف، لوزارات متنوعة مثل الصناعة وغيرها من الوزارات إضافة إلى توليه مناصب عسكرية وإدارته لمحاكم عشوائية دون أن يتمتع بأية أرضية وخبرة أو فهم في كل هذه المجالات. فجلّ ما كان يتمتع به هذا الشخص هو ولائه لقطب السلطة واستعداده لارتكاب كل أنواع البطش من أجله. وتكرر هذا المثل حيث تم توزيع المسؤوليات على أميين آخرين مثل عزة الدوري وعلي حسن المجيد وحسين كامل والقائمة تطول لتولي أهم مناصب الدولة التي كانت تحتاج إلى خبراء وليس إلى أميين أو إلى من يحصل على شهادته بقوة فوهة المسدس كما جرى لصدام حسين نفسه.
ويبدو أن هذا الإسلوب في توزيع المسؤوليات قد أصبح الأسلوب المفضل وتقليد راسخ حتى عند بعض من عارض الديكتاتورية وأساليبها في الحكم. فقد طبق هذا النهج بعد الإطاحة بالحكم البائد تحت لافتة ما أطلق عليها بالمحاصصة طائفية كانت أم عرقية، وبذريعة اشراك جميع الأطراف والمكونات في إدارة العهد الجديد. إن الدعوة لمشاركة الجميع لا تعني بأي حال من الأحوال سوى إيكال المهمة التنفيذية لعلاج الخراب الكبير في البلاد إلى من هم غير قادرين على المساهمة في إصلاح البلد. لقد غاب عن أنظار المعنيين مبدأ “الشخص المناسب في المكان المناسب” كبديل ضروري لطريقة التعيينات الاعتباطية لمن هبّ ودبّ في مراكز المسؤولية في العهد السابق. وهكذا أوكلت في حالات كثيرة بعد انهيار النظام السابق مهمات حساسة تنفيذية إلى من هم لا يستحقونها أو من لايتمتعون لا بالفهم ولا بالنزاهة ولا بالتعليم سواء على نطاق الحكومة المركزية أو الحكومات المحلية أو الإقليم. وأصبحت النتيجة السلبية لهذا الخيار بادياً للجميع بعد قرابة خمس سنوات من المخاض السياسي في العراق. وخسر العراقيون خمس سنوات من فرص إعادة بلدهم، وهدرت أموال طائلة نحن بأمس الحاجة إليها. ولم يجر الاستفادة بشكل فعال من الدعم والمنح الدولية التي التزمت بها العديد من الدول للمشاركة في اعمار العراق. ففي المحافظات، أختير الكثير ممن ليس لديهم المعرفة والقدرة على حل المشاكل وتلبية حاجات المواطنين. فقد انغمر هؤلاء في صراعات دموية عبثية وبالسلاح فيما بينهم مما أدى إلى شل كل الأجهزة التنفيذية وعدم قدرتها على إحياء ما دمر أو بناء الجديد من المشاريع في المحافظات جميعها تقريباً. وتسابق البعض من المسؤولين في المحافظات والمركز الى اللجوء الى تزوير الوثائق الدراسية كي يحملها هذا وذاك ممن مكنهم التغيير من تسلم المنصب دون أي وجه حق.
إن التعثر في تنفيذ المشاريع وعدم توفير فرص العمل للعاطلين شكل فرصة ذهبية لقوى التطرف والارهاب وفلول النظام السابق كي تتمادى في غيّها وتستغل القوى الهامشية في الاعمال الهادفة إلى زعزعة الاستقرار والامان ومنع العراقيين من بناء حياتهم الجديدة.
وفي الحقيقة إن نهج الاعتماد على مبدأ المحاصصة الضارة واختيار من هو غير كفوء في إنجاز المهمات التنفيذية وغير التنفيذية قد طالت أكثر المؤسسات حساسية وأهمية في بناء قواعد الدولة العراقية الجديدة، أي مجلس النواب. فلم يكن اختيار النواب على الاغلب من قبل القوائم المشاركة في التنافس أثناء الانتخابات على اساس المعرفة والدراية والقدرة على مناقشة القوانين الهامة التي تكرس الجديد والمفيد والديمقراطي في بناء الدولة العراقية الجديدة. فمن يتابع جلسات مجلس النواب وخطابات بعض اعضاء المجلس يرى في أحيان غير قليلة الفقر المعرفي ومحدودية الالمام بالجوانب التشريعية والقانونية والمشاكل التي تعترض البلاد، مما دفعت نقاشات المجلس الى متاهات عرقلت عمله في سن أهم القوانين. ولعل أكبر وأخطر خلل في أهم مؤسسة من مؤسسات الدولة الجديدة هو وجود كتل ونواب مازالوا يحتفظون صراحة أو بالخفاء بميليشيات وتنظيمات مسلحة خلافاً للقوانين والدستور، أو بعلافات مع أطراف ارهابية مشبوهة، خلافاً للقسم الذي أقسم به هؤلاء أمام الجميع باحترام قوانين الدولة. ومازالت بعض الكتل تستخدم السلاح وتشكل الجيوش في اطار السعي لفرض ديكتاتورية دينية في البلاد. ولم يتردد رئيس المجلس من التيار السلفي بالتهديد في استخدام كل الوسائل المحرمة ضد نواب آخرين لفرض رؤيته وارادته. وتم ويتم السكوت على كل ذلك ضمن القاعدة التي اعتمدت في الحفاظ على المحاصصات بكل الوانها داخل البناء الجديد للدولة. هذا الوضع هز هيبة أعلى مؤسسة تشريعية ومكانتها في عيون من انتخبها من العراقيين، وأضعف الدور الموكول لها والضروري في بناء دولة ديمقراطية عصرية.
إن تشكيل حكومة مهنية من الخبراء وأصحاب الكفاءات أصبح أمراً ملحاً وخطوة لابد منها لإخراج العراق من دائرة الركود والنزاع العبثي الطائفي والمذهبي. كما أن التخلي عن المحاصصة الطائفية والعرقية والمذهبية في الحكومة وفي جميع مؤسسات الدولة يشكل مقدمة أساسية لتفادي بناء دولة طائفية مذهبية في العراق ،لا تحلُ المشاكل ولا تُوحد العراقيين. ولنا في بناء الدولة الطائفية في لبنان الشقيق ومأزقها وبعد قرابة 70 عاماً خير مثال على فشل هذا الخيار البائس، الذي يُكرس الأسس لنزاعات مسلحة لا نهاية لها، ولا يستفيد منها أهل البلد بقدر ما تستفيد منها قوى خارجية متربصة. وعلى هذا الأساس فإن دعوة السيد رئيس الوزراء نوري المالكي إلى تشكيل حكومة كفاءات وتوزيع المهام الوزارية على العناصر المهنية والكفاءة العالية دون الرجوع الى لعبة المحاصصة الفاشلة، قد يُشكل بداية لمرحلة مستقرة من تاريخ العراق. فلم يعد الإرهاب ونشاط الزمر المعادية وسعيها لعرقلة بناء البلاد يُشكل ذريعة بيد هذا الوزير أو ذاك كي يبرر فشله في توفير الكهرباء والماء والوقود والخدمات والعمل وتنفيذ مشاريع الإعمار. فعلى الوزير الذي يتقبل المسؤولية ان يحسب الحساب لكل العراقيل التي تقف أمام تنفيذ برنامجه ومنها النشاط الإرهابي. وأن لا يقبل بهذه المسؤولية عندما يحس أنه غير قادر على حل المشاكل. يجب أن يكون لدى الوزير القدرة والمعرفة والذكاء والخبرة وصاحب رؤية كي يتخطى وهو على رأس وزارته وبمساعدة الفنيين فيها كل المصاعب. فالوزير ليس موظف عادي بل هو مبدع وخبير. وهو ليس ممثل لطائفة ولا حزب ولا يكفي نضاله ضد الديكتاتورية كي يتسلم هذا المنصب. فوزير المالية والنفط والكهرباء وغيرها من الوزارات العراقية الحساسة يجب أن يكون عالماً وخبيراً في اختصاص وزارته، فلا يكفي أن يكون قد عمل تاجراً في سوق الشورجة مثلاً كي يتولى وزارة كوزارة المالية ذات المهمات الحساسة في إحياء الاقتصاد العراقي المنهار. كفى تشبثاً بممارسات ضارة كتلك التي مارسها النظام السابق، بل علينا التمسك بما تمارسه الدول المتحضرة في اختيار الكفاءات في إدارة الدولة. ويبقى للحزب السياسي دوره أو للكتلة السياسية رأيها من خلال صياغتها للبرنامج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للتشكيلة الوزارية وعبر ما تتمتع به من أصوات في مجلس النواب.
إن التجربة الحالية لبناء وزارة الدفاع العراقية والجيش العراقي، وبدرجة أقل وزارة الداخلية والشرطة العراقية إضافة للمخابرات العراقية هي تجربة إيجابية تميل بشكل عام إلى حماية الهوية العراقية العامة لهذه المؤسسات الحساسة بعيداً عن الهويات المذهبية والطائفية التي حوّلت بعض الوزارات إلى ضيعات لمتطرفي هذه الطائفة أو تلك، وحوّلت بعض الوزراء إلى وكلاء للإرهابيين والميليشيات وغطاء لهم بدلاً من أن تعمل كمؤسسات عراقية تخدم كل العراقيين.
إن السيد نوري كامل المالكي مُطالب وهو على عتبة تشكيل وزارته الجديدة في ظروف العراق الطارئة أن يعمل بالأسس السليمة عند تشكيل وزارته، وأن لا يُعيد الكرة بإستيزار وزراء لا هم لهم سوى عرقلة تنفيذ البرنامج الوزاري أو التغطية على المسلحين أو حتى القيام بإغتيال الأبرياء كما حصل لأنجال السيد مثال الآلوسي على يد وزير الثقافة الهارب. وليس هناك من طريق أمام رئيس الوزراء إلا الاعتماد على الخبرة والكفاءة وهذا ما يوفر له الدعم الكامل من كل العراقيين ويُعزز من فرص نجاحه في مكافحة الإرهاب والتطرف.
29/1/2008
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقالة نشرت على المواقع الألكترونية في مطلع عام 2008، نعيد نشرها بمناسبة دعوة رئيس الوزراء لتشكيل حكومة تكنوقراط، وعسى أن ينفع التكرار.(ع.ح.)

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.